مفاوضات جنيف حول سوريا.. العربة تجر الحصان
مفاوضات جنيف السورية تجاوزت مصير بشار الأسد إلى ما هو أبعد من ذلك، بما يمكن القول معه إنها وضعت العربة أمام الحصان
قبل نحو 5 سنوات، أقر مؤتمر جنيف الأول حول الأزمة السورية عده مبادئ، كان من بينها ضرورة انتقال الحكم في سوريا إلى حكومة انتقالية، ووقعت مؤتمرات جنيف التالية في فخ تفسير هذه الجملة؛ إذ رأت المعارضة السورية، أنها تعني نهاية حكم بشار الأسد، وظل وفد النظام السوري يرد على ذلك، بالقول إن الحديث عن رحيل بشار الأسد غير مطروح للنقاش.
لم يتمكن المبعوث الأممي السابق للأزمة السورية، الأخضر الإبراهيمي، ومن بعده المبعوث الحالي ستيفان دي ميستورا، في تحقيق تقدم بتفسير تلك الجملة، وظل التفسير المتباين لها من الكليشيهات الثابتة قبل وأثناء أي مؤتمر حول الأزمة السورية.
وإذا كان الأخضر الإبراهيمي قد أدرك عدم قدرته على تحقيق أي تقدم في تفسير هذه الجملة المحورية، فتقدم باستقالته من المنصب، فإن دي ميستورا، حاول في البداية، ثم بحث بعد ذلك عن ملفات أخرى للتفاوض رأى أنه يمكن أن يحقق فيها تقدما.
وكان من بين الملفات التي طرحها دي ميستورا على طاولة المفاوضات، بدء من مؤتمر "جنيف 5 "، وهو ما بات يعرف بـ"السلال الأربع"، والمقصود بها الدستور ونظام الحكم والانتخابات ومكافحة الإرهاب.
وتتجاوز هذه السلال الأربع وضعا قائما وهو وجود الرئيس السوري بشار الأسد على رأس السلطة، وتبحث في شكل جديد ترى المعارضة أنه لن يتحقق في ظل وجوده، ويصر وفد النظام على أن أي اتفاق يمكن أن يتم التوصل إليه، لا يعني عدم وجود بشار الأسد.
وهكذا بدأت المعارضة السورية تشعر أنها وقعت في فخ جعلها كمن يجعل العربة تجر الحصان وليس العكس، فالمفترض أن تسفر المفاوضات عن نهاية حكم بشار، ثم يتم التفاوض على تفاصيل مرحلة ما بعد بشار، من حيث نظام الحكم.
وحاولت المعارضة ممثلة في وفد الهيئة العليا للمفاوضات الهروب من هذا الوضع، بالتلويح أكثر من مرة أنها لن تحضر إلى جنيف إلا إذا كانت قضية الانتقال السياسي مدرجة على جدول الأعمال.
وأمام هذا التهديد بدأت تخرج تصريحات روسية مفادها أن الهيئة العليا للمفاوضات ليست وحدها الممثلة للمعارضة السورية، وأن هناك معارضين آخرين يمكن أن يقبلوا بمناقشة السلال الأربع بعيدا عن قضية الانتقال السياسي، وبدأ بالفعل معارضو ما يعرف بـ"منصة موسكو" يشاركون في مؤتمرات جنيف، وكذلك ما يعرف بمعارضي "منصة القاهرة".
وهكذا أصبحت المعارضة السورية 3 فرق هي وفد الهيئة العليا للمفاوضات، ومنصتي موسكو والقاهرة، لتقع في فخ آخر يبعدها خطوة أخرى عن الهدف الأساسي للمفاوضات، وهو بحث الانتقال السياسي.
وبحثت المعارضة الهروب من هذا الفخ في مؤتمر جنيف الأخير، وخرجت تصريحات عن رموزها أن اتحاد المعارضة في وفد واحد، ربما يكون ذلك هو أهم إنجاز يحدث في المؤتمر، ولكن لم تحمل مخرجاته هذا الإنجاز، وأعلن رئيس "منصة موسكو" السورية المعارضة قدري جميل، الخميس الماضي، أن منصات موسكو والقاهرة والرياض للمعارضة السورية تنوي إنشاء لجنة دائمة لتعمل على تشكيل وفد موحد للمجموعات الثلاث إلى مفاوضات جنيف.
وبينما ستبحث المعارضة تشكيل وفد موحد إلى جنيف لوضع العربة أمام الحصان، بعد أن تحول مسار المفاوضات إلى قضايا الدستور ونظام الحكم والانتخابات ومكافحة الإرهاب، بدلا من الانتقال السياسي، فإن الأطراف الأخرى في الأزمة تسير في طريق تحقيق أهدافها.
فالنظام السوري يستمر في كسب مناطق جديدة بعقد اتفاقات التهجير مع المعارضة، والتي قال عنها بشار الأسد إنها الحل الأمثل للأزمة، والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والأردن من ناحية أخرى، تتوصل إلى اتفاق قبل عقد مؤتمر جنيف الأخير، يتم بموجبه إقامة "منطقة آمنة" في مدينة درعا السورية وريفها الواقعة على الحدود بين سوريا والأردن، بما يضمن وفقا لبنوده وعدم وجود قوات غير سورية على الحدود بعمق 30 كيلومترًا، في إشارة إلى حزب الله، ومليشيات تدعمها إيران.
وينظر لهذا الاتفاق على أنه يعكس توافقا أمريكيا روسيا، ربما تزيد مساحته خلال الفترة الماضية لرسم الحل بعيدا عن جنيف.
aXA6IDE4LjIxOC43NS41OCA= جزيرة ام اند امز