«إشارة المرور» معطلة في ألمانيا..وكل الطرق تؤدي لانتخابات جديدة
دراما موازية لانتخابات أمريكا عاشتها ألمانيا خلال الأيام الماضية، حين حاول ثلاثي الائتلاف الحاكم إنقاذه، قبل أن يطلقوا سهام النهاية.
وبعد مفاوضات أيام، جاءت اللحظة الحاسمة، مساء الأربعاء، حين خرج المستشار أولاف شولتز بقرار مفاجئ بإقالة وزير المالية وزعيم الحزب الديمقراطي الحر، كريستيان ليندنر، متهما إياه بأنه "خان ثقته مرارا".
واستبق مستشار ألمانيا، بذلك، خطة كانت معدة مسبقا في أروقة الحزب الديمقراطي الحر للانسحاب من الائتلاف الثلاثي مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي "حزب شولتز"، وحزب الخضر، وتحميل الطرفين الآخرين المسؤولية عن انهيار الحكومة، وفق ما طالعته "العين الإخبارية" في صحيفة بيلد الألمانية.
وجاء انهيار الائتلاف الحاكم في وقت اشتد فيه الخلاف حول سبل إنعاش الاقتصاد الألماني المتعثر والميزانية المتشددة في الإنفاق منذ أسابيع بين الاشتراكيين الديمقراطيين بزعامة شولتس وشركائه في الائتلاف خاصة الحزب الديمقراطي الحر.
وأتى هذا الزلزال السياسي في أسوأ وقت ممكن لألمانيا، إذ إنّ القوة الاقتصادية الأكبر في أوروبا تعاني حاليا من أزمة صناعية خطيرة وتشعر بالقلق بسبب فوز الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتّحدة وما لهذا الفوز من تداعيات على تجارتها وأمنها.
ما الموقف داخل السلطة التنفيذية؟
الائتلاف الحاكم المكون من 3 أحزاب ويعرف باسم "إشارة المرور"، انتهى بطرد ليندر وسحب حزب الأخير جميع وزرائه، وباتت ألمانيا أمام وضع جديد، وهو:
استمرار شولتز في منصبه، مدعوما بحزب الخضر الذي أعلن بقاءه في السلطة، في حكومة جديدة مكونة من حزبين، ويعاد تشكيلها حاليا لملء الفراغات في الوزارات التي تركها الحزب الديمقراطي الحر.
خطة شولتز
شولتز عرض خطة واضحة للفترة المقبلة، تشمل طرح الثقة بحكومته أمام البرلمان مطلع العام المقبل. وأن التصويت قد يحصل في 15 كانون الثاني/يناير.
وعندها يمكن لأعضاء البرلمان أن يقرروا ما إذا يريدون تمهيد الطريق لإجراء انتخابات مبكرة قد تقام بنهاية مارس/آذار.
ملامح الحكومة المرتقبة
لكن عمليا الحكومة التي يقودها الاشتراكي الديمقراطي والحر ستحكم البلاد بصيغة حكومة الأقلية حتى ٢٠ ديسمبر/كانون الأول المقبل، موعد آخر جلسة للبرلمان قبل إجازة أعياد الميلاد.
حتى هذا الوقت، ستحاول الحكومة تمرير تشريعاتها وقرارتها التي تتطلب موافقة برلمانية، عبر الحصول على طرف ثالث من أحزاب المعارضة، يدعم المشاريع، لكن هذا عمليا صعب للغاية، لأن حزبي الحكومة يرفضان التعامل مع حزب البديل لأجل ألمانيا (أقصى اليمين)، وانفصلا للتو بشكل صعب عن الحزب الديمقراطي الحر.
لذلك لم يتبق سوى الاتحاد المسيحي الذي يشن هجمات وانتقادات لا تتوقف، إذ تعرض شولتز وشركاؤه في الائتلاف لانتقادات لاذعة من فريدريش ميرتس، زعيم الاتحاد المسيحي، الذي طالب بإجراء انتخابات مبكرة تشير استطلاعات الرأي إلى أنه سيكون المرشح الأوفر حظا فيها.
بل إن ماركوس زودر، الرجل الثاني في الاتحاد المسيحي، أعرب عن رفضه لمسار شولتز، مبديا رغبته في إجراء انتخابات مبكرة أقرب من التوقيت الذي أعلنه المستشار.
وبعد بداية عطلة البرلمان التي تستمر حتى منتصف يناير/كانون الثاني، ستفقد الحكومة ممرها الضيق لتمرير تشريعات، ثم يطرح شولتز الثقة في الحكومة، والذي من المنتظر أن يخرج سلبيا، بمعنى أن يصوت النواب لسحب الثقة، في ظل وجود ٣ أحزاب في البرلمان تعبر بشكل واضح عن رغبتها في انتخابات مبكرة، وتملك أغلبية.
بعد تصويت الثقة، تصبح حكومة أقلية، حكومة تسيير أعمال بلا سلطات حقيقية، حتى إجراء الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة، وهو ما قد يمتد إلى أواخر يونيو/حزيران المقبل، في ظل الصعوبات المتوقعة في مفاوضات تشكيل الائتلاف المقبل.
لماذا هذا المسار؟
تنظيم مسار إجراء الانتخابات المبكرة ممكن فقط في ألمانيا من خلال طرح الثقة من قبل المستشار، وفقًا للمادة 68 من القانون الأساسي (الدستور)، لذلك رسم شولتز المسار وحدد يوم 15 يناير/كانون الثاني 2025.
وبعد تصويت البرلمان ضد منح الثقة للمستشار، ينتقل الأمر إلى الرئيس الاتحادي، الذي يقرر بِناءً على ذلك وفي غضون 21 يوما، حل "البوندستاغ" (البرلمان) والدعوة إلى انتخابات جديدة.
وكان هدف واضعي القانون الأساسي ضمان استقرار الحكومة.
وعلى عكس الرئيس في جمهورية فايمار غير المستقرة قبل الحرب العالمية الأولى، لا يحق للرئيس الاتحادي في الجمهورية الحالية، على سبيل المثال، حل البرلمان بمبادرة منه والأمر بإجراء انتخابات جديدة.
كما لا يمكن للبرلمان دستوريا أن يحل نفسه بنفسه.
لكن الدستور حدد مسار الانتخابات المبكرة في طرح المستشار تصويت الثقة أمام البرلمان.
ويحمل هذا الطرح مسارين، الأول حصول المستشار والأحزاب الحاكمة على ثقة البوندستاغ، وهذا غير مرجح في الحالة الثانية.
ومن ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي، كما في الحالة الحالية تحديدًا، إلى إجراء انتخابات جديدة، كما فعل المستشار غيرهارد شرودر آخر مرة في عام 2005.
ماذا ينتظر ألمانيا في الفترة المقبلة؟
الخطوة الأولى: يقدم المستشار الاتحادي اقتراحًا إلى البوندستاغ، وفقًا للمادة 68 من القانون الأساسي، للتصويت على الثقة به. ويمكنه الجمع بين هذا الأمر ومسألة موضوعية أو طرح التصويت على الثقة بشكل منفرد.
الخطوة الثانية: يصوت البوندستاغ على الثقة في أقرب وقت ممكن. ووفقًا لشولتز، يجب أن يتم ذلك في 15 يناير/كانون الثاني 2015.
الخطوة الثالثة: إذا تم التصويت على الثقة فيمكن للمستشار الاتحادي أن يقترح على الرئيس حل البوندستاغ.
الخطوة الرابعة: يمكن للرئيس الاتحادي بعد ذلك حل البوندستاغ، ويجب عليه اتخاذ قرار بشأن هذه المسألة في غضون 21 يومًا من التصويت على الثقة. وإذا رفض الحل، فستظل حكومة الأقلية قائمة. لكن هذه سلطة نظرية وغير مرجحة في ظل رغبة غالبية الأحزاب في اللجوء لاقتراع مبكر، وفق تقارير ألمانية.
أما إذا حل الرئيس الاتحادي البوندستاغ، فسيتم إجراء انتخابات جديدة.
الخطوة الخامسة: يجب أن تتم انتخابات البوندستاغ الجديد في غضون 60 يومًا من حله (المادة 39 الفقرة 1 من القانون الأساسي). وبالتالي، من المحتمل أن يكون موعد الانتخابات خلال شهر مارس/آذار 2025.
وبناءً على طلب الرئيس، سيبقى المستشار شولتز في منصبه بالوكالة حتى انتخاب البرلمان الجديد، مستشارا جديدا بعد التوصل لاتفاق لتشكيل ائتلاف حاكم.
هل توجد سيناريوهات أخرى؟
نعم، لكنها غير واقعية، وفق القناة الأولى بالتلفزيون الألماني.
من بين هذه البدائل، لجوء شولتز إلى البحث عن أغلبية جديدة في البوندستاغ الحالي، تدعمه حتى نهاية الفترة التشريعية في سبتمبر/أيلول المقبل، ويمكنه بناء عليها تشكيل ائتلاف حاكم جديد.
لكن ذلك غير واقعي، لأن الاشتراكيين الديمقراطيين يرفضون تماما التعامل مع حزب البديل لأجل ألمانيا، وانفصلوا انفصالا صعبا عن الحزب الديمقراطي الحر، فيما استبعد ميرتس بالفعل علنًا الدخول في حكومة مع الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر.
هناك سيناريو آخر، إذ يمكن للبوندستاغ تمرير ”تصويت لحجب الثقة“ عن المستشار شولتز وفقاً للمادة 67 من القانون الأساسي، وانتخاب مستشار جديد بأغلبية، لكن ذلك أيضا غير واقعي، وفق التلفزيون الألماني، لأن الاتحاد المسيحي المطروح للعب دور قيادة الحكومة، لن يخاطر بموقفه القوي الحالي في استطلاعات الرأي، من أجل تشكيل حكومة لن تكون فعالة سوى لبداية فصل الصيف، قبل نهاية الفترة التشريعية وبدء الحملة الانتخابية للانتخابات العادية.
سيناريو ثالث صعب التحقق أيضا، هو بقاء حكومة شولتز والخضر كحكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات في موعدها العادي في الخريف.
لكن عمليا هذا السيناريو صعب في الظروف الحالية، إذ تعاني البلاد أزمة تحتاج حكومة قوية، وهذا ما ذكره المستشار في خطابه أمس، فضلا عن أن البقاء حكومة أقلية غير فعالة سيفاقم وضعية الحزب الحاكم الضعيفة بالفعل في استطلاعات الرأي قبل الانتخابات.