هجوم 7 أكتوبر.. كيف حدث؟
مع بزوغ فجر يوم السبت، السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كانت عيون وآذان دفاع إسرائيل تغفو في سبات، فيما طار النوم من خاصرتها الجنوبية.
كانت الساعة تشير إلى الـ6:30 صباحا، حين اخترق مسلحو حماس حاجزا مع إسرائيل يبلغ طوله 40 ميلا، والذي وُصف ذات يوم بأنه "جدار حديدي"، موصول بمتاهة من الغرف المليئة بالكاميرات وأجهزة المسح الضوئي عالية التقنية.
مشهد درامي
بدا ذلك الصباح وكأنه مشهد درامي، يُظهر مسلحين مدججين بمختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وآخرين يحلّقون فوق الجدار وداخل البلدات الإسرائيلية الواقعة في غلاف غزة، بطائرات شراعية آلية، والبعض على دراجات نارية وفي شاحنات صغيرة وجرّافات وكذلك زوارق في البحر، ومن فوقهم طائرات بدون طيار.
في ضوء ذلك الصباح الباكر الخافت، وغير المسموع تحت هدير أول رشقة من 2200 صاروخ أُطلقت على جنوب ووسط إسرائيل، استخدم مقاتلو حماس قواطع الأسلاك لإحداث ثقوب في سياج مزدوج يبلغ ارتفاعه 20 قدما (6 أمتار).
مشاهد نُشرت وقتها على وسائل التواصل الاجتماعي، تم التقاطها من كاميرات المراقبة الأمنية، وكاميرات لوحات القيادة في السيارات وهواتف المسلحين والضحايا على حد سواء.
وبينما كان مسلحوه يخترقون الحدود، خرج محمد الضيف القائد العسكري لحماس- الذي أعلنت إسرائيل في وقت سابق من العام الجاري، مقتله- برسالته الصوتية "لقد انتهى الوقت بالنسبة لإسرائيل للتصرف دون محاسبة. وبالتالي نعلن عن طوفان الأقصى".
ويُعتقد بحسب تقديرات إسرائيلية أن ما مجموعه 1500 مسلح عبروا الحدود، تحت سماء مضاءة بنيران الصواريخ.
هجومٌ مباغت ضد دولة تمتلك واحدة من أكثر أجهزة الاستخبارات تقدما في العالم، أسفر بحسب الجيش الإسرائيلي عن مقتل نحو 1200 شخص، بما في ذلك 247 جنديا.
فيما قالت إسرائيل إنها قتلت حوالي 1500 مسلح من حماس على أراضيها، في ذلك اليوم.
العتاد والعناصر
وفق تحليل أعدته شبكة "بي بي سي"، انضمت خمس مجموعات فلسطينية مسلحة إلى حماس في الهجوم المميت على إسرائيل في 7 أكتوبر، بعد التدريب معا في تدريبات عسكرية منذ عام 2020 فصاعدا.
وأجرت المجموعات تدريبات مشتركة في غزة تشبه إلى حد كبير التكتيكات المستخدمة خلال الهجوم المميت، بما في ذلك في موقع يبعد أقل من كيلومتر واحد (0.6 ميل) عن الحاجز مع إسرائيل، ونشرتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
في تلك التدريبات التي تم آخرها قبل 25 يوما من الهجوم، تمرّن المسلحون على خطف رهائن، ومداهمة مجمعات واختراق دفاعات إسرائيل.
وفي أحد أكثر العناصر لفتا للانتباه في استعداداتهم، قامت حماس خلال أحد التدريبات، ببناء مستوطنة إسرائيلية وهمية في غزة، حيث تدربت العناصر على الإنزال العسكري والاقتحامات. كما ذكر المصدر المقرب من حماس لوكالة رويترز.
وحول هذه الجزئية، قال المصدر "من المؤكد أن إسرائيل رأتهم (التدريبات) لكنهم كانوا مقتنعين بأن حماس ليست حريصة على الدخول في مواجهة".
هجوم من 4 أجزاء
ووفق المصدر، فإن "قادة حماس لم يكونوا على علم بالخطط، وبينما كانوا يتدربون، لم يكن لدى المسلحين الألف الذين تم نشرهم في الهجوم أية فكرة عن الغرض الدقيق للتدريبات".
وعندما جاء اليوم، يتابع المصدر "تم تقسيم العملية إلى أربعة أجزاء".
الجزء الأول: وابلٌ من 3000 صاروخ تم إطلاقه من غزة تزامن مع توغلات من قبل مسلحين حلقوا بطائرات شراعية معلقة، أو طائرات شراعية آلية، عبر الحدود.
وسبق أن أعلنت إسرائيل أن 2500 صاروخ تم إطلاقها في البداية.
وبعد أن هبطت عناصر حماس بالطائرات الشراعية المعلقة على الأرض، قامت بتأمين المكان حتى تتمكن وحدة "كوماندوز النخبة" من اقتحام الجدار الإلكتروني والإسمنتي المحصن الذي بنته إسرائيل بمليارات الدولارات، لمنع التسلل.
واستخدم المسلحون المتفجرات لاختراق الحواجز ثم انطلقوا بسرعة عبر الدراجات النارية، واشتبكوا مع القوات الإسرائيلية في أبراج المراقبة المثبتة في الجدار.
في هذه الأثناء، كانت الجرافات توسع الفجوات، فدخل المزيد من المسلحين بسيارات الدفع الرباعي، وعدد من المركبات الأكبر حجما، وهي المشاهد التي تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وبعد الاختراق، تحركت مجموعات كبيرة من مقاتلي حماس بسرعة إلى عدة قواعد عسكرية على الجانب البعيد من الحدود، على ما يبدو على دراية بموقعها وتخطيطها وأفضل طرق الاقتراب لتجنب الكشف عنها.
وفي اللحظات الأولى من الهجوم، أطلق القناصة "النيران على نقاط المراقبة" المنتشرة على طول الحاجز، حسبما قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي لوكالة فرانس برس.
إلى أن وصلت الخطة للجزء الأخير، وفق مصدر رويترز، وهو نقل الرهائن إلى غزة، وهو ما تم تحقيقه في الغالب في وقت مبكر من الهجوم، حيث أسَرت حماس وفصائل أخرى، أشخاصا هربوا من حفل بالقرب من كيبوتس رعيم، إلى جانب عشرات من الجنود.
وأظهرت لقطات على وسائل التواصل الاجتماعي عشرات الأشخاص يركضون عبر الحقول وعلى الطريق بينما سمع إطلاق النار.
وفي اقتباس مسرب من استجواب أحد عناصر حماس الذين شاركوا في الهجوم، قال: "لقد مرت خمس ساعات قبل أن يطلقوا النار علينا. كنا مستعدين بألف مقاتل، وخرقنا السياج في 15 مكانا" وفق ما نقلته "الغارديان" عن القناة الـ13 الإسرائيلية.
وشارك جنود إسرائيليون روايات في منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي ومقابلات إعلامية، تشير جميعها إلى هجوم جماعي أولي لشل أنظمة المراقبة والاتصالات في الحاجز.
التمويه
في وصفه للخطط الخاصة بالهجوم الأكثر إثارة للدهشة منذ حرب أكتوبر، قبل نصف قرن، قال مصدر مقرب من حماس لوكالة رويترز "لقد أعطت الحركة إسرائيل الانطباع بأنها غير مستعدة للقتال".
وأوضح أن حماس "استخدمت تكتيكا استخباراتيا غير مسبوق لتضليل إسرائيل على مدى الأشهر الماضية، من خلال إعطاء الانطباع العام بأنها غير مستعدة للدخول في قتال أو مواجهة أثناء التحضير لهذه العملية الضخمة".
وفي الوقت نفسه، سعت حماس إلى إقناع إسرائيل بأنها تهتم أكثر بضمان حصول العمال في قطاع غزة، وهو شريط ضيق من الأرض يزيد عدد سكانه عن مليوني نسمة، على وظائف عبر الحدود وليس لديها أي مصلحة في بدء حرب جديدة.
ومنذ حرب عام 2021 مع حماس، سعت تل أبيب إلى توفير مستوى أساسي من الاستقرار الاقتصادي في غزة من خلال تقديم حوافز بما في ذلك آلاف التصاريح حتى يتمكن سكان غزة من العمل في إسرائيل أو الضفة الغربية، حيث يمكن أن تكون الرواتب في البناء أو الزراعة أو وظائف الخدمات 10 أضعاف مستوى الأجر في غزة.
واعترف مصدر أمني إسرائيلي بأن حماس خدعت أجهزة الأمن في بلاده. وقال "لقد جعلونا نعتقد أنهم يريدون المال، لكنهم كانوا طوال الوقت منخرطين في التدريبات، حتى خرجوا عن السيطرة".
وكما اتضح في الأيام التي تلت الهجوم، فقد أمضت حماس شهورا إن لم يكن سنوات في جمع المعلومات الاستخباراتية عن العمليات الإسرائيلية على طول الحدود، بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية.
وقالت الغارديان، إن حماس حددت نقاط الضعف في السياج، وليس أقلها البوابات على طول الحدود وأنماط الدوريات الإسرائيلية. ويبدو أنها كانت تعرف المناطق التي تخضع للمراقبة الفعالة والتي لا تخضع لها.
وفي حين تظل التفاصيل شحيحة حول ما توصلت إليه قوات الأمن الإسرائيلية بشأن التخطيط للهجوم، تكهنت بعض المصادر بأن الأمن العملياتي لحماس ربما كان مشددا إلى الحد الذي جعل بعض أعضاء قيادتها السياسية بعيدين عن دائرة الأحداث. وهو ما تحدث عنه المصدر المقرب من الحركة لرويترز.
فشل استخباراتي
وفي وقت سابق من ذلك السبت، التقطت المخابرات الإسرائيلية، زيادة في نشاط الاتصالات على الشبكات في غزة.
وبحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فقد عقدت مشاورتان هاتفيتان بين أجهزة الأمن الجنوبية في إسرائيل، وهيئة الاستخبارات في الجيش، وقسم العمليات، والقيادة الجنوبية، بعلم رئيس الأركان هيرتسي هاليفي. وتقرر أنهما لم يفعلا سوى التقاط ثرثرة حول تدريب شبه عسكري، وأن مستوى التأهب ليس ضروريا.
وتعترف إسرائيل بأنها فوجئت بهجوم تزامن مع السبت اليهودي وعيد ديني. وشبّهه متحدث باسم الجيش الإسرائيلي بـ"هجمات الـ11 من سبتمبر"، وقال: " لقد فاجأونا وجاءوا بسرعة من العديد من المواقع - سواء من الجو أو البر أو البحر".
وقال الجنرال المتقاعد يعقوب أميدرور، المستشار السابق للأمن القومي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، للصحفيين، بعد تلك الأحداث، إن الهجوم يمثل "فشلا ذريعا لنظام الاستخبارات والجهاز العسكري في الجنوب".
وفي أعقاب الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس، روى الجنود الذين كانوا في الخدمة، اللحظات المروعة عندما شن المسلحون عمليتهم المعقدة لاختراق "الجدار الحديدي" الإسرائيلي حول الجيب في مواقع متعددة.
كيف ردّت إسرائيل؟
ردا على الهجوم، شنّت إسرائيل عملية عسكرية على قطاع غزة، سرعان ما تحولت إلى حرب ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، موقعة أكثر من أربعين ألف قتيل فلسطيني، وآلاف المصابين، فضلا عن قرابة مليوني نازح، وحصار كامل على الجيب الفلسطيني.