3 سيناريوهات تنتظر ألمانيا بعد «الموجة الزرقاء»
إن كنت متابعا للشأن الألماني ستغرق في سيل من العناوين المعبرة عن «الصدمة» من الحدث، والمتضاربة في توقع «النتيجة» بعد «الموجة الزرقاء».
الصدمة ذات شقين، الأول متعلق بصعود غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية 1945، لحزب ممثل لأقصى اليمين، إذ حقق حزب البديل لأجل ألمانيا المعروف بلونه الأزرق المرتبة الأولى في انتخابات ولاية تورينغن، فيما خسر الصدارة بفارق طفيف للغاية في ساكسونيا، وهما مقاطعتان من مقاطعات جمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشرقية) السابقة.
وحصد الحزب 32,8% من الأصوات في تورينغن، فيما قال زعيمه في المقاطعة بيورن هوكه، الذي يُعد أحد أكثر شخصيات الحزب تطرفا، إنه «مستعد للتعاون» لكن ليس هناك حزب آخر يريد التحالف معه.
وللمفارقة، فإن تورينغن كانت أول مقاطعة يصل فيها النازيون إلى الحكم عام 1932، وستثبت الأيام ما إذا كان البديل لأجل ألمانيا قادرا على إعادة عجلة التاريخ للخلف، حال نجاحه بتشكيل تحالف حاكم في الولاية.
وفي مقاطعة ساكسونيا تقدم حزب البديل من أجل ألمانيا 7 نقاط (30,6%) ليحتل المركز الثاني بعد حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ (31,9%) الذي استبعد أي تحالف مع أقصى اليمين، لكنه سيواجه صعوبة في الحصول على غالبية في البرلمان المحلي.
أما الشق الثاني من الصدمة فيتعلق بمدى شعبية الائتلاف الحاكم الحالي بقيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إذ بدت الانتخابات المحلية في الولايتين، أمس، كتصويت على شعبية الحكومة.
وتمثل النتائج التي حققها أقصى اليمين في الولايتين -حيث ترسخت جذوره على مدى السنوات العشر الماضية- انتكاسة جديدة للأحزاب الثلاثة في الائتلاف الحاكم، الاشتراكيين الديميقراطيين والخضر والليبراليين، قبل الانتخابات التشريعية في سبتمبر/أيلول 2025.
ففي الانتخابات الأوروبية في يونيو/حزيران، تعرضت هذه الأحزاب لـ«هزيمة قاسية»، في مواجهة المعارضة المحافظة (الاتحاد المسيحي حل بالمرتبة الأولى) والبديل لأجل ألمانيا (حل ثانيا).
وسجّل الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة شولتز أسوأ نتيجة له في انتخابات إقليمية في تورينغن بحصوله على نسبة تقدّر بـ6,1%، كما كان أداؤه أقل مما كان عليه قبل خمس سنوات في ساكسونيا، بحصوله على نسبة 7,3%، لكن هامش التراجع ضئيل للغاية، يتراوح بين 0.4% و2% على الترتيب، ما يعني أن الولايتين لم تكونا بالأساس مؤيدتين لهذا التيار.
ورغم ذلك، تثير النتائج مخاوف من حصول الأسوأ في الانتخابات الإقليمية التي ستُجرى في 22 سبتمبر/أيلول في مقاطعة براندنبورغ المحيطة ببرلين، التي يقودها حاليا الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ويوجد فيها محل إقامة شولتز (مدينة بوستدام).
استياء الرأي العام
وتدفع السلطة التنفيذية ثمن استياء جزء من الرأي العام، الذي يغذيه التضخم والتحول البيئي الذي تحاول الحكومة تنفيذه بدفع من حزب الخضر، وتزيد المشاحنات المستمرة داخل هذا الائتلاف الثلاثي من عدم شعبيته.
وفيما يتعلق بباقي أحزاب الائتلاف الثلاثي الحاكم، خرج حزب الخضر من البرلمان الإقليمي في تورينغن، بعد أن فشل في اجتياز عتبة الـ5% الضرورية، فيما صمد بفارق ضئيل في مقاطعة ساكسونيا.
فيما كان الحزب الديمقراطي الحر "ليبرالي" أكثر المتأثرين في الائتلاف الحاكم، إذ خرج من برلمان ولاية تورينغن، بعد تراجعه 4 نقاط كاملة مقارنة بالانتخابات الماضية، وتحقيقه 1% فقط من الأصوات.
وفي ولاية ساكسونيا حقق الحزب الذي ينحدر منه وزير المالية كريستيان ليدنر 2.3% من الأصوات، متراجعا بنسبة 1% عن الانتخابات السابقة في الولاية.
وإثر هذه الصدمة الكبيرة، التي وصفتها وسائل إعلام عدة بـ«الزلزال»، بات أمام الحكومة الألمانية الحالية، والسياسة الألمانية عموما، 3 سيناريوهات، وفق قراءة خاصة لـ«العين الإخبارية».
3 سيناريوهات:
الأول: ترك الحسم لـ«براندنبورغ»
في مقابلة مع مجلة شبيغل يوم الأربعاء الماضي أدلى أولاف شولتز باعتراف نادر، إذ قال إن الحكم في هيكل معقد مثل تحالف من 3 أحزاب هو «واقع جديد لم أعتد عليه تمامًا حتى الآن أيضًا».
من هذه النقطة، بات مراقبو المشهد الألماني يرون في شولتز المشكلة، إذ تراجعت معدلات تأييده بنسب كبيرة، وبات وزراء في الحكومة أكثر شعبية منه بمسافة بعيدة، وحتى هناك وزراء من حزبه الاشتراكي الديمقراطي يملكون معدلات تأييد أقوى في الشارع.
ووفق السيناريو الأكثر احتمالا سيترك مصير شولتز لولاية براندنبورغ، وإذا حافظ الحزب الاشتراكي الديمقراطي على تفوقه في الولاية، من المنتظر أن يعبر شولتز هذه الأزمة ويكسب بعضا من الوقت.
لكن إذا حدث العكس، وتهاوى الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الولاية، فمن المنتظر أن يجبر هذا الوضع شولتز على الخروج من المشهد، والسماح بتغيير داخلي في الحزب الحاكم، يصعد من خلاله وزير الدفاع بوريس بيستوريوس الذي يملك أعلى معدلات الشعبية بين سياسيي البلاد، وفق استطلاعات الرأي، لقيادة الحكومة في العام المتبقي حتى الانتخابات التشريعية.
ووفق استطلاعات الرأي، وأحدثها استطلاع مؤسسة إنسا الذي نشرت نتائجه في 5 أغسطس/آب الماضي، يتقدم حزب البديل لأجل ألمانيا في ولاية براندنبورغ بـ24% من نوايا التصويت، يليه الحزب الاشتراكي الديمقراطي بـ20%، والاتحاد المسيحي بـ19%.
الثاني: انسحاب الحزب الديمقراطي الحر
عندما يتعلق الأمر بإدارة التوقعات فإن الحزب الديمقراطي الحر هو الأسهل من بين الأحزاب الثلاثة في الائتلاف، حيث كان من الواضح تمامًا منذ أسابيع أنه لن يصل إلى البرلمان في إرفورت أو دريسدن، لذا فإن خيبة الأمل من الفشل محدودة.
وفي أول تعليق على النتيجة، قال الأمين العام بيجان جير ساراي إن النتائج «نكسة وحافز في نفس الوقت»، لكن حافز لماذا؟
وقدم نائب زعيم الحزب الديمقراطي الحر فولفغانغ كوبيكي إجابة لهذا السؤال مساء يوم الانتخابات، حين قال «ماذا تظهر نتيجة الانتخابات؟ فقدان الحكومة شرعيتها».
وتابع كوبيكي في تصريحات عبر منصة «إكس» «إذا رفضت نسبة كبيرة من الناخبين دعم الحكومة بهذه الطريقة، فلا بد أن تكون هناك عواقب».
ويبدو أن تلميحات كوبيكي لاقت رواجا، إذ كتب عضو البرلمان عن الحزب الديمقراطي الحر فرانك شيفلر على «إكس»: «إشارة المرور (الاسم الدارج للائتلاف) زجاجة فارغة».
فيما كتب زميله في المجموعة البرلمانية كريستوف هوفمان، عبر «إكس»: «يجب على شولتز أن يمهد الطريق لـ(وزير الدفاع) بيستوريوس وإجراء تعديل وزاري في إشارة المرور»، ما يعني أن البعض داخل الحزب يفتح الباب أمام استمرار الحكومة ببعض التغييرات.
على كل حال، من المنتظر أن تجتمع قيادة الحزب اليوم في برلين، تشارك فيها هيئة الرئاسة واللجنة التنفيذية، لمناقشة نتائج الانتخابات، وما إذا كان سيضع الحزب نهاية مبكرة لتحالف «إشارات المرور».
وفي حال استقر الحزب على الانسحاب من الحكومة ستتجه البلاد إلى انتخابات تشريعية مبكرة يحدد موعدها في وقت لاحق.
الثالث: استمرار الحكومة بصيغتها الحالية
طول الأعوام الأربعة الماضية مرت الحكومة الثلاثية الحالية بأزمة تلو الأخرى، تارة إثر قانون طرحه الخضر حول التدفئة، وتارة أخرى حول الموازنة العامة، وفي كل مرة كان قادة الائتلاف يعقدون جلسات تفاوض مفتوحة، استمر بعضها أياما، يخرجون منها بتوافق وحل وسط استمرار التعاون بشكله الحالي.
وفي كل مرة، كانت حسابات حل الحكومة والذهاب لانتخابات مبكرة يعني تحقيق الأحزاب الثلاثة نتائج كارثية، ما يجبرها على الاستمرار بغية تحقيق نتائج في الفترة المتبقية في ولايتها، على أمل تحسين أرقام الشعبية.
لكن الأزمة هذه المرة مركبة وأكثر تعقيدا ما يعني أن إصرار كل طرف على الاستمرار بنفس الصيغة مستبعد، خاصة إذا حققت الأحزاب الثلاثة نفس النتائج الكارثية في براندنبورغ.