الحرب الخاطفة.. تكتيك عسكري قديم يواصل قلب موازين القوى

في السنوات الأولى من الحرب العالمية الثانية، أحدثت ألمانيا النازية تحولًا جذريًا في المفاهيم العسكرية باستراتيجيتها "الحرب الخاطفة".
اعتمدت استراتيجية الحرب الخاطفة أو (Blitzkrieg) على الهجمات المفاجئة والمكثفة باستخدام القوات المدرعة والطيران لدك دفاعات الخصم، بحسب موقع ذا كولكتور المعني بالتاريخ.
بدأ تطبيق هذه الاستراتيجية بشكل لافت مع غزو بولندا عام 1939، ثم بلغ ذروته خلال اجتياح فرنسا عام 1940، حيث تمكنت القوات الألمانية من إسقاط واحدة من أقوى الجيوش الأوروبية في أسابيع قليلة.
الجذور التاريخية: من فريدريك العظيم إلى كلاوزفيتز
لا تمثل الحرب الخاطفة قطيعة مع الماضي العسكري الألماني، بل هي امتداد لتقاليد تعود إلى القرن الثامن عشر حيث اعتمد فريدريك العظيم، ملك بروسيا، على حروب الحركة السريعة لتجنب المواجهات الطويلة.
ولاحقًا، طور الجنرال البروسي كارل فون كلاوزفيتز في كتابه "في الحرب" (1832) مفهوم "نقطة التركيز" (Schwerpunkt)، الذي يشير إلى ضرورة ضرب العدو في نقاط ضعفه بقوة مركزة.
وقد تجسد هذا المبدأ في "خطة شليفن" خلال الحرب العالمية الأولى، التي هدفت إلى هزيمة فرنسا عبر اختراقها من خلال بلجيكا، لكن الخطة فشلت آنذاك بسبب التحديات اللوجستية.
مقومات النجاح: السرعة والتكنولوجيا والقيادة اللامركزية
اعتمدت فاعلية الحرب الخاطفة على ثلاث ركائز رئيسية:
التفوق التكنولوجي: حيث مكنت الدبابات الألمانية من طراز بانزر-3 وبانزر-4، إلى جانب طائرات قاذفات "شتوكا" الانقضاضية القوات الألمانية من تفتيت الخطوط الأمامية للعدو.
التنسيق عبر الراديو: سمحت أجهزة الاتصال اللاسلكية بتنسيق فوري بين الوحدات البرية والجوية، وهو ما افتقدته الجيوش الفرنسية والبريطانية التي اعتمدت على أنظمة اتصال تقليدية.
اللامركزية في اتخاذ القرار: منح الجيش الألماني القادة الميدانيين مثل هينز جوديريان صلاحيات واسعة للتكيف مع المستجدات، على عكس الجيش الفرنسي الذي كان ينتظر أوامر من قيادة مركزية بطيئة.
سقوط فرنسا 1940: دراسة حالة
شكل اجتياح فرنسا النموذج الأمثل لتطبيق الحرب الخاطفة. فقد تجنب الألمان الاصطدام المباشر بخط ماجينو المنيع، واخترقوا عبر غابة الأردين التي اعتقد الفرنسيون أنها غير صالحة لعبور الدبابات.
في مايو/أيار 1940، اجتاحَت فرق الدبابات التابعة للفيرماخت، مدعومةً جوًا بقاذفات شتوكا الانقضاضية، غابة آردين، لتفاجئ الجيش الفرنسي الذي لم يكن يتوقع ذلك.
وفي 13 مايو/أيار، قاد هاينز غوديريان فيلق الدبابات التابع له عبر نهر الميز قرب سيدان. وبعد أيام قليلة، نجح في اختراق دفاعات العدو، ناشرًا الفوضى في الخطوط الخلفية الفرنسية. ثم بدأ بالزحف نحو القناة الإنجليزية، حيث حاصر الألمان قوة المشاة البريطانية (BEF) وجنودًا آخرين من الحلفاء في دونكيرك.
كشف هذا النجاح عن خلل جوهري في العقيدة الدفاعية الفرنسية، التي أعطت أولوية للتحصينات الثابتة على حساب المرونة التكتيكية.
بين الأسطورة الدعائية والواقع العسكري
حاولت الدعاية النازية تصوير هتلر بصفته عبقريا عسكريا مبتكرا للحرب الخاطفة، لكن الوثائق التاريخية تُظهر أن نجاح الاستراتيجية كان نتيجة جهود متراكمة لقادة مثل جوديريان ومانشتاين.
من ناحية أخرى، كشفت عملية "بارباروسا" (غزو الاتحاد السوفياتي 1941) عن محدودية هذه التكتيكات في مسارح الحرب الشاسعة. فمع امتداد خطوط الإمداد وتعثر التقدم بسبب الطقس والمقاومة السوفياتية، تحولت الحرب الخاطفة إلى حرب استنزاف كارثية لألمانيا.
لم تنتهِ تأثيرات الحرب الخاطفة مع هزيمة ألمانيا. فقد استلهمت جيوش مثل الجيش الإسرائيلي مبادئها خلال حرب 1967، حيث دمر سلاح الجو الإسرائيلي الطائرات المصرية على الأرض في ضربات مفاجئة، محققة تفوقًا سريعًا وكذلك في حرب 1973 حيث باغتت القاهرة تل أبيب. واليوم، تظهر بصمات هذه الاستراتيجية في مفاهيم مثل "الحرب الشبكية المركزية" التي تعتمد على التكنولوجيا والسرعة، كما في العمليات العسكرية الأمريكية خلال حرب الخليج 1991.