الهدوء مقابل الهدوء يعيد الحياة لغزة وإسرائيل.. ترحيب ورسالة شكر لمصر
خمسة أيام خلت على القصف المتبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، قبل أن يدخل اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ ليل السبت، وفقًا لمبدأ "الهدوء سيُقابل بالهدوء".
إلا أن ذلك الاتفاق الذي أنهى جولة من القصف المتبادل أدت لمقتل 33 فلسطينيا وشخصين في إسرائيل، كان يقف وراءه جهود مصرية مضنية، أشاد بها البيت الأبيض وبما توصلت إليه.
فماذا قال البيت الأبيض؟
رحب البيت الأبيض بإعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي التي تتخذ من قطاع غزة مقرا، وشكر مصر على التوسط من أجل وقف التصعيد في القتال عبر الحدود.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير "ترحب الولايات المتحدة بإعلان الليلة بخصوص وقف إطلاق النار بين إسرائيل ومسلحين يتخذون من قطاع غزة مقرا بوساطة الحكومة المصرية، بعد نحو خمسة أيام من القتال".
وقال البيت الأبيض إن مسؤولين أمريكيين يعملون مع شركاء إقليميين لتطبيق القرار، وشكر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ومسؤولين مصريين كبارا على "الجهود الدبلوماسية شديدة الأهمية".
اتفاق وقف النار
وكانت مصادر فلسطينية ومصرية متطابقة أعلنت أن إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة توصلت لاتفاق لوقف إطلاق النار يبدأ اعتبارا من الساعة 19,00 ت غ، وذلك برعاية القاهرة.
وقال مسؤول أمني مصري مطلع لوكالة فرانس برس إنه "تم التوصل لاتفاق ينص على أنه بناء على موافقة الطرفين تعلن مصر عن وقف إطلاق النار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في تمام الساعة العاشرة مساء الجمعة".
وتابع: "بناء على ذلك يتم الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار الذي يشمل وقف استهداف المدنيين وهدم المنازل وأيضا استهداف الأفراد، وذلك فور البدء في تنفيذ الاتفاق، وتحث مصر الطرفين على تطبيقه وتعمل على متابعة ذلك بالتواصل معهما".
وأكد رئيس الدائرة السياسية لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي لوكالة فرانس برس "موافقة الطرفين (الفلسطيني والإسرائيلي) على الإعلان المصري لوقف النار بدءا من العاشرة مساء"، موضحا أن الاتفاق "يشمل وقف استهداف المجاهدين، وإقرار إسرائيل بأشياء لم تكن مسبقا تقر بها".
وشدد الهندي على أن "المقاومة حققت بعض المكاسب والإنجازات في هذه الجولة".
فيما قال بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إن "مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي (...) شكر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وأعرب عن تقدير دولة إسرائيل لجهود مصر النشطة من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار".
هدوء مقابل هدوء
وأضاف أن رد إسرائيل على المبادرة المصرية يعني "أن الهدوء سيُقابل بالهدوء، وإذا ما تعرضت إسرائيل للهجوم أو التهديد فستواصل القيام بكل ما تحتاج للقيام به من أجل الدفاع عن نفسها".
وقبيل بدء دخول الاتفاق حيز التنفيذ أطلق مقاتلون فلسطينيون صواريخ باتجاه المناطق الإسرائيلية، بحسب مراسلي فرانس برس.
وردا على إطلاق الصواريخ شنت المقاتلات الحربية الإسرائيلية غارات على "ثلاث منصات صاروخية وموقع عسكري تستخدمه حركة الجهاد الإسلامي للتدريب في قطاع غزة"، بحسب بيان للجيش الإسرائيلي.
وأطلق عدد قليل من الصواريخ بعد الساعة 19,00 ت غ، تلتها غارات إسرائيلية جديدة قبل أن تهدأ الأمور، وبعد ذلك خرج المئات من أهالي غزة إلى الشوارع التي خلت خلال أيام القصف.
وأُطلق صاروخان من غزة بعد الساعة 11 مساءً بالتوقيت المحلي، لكن لم يسجل سقوط ضحايا، وفق ما ذكر الجيش الإسرائيلي.
حي الغلابة
طالت الغارات الجوية عدة منازل في أحياء سكنية على طول مدن القطاع الساحلي الفقير، بينما بدت الشوارع شبه خالية الجمعة في قطاع غزة، وأغلقت المتاجر أبوابها باستثناء المخابز وبعض محلات الأغذية التي فتحت جزئيا.
وقال المتحدث باسم المكتب الإعلامي لحكومة حماس في مؤتمر صحفي في غزة إن "حجم الأضرار التي تسبب بها العدوان حتى اللحظة هدم 15 مبنى بما مجموعه 51 وحدة سكنية هدما كليا، وتضرر 940 وحدة سكنية، منها 49 وحدة سكنية غير صالحة للسكن، وقد بلغت تقديرات الخسائر الأولية نحو خمسة ملايين دولار".
وفي دير البلح وسط قطاع غزة، أشار عماد ريان (64 عاما) إلى جثة حمار ميت ملقاة على أنقاض منزله المدمر، قائلا: "قاموا بتدمير كل منازل الحي، لا أحد في منزله بأمان (..) نسمي هذا الحي حي الغلابة وليس حي المقاومة".
وأكدت أم فتحي بشير في الأربعينات من عمرها أن منزلها المكون من أربع شقق سكنية دمر كليا، مضيفة: "كنت في منزلي لوحدي جاءت ابنتي وقالت لي اخرجي بسرعة سيقصفون منزل جيراننا، هذه المرة الثانية التي يدمرون بيتنا"، لافتة إلى أنها لجأت مع أفراد أسرتها وعددهم 13 للإقامة في بيت جيرانهم.
وفي مدينة غزة، قال محمد مهنا (58 عاما) من أمام منزله الذي دمرته المقاتلات الحربية الإسرائيلية: "لا أرى تهدئة، كل الشعب الفلسطيني يعاني، ماذا فعلنا؟.. نحن نعيش في منزل به أطفال صغار ومنازل الجيران تضررت".
من جانبه، طالب رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في بيان السبت "الأمم المتحدة بالتدخل العاجل لوقف المجازر المرتكبة بحق أبناء شعبنا في قطاع غزة، والضفة الغربية، وتفعيل القوانين الدولية الخاصة بمقاطعة إسرائيل، وعدم السماح للجناة بالإفلات من العقاب".
الجولة الأعنف
نجحت مصر، الوسيط التقليدي بين الطرفين المتحاربين، بالتوصل لاتفاق هدنة تضع حداً لهذا التصعيد الجديد للعنف بين غزة وإسرائيل وهو الأخطر منذ أغسطس/آب 2022.
واندلعت جولة العنف الثلاثاء باستهداف إسرائيل لثلاثة قياديين في حركة الجهاد الإسلامي، وقُتل 33 فلسطينيا في تبادل قصف بين الجيش الإسرائيلي وفصائل فلسطينية مسلحة في غزة، كما قُتل شخصان في إسرائيل، أحدهما عامل من غزة.
وبين القتلى الفلسطينيين ستة قادة عسكريين من الجهاد الإسلامي استهدفتهم إسرائيل بشكل مباشر، ومدنيون بينهم أطفال ومقاتلون من الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وقالت الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة في بيان مشترك نشرته ليل السبت إن "المقاومة دخلت هذه المعركة وخرجت منها موحدة وقوية"، محذرة "العدو من العودة لسياسة الاغتيالات فسيفنا لم يغمد".
وقال الجيش الإسرائيلي إن 1200 صاروخ على الأقل أطلقت باتجاه إسرائيل اعترض نظام الدفاع الجوي 300 منها، بينما يعيش سكان المناطق المتاخمة لغزة في الملاجئ منذ أربعة أيام.
ويخضع قطاع غزة الذي يبلغ عدد سكانه 2,3 مليون نسمة يعانون من الفقر والبطالة، لحصار إسرائيلي منذ سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عليه في 2007، وقد خاض عددا من الحروب مع إسرائيل منذ 2008.
في أغسطس/آب 2022، أدت اشتباكات استمرت ثلاثة أيام بين إسرائيل والجهاد الإسلامي إلى مقتل 49 فلسطينيا بينهم 19 طفلاً على الأقل، بحسب الأمم المتحدة. وأطلق حينذاك أكثر من ألف صاروخ من غزة على إسرائيل أدت إلى جرح ثلاثة أشخاص.