صدفة من عالم آخر.. خليفة محتمل لميركل ينسخ حياة قدوته
في السياسة، يتخذ السياسيون الواعدون قدوة لإنارة طريق طويل ومظلم، لكن قلما يتوحد شخص مع مثله الأعلى مثلما يحدث مع ماركوس زودر.
فزودر "54 عاما" المرشح لخلافة أنجيلا ميركل كمستشار لألمانيا، نسخ حياة مثله الأعلى وقدوته، فرانز جوزيف شتراوس، وتقترب مسيرته من أن تكون "نسخة طبق الأصل"، وإن كان يطمح في نهاية أفضل.
ففي شبابه، كان زودر يفخر بأنه يضع صورة عملاقة لشتراوس بجانب سريره، وكان يحلم دائما بمسيرة سياسية مثل الرجل، ويتبع أثره.
ولأن "كل ما يتمناه المرء يدركه، أحيانا"، ولأن "العالم يتحد لجعل الأحلام الكبيرة حقيقة"، سار زودر بالفعل على نهج قدوته، ونجح في سنوات قليلة في القفز على رئاسة الحزب الاجتماعي المسيحي ثم رئاسة حكومة بافاريا، ويضع عينه الآن على الخطوة الأكبر.
وفي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كان شتراوس رقما صعبا في المعادلة السياسية في ألمانيا، وخدم كرئيس للحزب الاجتماعي المسيحي، ورئيس لوزراء بافاريا، ويعد رمزا تاريخيا لحزبه.
وحتى هذه النقطة، فإن زودر لم يحتاج سوى للكفاءة والموهبة لتكرار مسيرة شتراوس في بافاريا والحزب، لكن الصدفة لعبت الدور الأكبر في تهيئة الأمور لتكرار الخطوة الأكبر.
ففي عام 1979، كان هناك استقطاب كبير بين طرفي الاتحاد المسيحي؛ الحزب الديمقراطي المسيحي "الطرف الأكبر"، والحزب الاجتماعي المسيحي "الطرف الأصغر"، حول اختيار مرشح المستشارية في الانتخابات التي جرت في العام التالي.
ولأشهر، احتدم الصراع بين إرنست ألبريشت، القيادي في الحزب الديمقراطي المسيحي، ورئيس الحزب الاجتماعي المسيحي شتراوس.
ولجأ الاتحاد المسيحي في النهاية إلى تصويت الكتلة البرلمانية لاختيار واحدا من ألبريشت وشتراوس، للفوز ببطاقة الترشح على منصب المستشار.
وبالفعل، صوّت النواب لصالح شتراوس، وفاز رئيس الحزب الاجتماعي المسيحي بـ135 صوتا مقابل 102 صوتا لألبريشت.
وفيما يعد أمرا غريبا ومثيرا، تتكرر نفس الظروف مع زودر، إذ يعاني الاتحاد المسيحي صعوبات كبيرة في اختيار مرشح للمستشارية خلفا لأنجيلا ميركل، ويتفاقم استقطاب بين رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي، أرمين لاشيت، وزودر.
بل أن هناك ضغوط كبيرة، وصلت لتوقيع 50 نائبا في البرلمان من حزب لاشيت، بيانا مشتركا لتكرار سيناريو 1979 وإجراء اقتراع داخل الكتلة البرلمانية لاختيار مرشح المستشارية من بين لاشيت وزودر.
بل أن زودر الذي يحظى بالشعبية الأكبر بين الناخبين، يحظى أيضا بدعم عدد من نواب الطرف الآخر؛ الحزب الديمقراطي المسيحي على حساب رئيسه لاشيت، ما يجعله الأوفر حظا للفوز ببطاقة الترشيح على منصب المستشار إن حدث تصويت في الكتلة البرلمانية، تماما مثلما حدث مع قدوته قبل أكثر من 40 عاما.
ولا يزال صراع المستشارية مفتوحا قبل 6 أشهر من الانتخابات، وكان من المفترض أن يحسم لاشيت وزودر اسم المرشح في جلسة مفاوضات مغلقة بينهما تعقد في الـ30 يوما المقبلة، لكن يبدو أن مقترح إجراء تصويت برلماني يكتسب زخما يوما بعد يوم.
وفي حال جرى التصويت، وفاز زودر ببطاقة الترشيح لمنصب المستشار، فإنه سينجح في نسخ مسيرة قدوته شتراوس بنسبة 100%، لكنه يتمنى أن يحظى بنتائج مختلفة.
فالقدوة، شتراوس، نجح في الفوز ببطاقة الترشيح لمنصب المستشار، وقاد الاتحاد المسيحي في انتخابات 1980، لكنه خسر الاقتراع في النهاية لصالح الحزب الاشتراكي الديمقراطي والمستشار هيلموت كول.
وفي هذا الإطار، حذر السياسي البارز في الاتحاد المسيحي، إدموند شتوبير من تكرار سيناريو 1979، وقال "ترك التصويت المثير للجدل في الكتلة البرلمانية في هذا العام جروح لم تندمل بين طرفي الاتحاد، وهو ما كان له تأثير كبير على الحملة الانتخابية وأدى لخسارة الانتخابات".
وتابع في تصريحات صحفية: "لذلك، اعتقد أنه من الصواب أن يصل لاشيت وزودر لاتفاق عبر المفاوضات، لأن هذا يساعد على توحيد الحملة الانتخابية للاتحاد المسيحي".
وبصفة عامة، سيكون أمام الفائز ببطاقة الترشيح لمنصب المستشار مهمة قيادة الاتحاد المسيحي للانتخابات المقررة سبتمبر أيلول المقبل، وهي ليست سهلة على الإطلاق في ظل خروج الرمز الأهم للتحالف، ميركل، من المعادلة.
كما أن الاتحاد المسيحي يعاني صعوبات كبيرة وخسر 12 نقطة في استطلاعات الرأي في شهرين ويتقدم بـ3 نقاط فقط على حزب الخضر الذي يحتل المرتبة الثانية، ويتعرض لانتقادات كبيرة بسبب فضائح فساد مدوية طالت 5 من نوابه وقياداته، فضلا عن انتقادات كبيرة لإدارة أزمة "كورونا".
ويملك زودر تاريخا سياسيا مرتبط بإقليم بافاريا، حيث تولى مناصب حزبية منها منصب الأمين العام الحزب الاجتماعي المسيحي في الفترة بين 2003 و2007.
ومنذ 2007 تولى في فترات مختلفة منصب وزير دولة للشؤون الأوروبية ومنصب وزير البيئة والصحة ثم للمالية والتنمية الوطنية في حكومات الولاية المتعاقبة، إلى أن أصبح في مارس 2018 رئيسا لحكومة بافاريا.
وزودر المولود في 5 يناير/كانون الثاني 1967، حاصل على شهادة جامعية في القانون، ويشغل عضوية برلمان ولاية بافاريا منذ 1994. كما أنه يعتبر سياسيا محافظا ويتبنى خطا سياسيا متشددا.
aXA6IDMuMTM1LjI0Ny4xNyA= جزيرة ام اند امز