الاقتصاد المترنح على رأس تحديات مستشار ألمانيا القادم

عندما يذهب الناخبون الألمان إلى صناديق الاقتراع غدا الأحد، سيكون الاقتصاد المترنح في البلاد والوعود بإصلاحه في مقدمة اهتماماتهم، كما أن التعريفات الجمركية المرتقبة من الرئيس الأمريكي ترامب ستزيد صعوبة مهمة الحكومة الجديدة.
وقال كارستن بريزسكي، كبير الاقتصاديين في بنك ING الأوروبي إنه إذا فشلت الأحزاب التي من المحتمل أن تشكل الائتلاف الحاكم الجديد في تحفيز النمو الاقتصادي فإن هذا الفشل سيكون مكلفًا.
- مستقبل غامض أمام أكبر ميناء في ألمانيا.. رسوم ترامب تثير الذعر
- إضراب عمال فولكسفاغن.. درة صناعة السيارات الألمانية تتهاوى
ونما الاقتصاد الألماني، ثالث أكبر اقتصاد في العالم، بالكاد منذ جائحة كورونا، بعدما انكمش في عامي 2023 والعام الماضي، مسجلًا أول انكماش سنوي متتال منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي. ومن المتوقع أن ينمو هذا العام بنسبة ضئيلة تبلغ 0.3%، وفقًا لتوقعات صندوق النقد الدولي.
من جهتها، تتوقع المفوضية الأوروبية أن يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي في 2025 بنسبة 0.7% فقط، وهو أبطأ معدل بين دول الاتحاد الأوروبي. ومنذ عام 2017، نما الاقتصاد الألماني بنسبة 1.6% فقط، وهي أقل بكثير من المتوسط الأوروبي البالغ 9.5%، بحسب CNN.
تحديات هيكلية للنمو
وفقا لتحليل نشره المجلس الأطلسي، فإن أكثر مشكلة تواجه ألمانيا هي توقف نموها الاقتصادي، إذ رسخت العوامل الهيكلية مثل ارتفاع تكاليف الطاقة، وقلة الاستثمار العام، والاعتماد المفرط على الصادرات حالة الركود. وفي كتابه الأخير "Kaput: نهاية المعجزة الألمانية"، شرح محرر "فايننشيال تايمز" وولفغانغ منتشاو هذه الاختلالات، وحذر من أن النموذج الألماني المعتمد على الصادرات وقلة الاستثمار المحلي تركها غير مستعدة للتحديات المستقبلية.
أما قاعدة الصناعة الألمانية، التي كانت في يوم من الأيام داعما رئيسيا للاقتصاد، تتآكل الآن. إذ تنقل العديد من الشركات الألمانية الكبيرة إنتاجها إلى الخارج، بحثا عن تكاليف وبيروقراطية أقل.
انخفض الإنتاج الصناعي الألماني بشكل مستمر، حيث بلغ الإنتاج في 2024 نحو 90% من مستويات عام 2015. وعلى النقيض، نما الإنتاج الصناعي في بولندا إلى 152% من مستوى عام 2015، ما يعكس تحولاً أوسع للقدرات الصناعية إلى وسط وشرق أوروبا.
تشكل شيخوخة السكان في ألمانيا تحديات كبيرة لسوق العمل والإنتاجية، ومع تراجع حجم القوى العاملة تواجه الصناعات زيادة في التكاليف وضغطًا نحو الأتمتة. ورغم أن معدل البطالة في ألمانيا لا يزال منخفضًا عند 5%، إلا أن هناك توقعات بتسريحات واسعة في الصناعات وإعادة هيكلة.
وبينما ساعدت إصلاحات سوق العمل في أوائل العقد الأول من القرن، إلى جانب إدخال اليورو في 1999، في تخفيف من التحديات المماثلة، تتطلب بيئة اليوم استثمارًا عامًا كبيرًا وابتكارًا في السياسات للحفاظ على التنافسية، وفي هذه المرة، لا يمكن اللجوء إلى خفض قيمة العملة أو تقليص نمو الأجور.
تؤثر أيضا بأسعار الطاقة المرتفعة، التي يدفعها جزئيًا تقلب أسواق الغاز، على التنافسية الألمانية. كما أن الاستثمار العام يظل غير كافٍ، حيث يشكل 2.8% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل من المتوسط الأوروبي البالغ 3.6% وأقل بكثير من بولندا عند 5.1%، والسويد عند 5.2%. وتستمر العراقيل البيروقراطية والممانعة الثقافية للإنفاق العجز في إعاقة المشاريع الكبيرة التي يمكن أن تحفز الابتكار وتزيد من الاستدامة.
على النقيض، ظهرت العديد من دول وسط وشرق أوروبا، مثل بولندا والمجر وجمهورية التشيك، كمنافسين أكثر ديناميكية، لتستفيد هذه الاقتصادات من استثمار أجنبي قوي وقطاعات خدمية متنامية، كما أصبحت إسبانيا أيضًا وجهة أكثر جذبًا للاستثمار الأجنبي المباشر، متفوقة على ألمانيا في النمو والابتكار.
المنافسة الصينية
أصبحت البيروقراطية الألمانية، التي كانت تعتبر سمة من سمات الدقة والنظام، عائقًا متزايدًا أمام الابتكار والديناميكية الاقتصادية، لتعيق الأطر التنظيمية المعقدة وعمليات الموافقة الطويلة المبادرات الريادية، ما يصعب التكيف السريع مع متغيرات السوق على الشركات. كما أن النفور من المخاطر، الذي يعكس تفضيلًا للاستقرار والحذر، يزيد من تفاقم المشكلة.
الكثير من الشركات الألمانية تفضل التحسينات التدريجية على المشاريع الجريئة، خوفًا من الفشل والتبعات التنظيمية المحتملة، وعلى سبيل المثال أدى التفكير المحافظ إلى تباطؤ ألمانيا في تبني ثورة السيارات الكهربائية، كما أعاق قدرة ألمانيا على المنافسة في القطاعات سريعة التطور مثل التكنولوجيا والطاقة الخضراء، حيث تكون المرونة والمخاطرة عاملان أساسيان.
وقال تقرير المجلس الأطلسي إن معالجة هذه المشكلات الهيكلية تتطلب ليس فقط تبسيط العمليات الإدارية، ولكن أيضًا تشجيع تغيير في بيئة العمل نحو تبني الابتكار والمخاطرة المحسوبة.
اعتبر التقرير أن هيمنة الشركات الصينية في سوق السيارات الكهربائية العالمية، وفقًا لاستراتيجية "صُنع في الصين 2025"، تشكل تهديدًا كبيرًا لقطاع السيارات الألمانية، وهو ركيزة أساسية في اقتصادها. إذ حققت الشركات الصينية، المدعومة من الحكومة والمزودة بسلاسل إمداد، كفاءات في التكلفة وتطورات تكنولوجية تتحدى الميزة التنافسية لألمانيا.
أدى أيضا دخول شركات السيارات الصينية مثل BYD وNIO الأسواق الأوروبية بنماذج سيارات كهربائية مبتكرة وبأسعار معقولة، إلى تآكل الحصة السوقية العالمية لعمالقة السيارات الألمان مثل فولكسفاغن وبي إم دبليو ومرسيدس بنز، التي تواجه تحديات من حيث تكاليف الإنتاج المرتفعة والعقبات التنظيمية والتبني البطيء للسيارات الكهربائية محليًا.
ووفقا لبيانات من رابطة صناعة السيارات الألمانية، فإن إنتاج السيارات في ألمانيا انخفض بأكثر من 25% بين 2017 و2023. ونظرًا لمساهمة الصناعة في الصادرات، فإن الضغوط التنافسية من الصين تهدد بمزيد من تدهور قاعدة الصناعة الألمانية، مع تأثيرات محتملة على شركائها في الاتحاد الأوروبي المعتمدين على التجارة والاستثمار الألماني.
علاوة على ذلك، فإن إنتاج السيارات في ألمانيا، الذي يُعد أحد الصادرات الرئيسية إلى الولايات المتحدة، مدرج في حزمة التعريفات التي أعدتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، لتهدد أي تحديات اقتصادية محتملة لألمانيا بخلق ليس فقط تحديات سياسية، لكنها أيضًا قد تؤدي إلى أزمة اقتصادية.
الطريق إلى الأمام
تعد التحديات التي يواجهها المستشار الألماني المقبل ضخمة، لتشمل الجوانب الاقتصادية والسياسية والهيكلية، ويتطلب إحياء نمو الاقتصاد إجراءات عاجلة، وفي مقدمتها التوفيق بين الاعتماد التقليدي لألمانيا على صادرات الصناعات الثقيلة مع زيادة الاستثمار العام.
كما أنه يجب على ألمانيا إعادة تقييم سياستها للطاقة، لا سيما وأن أسعار الطاقة المرتفعة، التي يحركها جزئيًا الاعتماد المفرط على مصادر الطاقة المتجددة دون تحديث كافٍ للشبكة وحلول التخزين، أدت إلى عبء على الشركات والأسر على حد سواء.
وتتطلب آليات الإنقاذ الاقتصادي كذلك استراتيجية صناعية قوية ضرورية لدعم التنافسية قطاع تصنيع السيارات الألماني، كما أن التخلص من القوانين المفرطة وتبسيط البيروقراطية بات أمرا عاجلا لإدخال المزيد من الديناميكية إلى الاقتصاد الألماني.
حذر المجلس الأطلسي من أن الفشل في تنفيذ الإصلاحات قد يؤدي إلى تفاقم مشكلات ألمانيا الاقتصادية، مع تداعيات تمتد إلى ما هو أبعد من حدودها الوطنية. فمن المحتمل أن يؤدي ضعف ألمانيا إلى تقويض الثقة في الأسواق الأوروبية، وزيادة التفاوتات الاقتصادية داخل الاتحاد الأوروبي، وتعزيز الحركات المعادية للاتحاد الأوروبي.
في المقابل، يمكن أن تؤدي القيادة الحاسمة والإصلاحات التحولية إلى إحياء الاقتصاد الألماني وتعزيز دوره كقوة مستقرة وقائدة في المشروع الأوروبي.
aXA6IDMuMjIuMTcxLjEyMCA= جزيرة ام اند امز