تصاعدت حدة التحديات الإنسانية بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
ففي ظل الأزمات السياسية والصراعات الدولية والكوارث الطبيعية، التي يشهدها العالم، يتعذر إيجاد حلول ناجعة وسريعة لهذه الأزمات، بسبب الصراعات القائمة ما بين الشمال والجنوب، وتسارع حدة احتدام المواقف الدبلوماسية ما بين الدول الكبرى وتفاقم الأمراض الاجتماعية.
هذه السياقات أثارت إشكاليات كبرى حول وقائع ما يجري في الساحات العالمية، من جرّاء هذا الزخْم غير المسبوق في لحظة حدوثه ووقوعه في عالم اليوم، ذلك ما يجعل البشرية تعيش حالة بؤس وشقاء، في ظل الاشتباكات القائمة في بنية النظام الدولي، بالإضافة إلى تطوير وسائل مواجهة التداعيات السياسية الصحية والاقتصادية المعقدة، بما في ذلك أعمال العنف، التي تنفذها الحركات والتنظيمات المتطرفة في بقاع شتى من العالم وبشكل مثير ومتواتر.
بالنسبة للشرق الأوسط، فإن وجود شراكة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تعمل بتناسق وطريقة بناءة لحل النزاعات والمشكلات الجذرية في المنطقة، ستكون خطوة مهمة في اتجاه معالجة بعض القضايا، التي يعتمد كثير منها على كيفية تعامل كل الأطراف مع الطموحات الروسية والتركية والإيرانية المنافسة، وهذه القوى الثلاث تتجه نحو توسيع مصالحها في المنطقة على حساب القوى الغربية.
وعلى الأرجح لن تتقلص الهوة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في ما يخص الشرق الأوسط، وربما تتحسن الأجواء، ولكن التوجهات قد تظل متباعدة، ويتعين على القوى الأوروبية أن تنخرط في الشرق الأوسط، لأنه جزء من جوارها الجغرافي، وهي بطبيعة الحال تعتمد على إمدادات النفط والغاز وغيرها، ولديها اهتمامات تجارية وبيئية ومصالح أمنية أساسية في المنطقة، التي شكلت أوروبا فيها مصدراً للاستقرار، بالإضافة لكونها شريكاً تجارياً كبيراً للولايات المتحدة.
وتعد اتفاقية الشراكة للاستثمار والتجارة عبر الأطلسي ذات أهمية بالغة، يسعى من أجلها صناعُ السياسة من الأوروبيين والأمريكيين، بدلاً من ظهور أسباب جديدة لعدم الاستقرار.
ولما تبوأ "بايدن" سدة الإدارة الأمريكية أبدى حسن نيّاته بمشاركته في إيجاد حلول للمشكلات التي تنتاب منطقة الشرق الأوسط، وفي تسوية أزماتها المختلفة، وذلك خلافاً لإدارة "ترامب" التي كانت ترى أن تدخّل الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط كان خطأ، وأن على دول المنطقة أن تحل أزماتها بنفسها، أما "بايدن" فيرى أهمية عودة الولايات المتحدة لممارسة دورها القيادي في العالم، وتتضمن الملامح المستقبلية لسياسته تجاه المنطقة الحفاظ على الروابط الاقتصادية والعسكرية والسياسية مع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، وتعزيز التدخل الفاعل وعودة الدبلوماسية الأمريكية للإسهام بفاعلية في إيجاد حلول لأزماتها.
ما يمكن تأكيده أن الزمن لم يعد يخضع إلا لتبدلات الأولويات السياسية والمصلحية، ذلك ما يدعو إلى إزالة جراحات بعض الدول التي كانت تتصارع فيما بينها، وهكذا حال بعض الدول الآسيوية.
أما روسيا الاتحادية فتتحرك بكل حماسة، وذلك بهدف تعميق علاقاتها بإقامة جسر ما بين دول آسيا وأوروبا، نظراً لموقعها المتميز وعلاقاتها التاريخية مع معظم دول القارتين، وسبق أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تأييده حصول الهند على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي وتعميق الشراكة والتعاون بين موسكو ونيودلهي في مجالات استثمار الطاقة والغاز وتكنولوجيات المعلومات والملاحة الفضائية والدفاعية.
وفي زيارة "بوتين" إلى الهند في 6 ديسمبر/كانون الأول 2021م أقنع نيودلهي بأن موسكو تظل صديقا موثوقا وحليفا للهند، وعلى ما يبدو تمكن الرئيس الروسي من إيصال فكرته إلى رئيس الوزراء الهندي.
وتُشكِّل عمليات تطوير العلاقات ما بين موسكو ونيودلهي وبكين بداية لتحالف ثلاثي استراتيجي، ما يثير حفيظة واشنطن، لا سيما أن آسيا الوسطى ومنطقة الشرق الأوسط تمثلان أكبر المواضيع حساسية للإدارة الأمريكية، وهناك كثير من التكهنات حيال طبيعة العلاقة الهندية-الروسية، وإذا ما كانت تتراجع بسبب تقارب روسيا مع الصين من جهة، والهند مع الولايات المتحدة من جهة أخرى، لكن هذه الزيارة وضعت حداً لقضايا عدة كانت محط اهتمام بينهما.
وتُولي الصين أهمية للقضايا الدولية ليتم النظر إليها على أنها "قائدة عالمية".
على الجانب الآخر، يرى عدد كبير من الروس أن زوال الاتحاد السوفييتي سابقاً، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بالمجتمعات السوفييتية، ما زالت تشكل صدمة، وهم يعتبرون "بوتين" القائد الذي "أعاد شرف البلاد وقوتها على الساحة الدولية".
في هذا السياق، فإن سياسة "بوتين" تتمحور باتجاه إعادة دور الاتحاد السوفييتي سابقاً في العالم كقوة رئيسية لمجابهة التحركات الأمريكية والأوروبية المواجهة لروسيا الاتحادية، وتأتي عملية نجاح تجربة إطلاق مجموعة من صواريخ "تسيركون" الروسية الصوتية حدثاً عظيماً لزيادة أمن روسيا وتحسين قدرتها الدفاعية في ضرب الأهداف الموجودة على سطح الماء وعلى البر بالفعالية نفسها.
وترفض روسيا انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، وسبق أن طالب الرئيس الروسي نظيره الأمريكي جو بايدن بضمانات قانونية تستبعد أي توسيع للحلف مستقبلاً إلى الشرق، وهو شرط لا بد منه حتى تشعر موسكو أنها بأمان حيال "خصومها الغربيين"، في الوقت نفسه يدرس حلف الأطلسي نشر قواته في بلغاريا ورومانيا، وفي دول البلطيق وشرق بولندا.
وتبقى موسكو أكثر دبلوماسية، ودون أن تبدي أي تدخلات في إشعال وتأزيم الموقف العام، إلا أنها أرسلت فرقاطتين بحريتين لمراقبة التحركات الفرنسية، وأوحت بالرد العسكري التقني حال رفضت واشنطن وحلف شمال الأطلسي تقديم ضمانات أمنية، ويبدو الطرفان أكثر حرصاً وحذراً من الإقدام على أي عملية قد تشكل استفزازاً ينجم عنه مخاطر مكشوفة لا تُحمد عقباها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة