العنف بين إسرائيل و"حماس".. محطات على الطريق المسدود
قتالٌ لم يهدأ في خاصرة إسرائيل الجنوبية، في هجوم واسع النطاق يسيل الكثير من حبر التساؤلات والمحطات في الصراع.
ففي صبيحة السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، نفذت حركة حماس، أكبر هجوم صاروخي ضد إسرائيل منذ سيطرة الحركة على قطاع غزة بقوة السلاح عام 2007.
في ذلك الصباح، أطلق مسلحو حماس صواريخ من غزة وتسللوا عبر الحدود، واشتبكوا في أكثر من موقع جنوب إسرائيل، وفقا للجيش الإسرائيلي.
وبحسب وسائل إعلام عبرية بينها الإذاعة، قُتل ما لا يقل عن 350 إسرائيليا، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد، مع إصابة أكثر من 1400 آخرين، من بينهم 267 في حالة خطيرة.
ووفق ما ورد في الإعلام العبري، احتجزت حماس عشرات الإسرائيليين كرهائن، حيث نشرت الحركة مقاطع فيديو حول ذلك.
وتشير المعلومات الأولية إلى أن الهجوم ليس له سابقة في التاريخ الإسرائيلي الحديث، بالمقارنة بين عدد الصواريخ التي أُطلقت في الضربات الحالية والمواجهتين اللتين وقعتا عام 2014 و 2021.
واستخدمت حماس في هجومها، الطائرات الشراعية من بين وسائل أخرى لدخول إسرائيل على حين غرة.
من جهته، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: "نحن في حالة حرب"، وأطلق عملية "السيوف الحديدية"، وشنت قواته غارات جوية على غزة، كما استدعى جنود الاحتياط.
في الأثناء، ردت إسرائيل بغارات جوية على قطاع غزة أسفرت عن مقتل عشرات الفلسطينيين.
وفيما لا يزال القتال مستمرا بين مسلحي "حماس" والقوات الإسرائيلية، تستعرض "العين الإخبارية" أبرز المحطات في طريق الصراع بين الجانبين.
"حماس" والطريق المسدود
في يونيو/حزيران 2007، استولت حركة حماس، بقوة السلاح، على مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة، وكانت تتصارع دائما مع التوتر المتأصل بين حكم القطاع والحفاظ على شعبية متآكلة كمعسكر مقاومة مناهض لإسرائيل بين الفلسطينيين.
على مدار الأعوام الـ16 الماضية، حاول قادة حماس استمالة الفلسطينيين من خلال إظهار أنهم، وليس السلطة الفلسطينية، هم القادرون على الحكم بشكل أفضل، لكن السواد الأعظم من أهل القطاع لفظ الحركة التي أوغلت في الاعتقالات في صفوف الخصوم، والإعدامات.
مع ذلك، تعتبر حماس نفسها منظمة مقاومة، ويتعين عليها أن تكون كذلك على الصعيد السياسي. ويعود جزء من هذا إلى أن سجلها في حكم غزة متقلب.
ويعيش سكان غزة حياة صعبة، مع ارتفاع معدلات البطالة وانتشار الفقر، لتبقى قدرة حماس على ادعاء الزعامة استنادا إلى نوعية حياة الفلسطينيين العاديين محدودة.
وفي الوقت نفسه، يرى قادة حماس أن إسرائيل دولة غير شرعية ومعادية. وهم يعتقدون أن مهاجمتها أمر مبرر، وأنهم في نهاية المطاف يمكنهم تحقيق مكاسب سياسية من القيام بذلك.
كما أنهم يدركون أن سكان غزة العاديين سوف يدفعون ثمنا باهظا نتيجة للرد الإسرائيلي، ولكنهم يأملون أن تكون التسوية السياسية النهائية في صالحهم، بحسب مراقبين.
مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، ترى أنه حتى لو كان الأمر مجرد تغيير في الوضع الراهن، فإن قادة حماس يهدفون إلى كسب نقاط سياسية (وبالتالي تشويه سمعة السلطة الفلسطينية) من خلال إظهار أنهم، وليس السلطة، هم الذين يقفون في وجه إسرائيل. ويمكنهم أيضا حشد الدعم بين العناصر الأكثر تطرفا في منظمتهم والمنافسين المحتملين مثل حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية.
السلطة الفلسطينية في مأزق
تقول المجلة الأمريكية إن السلطة الفلسطينية وقعت في فخ سياسي، فهي تريد أن ترى حماس تفشل ولكنها غير قادرة على الهتاف لإسرائيل علنا. وفي نفس الوقت تعاني من أزمة شرعية مع تعثر عملية السلام.
كما أن النمو المتصاعد للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والاعتداءات التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون، والتحريض الذي يتزعمه العديد من أعضاء ائتلاف نتنياهو ضد الفلسطينيين، كل ذلك يزيد من صعوبة وضع السلطة الفلسطينية.
فشل استخباري إسرائيلي
وعلى الرغم من أن التوترات كانت مرتفعة لبعض الوقت، مع انتشار التحذيرات من انتفاضة ثالثة، فإن حجم الهجوم الذي نفذته حماس فاجأ إسرائيل، وكذلك المراقبين الخارجيين.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إن هذا كان فشلا استخباراتيا هائلا. بحسب ما نقلته وسائل إعلام عبرية بينها صحيفة "هآرتس".
ومن الناحية التكتيكية، رأت "فورين بوليسي" أن إسرائيل لم تكن مستعدة لمواجهة قدرة حماس على تسلل المقاتلين عبر الحدود وتنفيذ عملية واسعة النطاق تحت أنظارها.
وكان الهجوم أيضًا مفاجئًا من الناحية الاستراتيجية، حيث لم تكن إسرائيل مستعدة لمثل هذا التصعيد الدراماتيكي في القتال.
وخلصت المجلة إلى أن توقيت الهجوم لن يؤدي إلا إلى تفاقم الحرج، كونه وقع تقريبا في يوم الذكرى الخمسين للهجوم المفاجئ الذي أدى إلى اندلاع حرب أكتوبر عام 1973 - والذي قدره مسؤولون إسرائيليون بأنه أكبر فشل استخباراتي في تاريخ البلاد.
وإلى أن يأتي التحقيق في هذا الهجوم المستمر، تطفو تساؤلات عديدة حول السبب الذي دفع أجهزة الأمن الإسرائيلية المعروفة بمهاراتها إلى المفاجأة.
تشير "فورين بوليسي" إلى أن أحد الأسباب قد يكون وجود درجة من الرضا عن النفس من جانب القادة الإسرائيليين.
وربما يكون الإسرائيليون أيضاً قد استهانوا بقدرة حماس على مكافحة التجسس، معتقدين أن الحركة لن تتعلم من إخفاقاتها الماضية.
ومع ذلك، فقد حذر مراقبون منذ فترة طويلة من أن الوضع الفلسطيني كان على وشك الغليان وأن حماس تسعى إلى قلب الطاولة.
كما يمثل الهجوم- بحسب المجلة- فشلًا كبيرًا لحكومة نتنياهو الذي يسوق نفسه كسياسي قادر على قيادة الحرب، وإرغام الفلسطينيين على الخضوع لإرادته، والتشدد فيما يتصل بالأمن.
ويأتي القتال في وقت يواجه فيه نتنياهو تحديات كبيرة أخرى. حيث أدت جهوده الرامية لإضعاف سلطة المحكمة العليا في إسرائيل إلى حد كبير إلى احتجاجات حاشدة.
كما اتُهم هو نفسه بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. وهي اتهامات لطالما رفضها ونفاها.
ومع أن الرجل لديه قاعدة من المؤيدين، إلا أنه يعتمد على حكومة يمينية متطرفة تضم وزراء عنصريين دعوا بشكل علني منذ فترة طويلة إلى معاملة أكثر صرامة للفلسطينيين، خاصة عندما تحدث أعمال عنف.
الرهائن وتعقيد الوضع
وبالإضافة إلى عدد القتلى المرتفع، فإن أحد أصعب الأمور التي يتعين على إسرائيل التعامل معها هو الرهائن الذين تحتجزهم حماس.
في الماضي، كانت إسرائيل تساوم لسنوات على إعادة مواطنيها، وحتى جثثهم.
ففي عام 2011، قامت حكومة نتنياهو بتبادل أكثر من ألف سجين فلسطيني مقابل جلعاد شاليط، وهو جندي إسرائيلي أسرته حماس في 2006.
ولذلك، فإن الرهائن الذين تحتجزهم حماس الآن سوف يشكلون أوراق مساومة قوية، حيث إنهم يمنحون الحركة خيار الرد على العمل العسكري الإسرائيلي من خلال التهديد بإيذاء الرهائن أو إيذائهم أو قتلهم فعلياً. بحسب المصادر نفسها.
كما أن وجود الرهائن في غزة يفرض ضغوطا موازية على القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين. وقد أثار الهجوم بالفعل رد فعل عسكري واسع النطاق.
لكن استعادة الرهائن أحياء سيكون أكثر احتمالا من خلال مفاوضات أو عمليات للقوات الخاصة.
توقع رد فعل إسرائيلي صارم
شمل الرد الإسرائيلي الأولي استهداف منشآت الصواريخ والقذائف التابعة لحماس في غزة، فضلاً عن محاولة اعتقال المتسللين من الحركة ومنع المزيد من المسلحين من دخول إسرائيل .
وتعطي إسرائيل الأولوية للردع، ليس فقط لمنع حماس من الهجوم بل وأيضا لمواجهة حزب الله وإيران وغيرهم من الخصوم، حيث يعتقد قادتها أن الضعف على إحدى الجبهات ينتشر إلى مناطق أخرى.
فعندما قاتلت إسرائيل حزب الله في عام 2006، كانت هجمات حزب الله المستمرة وقتل أكثر من 100 إسرائيلي بمثابة رسالة مفادها أن الجماعة قادرة على إلحاق ضرر جسيم بتل أبيب، حتى لو عانى حزب الله ولبنان في النهاية أكثر من ذلك بكثير.