ثغرة أمنية.. الإرث النازي يُقيد يد جيش ألمانيا في مواجهة «الدرونز»

بينما تتصاعد في سماء أوروبا طائرات روسية بدون طيار تختبر يقظة القارة العجوز، تجد ألمانيا نفسها محكومة بإرثٍ ثقيل يعود إلى أربعينيات القرن الماضي.
فـ«الأغلال الدستورية» التي وُضعت لتقي البلاد من عودة شبح النازية، أصبحت اليوم قيدًا يمنع الجيش الألماني من التحرك داخل مجاله الجوي لردع تهديداتٍ روسية متكررة، في تناقض لافت بين ماضٍ تحاول برلين محوه وواقعٍ أمني يفرض عليها مواجهته.
ويمنع الدستور الألماني، الذي اعتُمد في ظل الحرب العالمية الثانية، الجيش الألماني، من الاضطلاع بدور رئيسي في الأمن الداخلي للبلاد. ويرجع ذلك إلى أن واضعيه كانوا على دراية بكيفية إساءة استخدام القوة العسكرية الألمانية تاريخيًا من قِبل النازيين وحلفائهم في السياسة الداخلية لاستهداف القوى السياسية اليسارية.
لكن اليوم، وفي خضم ما يبدو أنه حملة متصاعدة من جانب الكرملين لاختبار أوروبا بسلسلة من الغارات بطائرات بدون طيار، فإن هذه الحماية الدستورية لها تأثير جانبي غير مقصود: فهي تحد من قدرة ألمانيا على الدفاع عن نفسها ضد استفزازات موسكو.
فهل تودع ألمانيا إرث الماضي؟
وقال توماس روكامب، رئيس لجنة الدفاع في البوندستاغ الألماني وعضو كتلة المستشار فريدريش ميرز المحافظة، لصحيفة بوليتيكو: «نحن بحاجة إلى تعديل القوانين بحيث يتم منح الجهات الوحيدة القادرة على الاهتمام بهذا الأمر - أي الجيش الألماني - السلطة للقيام بذلك أيضًا».
وفي حين أن الجيش الألماني قادر نظريًا على حمل الأسلحة محليًا في حال وقوع غزو كبير، إلا أن غارات الطائرات المسيرة حتى الآن لا تُعتبر هجمات بالغة الخطورة، وفقًا لخبراء قانونيين. ووفقًا للقانون الحالي، لا يستطيع الجيش الألماني إسقاط الطائرات المسيرة إلا فوق القواعد العسكرية.
ولا يوجد دليل على أن أيًا من الطائرات المسيرة التي دخلت المجال الجوي الألماني مؤخرًا كانت تحمل أسلحة. ومع ذلك، يبدو أن الكرملين يستخدم هذه الطائرات للتجسس، وفقًا للسلطات الألمانية.
في العام الماضي، وردت تقارير عن مشاهدات غامضة لطائرات مسيرة فوق منشآت تابعة لشركة راينميتال لتصنيع الأسلحة ومجموعة باسف للكيماويات.
وللشرطة الألمانية الحق القانوني في إسقاط هذه الطائرات المسيرة إذا لزم الأمر، لكنها تفتقر إلى القدرات التقنية اللازمة. وصرح رئيس لجنة الدفاع، روكامب، قائلاً: «لا تمتلك الشرطة الفيدرالية، وكذلك جميع قوات شرطة الولايات تقريبًا، حاليًا أي قدرات للدفاع ضد الطائرات المسيرة».
في ألمانيا الإمبراطورية وجمهورية فايمار قبل الحرب العالمية الثانية، كان الجيش الألماني «يُنشر بشكل متكرر وبلا هوادة، عادةً لضرب الديمقراطيين الاجتماعيين والحكومات اليسارية»، كما قالت كاثرين غروه، أستاذة القانون العام بجامعة الجيش الألماني في ميونيخ.
وأضافت: «كان لا بد من تجنب تكرار مثل هذه الإجراءات في دستور عام 1949، ولهذا السبب لدينا هذه القواعد الصارمة للجيش الألماني اليوم».
وهذا يضع القادة الألمان في مأزق وهم يكافحون من أجل الرد على «استفزازات» الكرملين، فحاليًا، لا يستطيع الجيش الألماني سوى تقديم ما يُسمى دستوريًا «بالمساعدة الإدارية» في الدفاع ضد الطائرات المسيرة.
فعلى سبيل المثال، يُمكن لقواته المساعدة في تحديد هوية الطائرات المسيرة أو نقل المعلومات عند الطلب - كما حدث مؤخرًا عندما رُصدت طائرات مسيرة فوق مطار ميونيخ .
إجراءات سريعة
ويعتزم وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبريندت إنشاء وحدة دفاع ضد الطائرات المسيرة ضمن الشرطة الاتحادية، وإنشاء مركز وطني للدفاع ضد الطائرات المسيرة يتيح للشرطة وأجهزة الاستخبارات والجيش تجميع مواردهم.
كما يعتزم الوزير إقرار قانون يسمح للجيش بإسقاط الطائرات المسيرة في المجال الجوي الألماني في حال وجود خطر على الأرواح. ومع ذلك، فإن دستورية مثل هذا القانون لا تزال غير مؤكدة.
وإذا كان دوبريندت يتوقع أكثر من «المساعدة الإدارية من الجيش، فإن الأمر سينتهي أمام المحكمة الدستورية»، كما قالت ماري أغنيس ستراك زيمرمان، وهي سياسية ألمانية ترأس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان الأوروبي.
وهنا تُصبح الأمور شائكة بشكل خاص بالنسبة لائتلاف ميرتس «الضعيف نسبيًا»، والمكون من المحافظين من يمين الوسط والديمقراطيين الاجتماعيين من يسار الوسط.
فبسبب صعود تيارات أقصى اليمين، بما في ذلك حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني، بات لدى ميرتس الأغلبية الأقل في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب، وهو بعيد كل البعد عن أغلبية الثلثين اللازمة لتعديل الدستور، ما من شأنه أن يجعل ألمانيا عاجزة نسبيا عن الدفاع عن نفسها ضد غارات الكرملين بطائرات بدون طيار في المستقبل المنظور ــ أو على الأقل حتى تتمكن شرطتها من تطوير القدرة على ضرب هذه الغارات.
الحل الوحيد
لكنّ الحل الدائم الوحيد، كما يقول البعض، هو تغيير الدستور الألماني للسماح للجيش بالاضطلاع بدور أكثر نشاطا على المستوى المحلي.
ولقد تغير العالم، ولم يعد هناك أي تمييز بين الأمن الداخلي والخارجي في أي مكان، كما قال روكامب، مضيفا: «بالنظر إلى المستقبل، يجب علينا مواءمة أحكامنا الدستورية مع الواقع».
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjUg جزيرة ام اند امز