بعد ٧٤ عاما من سقوط برلين.. هل يعود النازيون لحكم ألمانيا؟
بروز حركات اليمين المتطرف وخروجها للشارع في الوقت الراهن، وزيادة معدلات الجرائم المرتبطة بها يثير الجدل حول عودتهم للحكم بألمانيا
تنامت خلال الأعوام الماضية قوة حركات وأحزاب اليمين المتطرف في القارة الأوروبية، ووصلت للحكم في بعض البلدان، وفرضت نفسها على الواقع السياسي.
وإن كان ازدهار هذه الحركات مثل إيطاليا والنمسا على سبيل المثال مثيرا للقلق، فازدهارها في ألمانيا يثير الكثير من القلق، لتاريخ ألمانيا الصعب مع مثل هذه الحركات، فذكرى حكم النازيين بزعامة أدولف هتلر وما ألحقه من دمار في العالم حتى سقوطه بهزيمته في الحرب العالمية الثانية وسقوط عاصمته برلين في أيدي الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة عام 1945 لا تزال عالقة بالأذهان.
وفي ضوء هذا التاريخ الصعب فإن بروز حركات اليمين المتطرف وخروجها للشارع في الوقت الراهن، وزيادة معدلات جرائم الكراهية وتلك المدفوعة بدوافع يمينية متطرفة، بما فيها الهجوم على المعبد اليهودي في مدينة هاله "شرق" قبل أيام، واغتيال السياسي الداعم للاجئين فالتر لوبكة في يونيو/حزيران الماضي، يثير الكثير من الجدل حول إمكانية عودة اليمين المتطرف للحكم في ألمانيا.
اليمين الجديد.. ألمانيا مركز الثقل
تشكلت في السنوات الأخيرة شبكة كبيرة من الأحزاب والتنظيمات والحركات اليمينية المتطرفة يمكن وصفها بـ"اليمين الجديد"، وتنتشر في الشوارع وعلى شبكة الإنترنت، وبعضها تمكن من الوصول للبرلمان أو الحكومة في القارة الأوروبية.
وتمثل هذه الشبكة خطرا كبيرا على أوروبا، حسب كتاب "شبكة اليمين الجديد" الذي صدر في أبريل/نيسان الماضي، وأعده الصحفيان كريستيان فوكس وبول ميدلهوف.
وتضم شبكة اليمين المتطرف في أوروبا ١٥٠ حزبا ومنظمة ترتبط بقوة ببعضها بعضا، أبرزها حزب البديل لأجل ألمانيا، ثالث أكبر كتلة في البرلمان الألماني، وحزب الحرية الذي شارك في الحكومة النمساوية السابقة (بين أواخر 2017 ويونيو/حزيران 2019)، وحركة النجوم الخمس (مشاركة في الحكومة الإيطالية)، وحركة الهوية (معادية للأجانب) التي جرى تأسيسها في فرنسا عام 2012 وتملك فروعا في ألمانيا والنمسا.
ووفق كتاب "شبكة اليمين الجديد" فإن ألمانيا تعد مركز الثقل في الشبكة، فبالإضافة لحزب البديل لأجل ألمانيا والحركات المتطرفة مثل النازيين الجدد ومواطني الرايخ وحركة بيجيدا المعادية للإسلام، توجد في الأراضي الألمانية مجلة "اركادي" الخاصة التي تجذب كثيرا من الشباب، وتقدم مقالات عن نمط الحياة اليميني، وإعلانات عن شركات ونشطاء اليمين المتطرف.
كما يمكن لليمينيين المتطرفين شراء أزياء معبرة عن فكرتهم مثل قمصان "نحن الشعب" من متجر "فالانكس" (ألماني خاص ونشط عبر الإنترنت)، وسماع الموسيقى الخاصة بهم في أعمال مطربين يمينيين، أبرزهم مغني الراب الألماني كومبلوت، وكذلك متابعة إذاعة الراديو "لايت بيت راديو" (ألمانية خاصة) التي تقدم محتوى معبرا عن شبكة اليمين الجديد.
وتملك الشبكة أيضا دار النشر الخاصة كوب (ألمانية)، وصحيفة "يونجه فرايهايت" الخاصة (ألمانية أسبوعية تأسست عام 1986) ومجلة "كومباكت" الخاصة (ألمانية شهرية تأسست عام 2010).
وفيما يتعلق بتمويل شبكة اليمين الجديد فإن ألمانيا تلعب الدور الرئيسي أيضا، حيث ذكر كتاب "شبكة اليمين الجديد" أن رواد الأعمال وملاك السفن في ولايتي هامبورج "وسط" وبافاريا "جنوب" الألمانيتين ضخوا عشرات الآلاف من اليورهات في شبكة اليمين الجديد في السنوات الأخيرة، فضلا عن مساهمات الأشخاص العاديين من المتعاطفين أو أعضاء الحركات الأساسية المكونة لليمين الجديد في أوروبا.
وبصفة عامة، يطرح اليمين الجديد المعادي للاجئين نفسه كبديل للأنظمة السياسية الحالية في أوروبا، ويطمح للسيطرة المنفردة على السلطة، وتعود جذوره لحركات النازيين الجدد التي برزت في تسعينيات القرن الماضي، كإحياء للحزب النازي الذي حكم ألمانيا بين عامي 1933 و1945.
زحف سياسي وتطور أساليب العنف
يفرض اليمين المتطرف نفسه على الساحة السياسية الألمانية تدريجيا، حيث بات حزب البديل لأجل ألمانيا، المؤسس عام 2013، أول حزب يميني متطرف يدخل البرلمان الألماني في سبتمبر/أيلول 2017، بعدما حصد 12.6% من الأصوات، وأصبح صاحب ثالث أكبر كتلة برلمانية وحزب المعارضة الرئيسي.
وبعد ذلك التاريخ بعامين، وبالتحديد في 1 سبتمبر/أيلول 2019، حقق حزب البديل لأجل ألمانيا نتائج قوية وغير مسبوقة في الانتخابات المحلية في ولايتي ساكسونيا وبراندنبورج، شرقي ألمانيا. وحصد 27.5% من الأصوات في ولاية ساكسونيا محتلا المرتبة الثانية بعد الحزب الديمقراطي المسيحي (32%) الذي تنحدر منه المستشارة أنجيلا ميركل.
وفي ولاية براندنبورج تصدر الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي يحكم الولاية، المشهد بحصوله على 27.5% من الأصوات، وحل حزب البديل لأجل ألمانيا في المرتبة الثانية بـ22.5%، وهي نتيجة غير مسبوقة لهذا الحزب في الولاية.
ولا يخفي حزب البديل لأجل ألمانيا هدفه الأساسي، فرئيس الحزب وزعيم كتلته البرلمانية ألكسندر جاولاند أعلن عقب انتخابات براندنبورج وساكسونيا، أن الحزب يريد الوصول لحكم ألمانيا.
وبالإضافة إلى هذه الطفرة السياسية تتصدر حركات اليمين المتطرف المشهد في ألمانيا، حيث يزداد عدد المنضمين لها بشكل كبير، وتقدر هيئة حماية الدستور "الاستخبارات الداخلية" عدد المنضوين تحت لواء هذه الحركات حتى العام الجاري بـ٢٥ ألف شخص.
وتمثل "النازيين الجدد"، و"مواطني الرايخ"، و"الهوية" أبرز حركات اليمين المتطرف في البلاد.
وترصد الشرطة الألمانية أسلحة بشكل متزايد بين أيدي نشطاء اليمين المتطرف، فخلال 2018 رصدت قوات الأمن 1091 قطعة سلاح في حوزة نشطاء من اليمين المتطرف، مقارنة بـ676 في 2017.
كما نجحت هذه الحركات في اختراق الجيش الألماني وتجنيد جنود داخله، ما يثير قلقا كبيرا، وحتى أغسطس/آب الماضي سجلت الاستخبارات الحربية 477 حالة انتماء لليمين المتطرف بين جنود الجيش.
ومؤخرا تطورت أعمال العنف التي ترتكبها حركات اليمين المتطرف، من مجرد جرائم كراهية واعتداء بدني أو لفظي، لاغتيال سياسي وهجمات بالأسلحة النارية.
ووفق تقرير للإذاعة الألمانية "دويتشه فيلا"، فإن الشرطة سجلت 1156 جريمة مدفوعة بدوافع يمينية متطرفة في 2018، بينها جرائم الكراهية ضد الأجانب والمسلمين في الأراضي الألمانية.
ووقعت آخر جريمة لليمين المتطرف قبل أيام، حين أطلق مسلحون من النازيين الجدد النار من أسلحة متعددة الطلقات بكثافة أمام المعبد اليهودي في هاله شرقي ألمانيا، ما أدى لمقتل شخصين وإصابة شخصين بإصابات خطيرة.
وفي يونيو/حزيران الماضي، اغتال أحد نشطاء "النازيين الجدد" السياسي المحلي بولاية هيسن "وسط" فالتر لوبكة، بالرصاص، بسبب مواقف الأخير الداعمة للاجئين، في سابقة لم تحدث منذ عقود.
وفي وقت سابق هذا العام، أوقفت السلطات الألمانية رجلا أرسل 200 خطاب تهدد بأعمال عنف وتفجيرات إلى مؤسسات حكومية وشخصيات سياسية عامة في ألمانيا، موقعة بـ"الاشتراكيين القوميين"، وهي أيديولوجية النظام النازي بقيادة أدولف هتلر، حسب صحيفة "دي فيلت" الألمانية.
كما أعلنت الشرطة الألمانية في يوليو/تموز الماضي أن حركة يمينية متطرفة تسمى "نوردكرويتس" (صليب الشمال) أعدت قوائم اغتيالات سياسية في كل أنحاء ألمانيا ضمت 25 ألف شخص.
ونقلت شبكة التحرير الإخبارية الألمانية "خاصة" عن المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية أن "حركة نوردكرويتس خططت لعمليات قتل ذات دوافع سياسية في جميع أنحاء ألمانيا"، مضيفة "أن الشرطة استطاعت إحباط المخطط".
وفي مدينة كيمنتس شرقي البلاد، استطاعت السلطات قبل عدة أشهر رصد خلية يمين متطرف مكونة من ٨ أشخاص تتراوح أعمارهم بين ٢١ و٣٢، تخطط للإطاحة بالنظام الديمقراطي.
وكان المتهمون يخططون لأهدافهم عبر محادثات الإنترنت، ويتحدثون عن ارتكاب عمليات قتل، وفق صحيفة دي فيلت "خاصة".
هل يصل اليمين المتطرف للحكم؟
في 2017، فجر حزب البديل لأجل ألمانيا، المفاجأة وأصبح ثالث أكبر كتلة في البرلمان. ومنذ تلك اللحظة ازداد الجدل السياسي حول إمكانية مشاركة الحزب في الحكومة، أو وصول سياسي منتمٍ له لمنصب المستشار.
وجاء الأداء القوي للحزب في الانتخابات المحلية في ولايتي ساكسونيا وبراندنبورج، في سبتمبر/أيلول الماضي، ليزيد ذلك الجدل، ويرسخ موقع الحزب في المشهد السياسي الألماني. وبالإضافة لذلك يفاقم نشاط الحركات اليمينية المتطرفة ولجوئها المتزايد للعنف لفرض نفسها على الشارع، القلق حول مستقبل البلاد.
ورغم الرغبة الواضحة لليمين المتطرف لحكم ألمانيا، فإن الخبير النمساوي في شؤون الحركات المتطرفة أندريس بيهام يرى أن هذا الأمر بعيد عن التحول لواقع في المستقبل القريب.
وقال في تصريحات لـ"العين الإخبارية" إن "اليمين المتطرف لن يصل للحكم في المستقبل القريب، في ظل رفض جميع الأحزاب الألمانية الدخول في ائتلاف حاكم معه على المستوى الاتحادي، وصعوبة تصويت أكثرية الألمان لهذا الحزب في ظل الماضي السيئ لليمين المتطرف في البلاد".
وأضاف "لكن يظل اليمين المتطرف خطرا كبيرا على أمن ألمانيا، والنظام الديمقراطي في البلاد، في ظل سعي حركات عدة مثل النازيين الجدد لتغيير النظام بالقوة، بالتوازي مع المسار السياسي الذي يسلكه حزب البديل لأجل ألمانيا".
aXA6IDMuMTI5LjIxNi4xNSA=
جزيرة ام اند امز