الوظائف تنتصر على القيم.. شرق ألمانيا يتصالح مع التسلح

استراتيجية دفاعية جديدة تتبناها أوروبا في ظل مخاوفها من تهديدات روسية محتملة ومن تراجع الولايات المتحدة عن ضمان أمن القارة.
فبعد 175 عامًا من صناعة عربات القطارات، تحول مصنع ألستوم الواقع في مدينة غورليتس شرق ألمانيا إلى إنتاج قطع غيار الدبابات، في خطوة قد تبدو صغيرة إلا أنها إشارة واضحة على تحول ألمانيا المفاجئ نحو إعادة التسلح.
هذا التحول لا يعني بالضرورة أن سكان المدينة سعداء، إلا أن استياءهم كان ليكون أكبر إذا خسروا عملهم تماما وذلك وفقا لما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية التي قالت إن الموافقة على تجديد المصنع وتغيير نشاطه هو انعكاس لمشاعر الألمان المتضاربة بين التهديدات الأمنية والاقتصاد الهش.
تقع غورليتس في منطقة معزولة في ألمانيا الشرقية السابقة حيث تنتشر المشاعر المناهضة للحرب بقوة، إلى جانب التعاطف مع روسيا الذي تجلى في انتخابات هذا العام عندما أيد ما يقرب من نصف الناخبين حزب "البديل من أجل ألمانيا" الذي يمثل أقصى اليمين والمعروف بتقاربه مهع موسكو ومعارضته لدعم أوكرانيا.
الوظائف تنتصر
ومع ذلك وافق سكان المدينة والعمال وحتى القادة المحليين لحزب البديل على مضض على تجديد المصنع؛ ففي ظل ندرة الوظائف ذات الأجور المجزية وانتشار الإحباط الاقتصادي، تصالح العديد من منتقدي صناعة الأسلحة مع تجارة الحرب.
ورغم أن سيباستيان ويبل، زعيم حزب البديل في مجلس المدينة المحلي وصف في منشور على فيسبوك بيع المصنع بأنه "ليس مبررًا للاحتفال"، إلا أنه أقر -أيضًا- بأهمية الحفاظ على وظائف التصنيع في المدينة وتقليل اعتماد ألمانيا على مصنعي الأسلحة الأجانب.
ويكشف هذا الموقف عن لمحة محتملة من التنازلات التي قد يضطر حزب البديل على تقديمها إذا أراد توسيع قاعدة دعمه خارج معقله في ألمانيا الشرقية سابقًا، وزيادة شعبيته على المستوى الوطني.
فرغم تصدر الحزب حاليًا بعض استطلاعات الرأي الوطنية، إلا أن موقف قادة "البديل من أجل ألمانيا" الذين انتقدوا المستشار الألماني فريدريك ميرتس بسبب زيادة الإنفاق العسكري ودعم أوكرانيا، يختلف عن موقف غالبية الألمان في هذه القضايا.
وقال هايكو نيتشكي، مهندس في مصنع ألستوم "لم يتبقَّ سوى عدد قليل من الشركات الكبيرة التي تدفع أجور النقابات، وستكون كارثة إذا أفلست هذه الشركة أيضًا" لكنه أكد أنه لن يعمل مع المالك الجديد للمصنع بسبب عدم ارتياحه لتصنيع الأسلحة.
ووافقت شركة تصنيع الأسلحة التي اشترت "ألستوم" على توظيف أكثر من نصف عمال المصنع القديم البالغ عددهم 700 عامل، قائلة إن استثمارها سيتجاوز 10 ملايين دولار.
ما كان في السابق مجمعًا صناعيًا مترامي الأطراف يتقلص منذ سنوات. أصبحت أجزاء من أحد المباني مقرًا للشرطة ومركزًا ثقافيًا، فيما لا تزال أجزاء أخرى غير مستخدمة، والنوافذ محطمة والسقف انهار.
وقبل أقل من عقد من الزمان، كان ألستوم مجمعا صناعيا مترامي الأطراف يُوظّف أكثر من 2000 عامل، قبل أن تُهدده التحولات في سلاسل التوريد تمامًا ليبدأ في التقلص، حتى إن جزءا من أحد المباني تحول إلى مقر للشرطة فيما تحول جزء آخر إلى مركز ثقافي ولا تزال أجزاء أخرى غير مستخدمة مع نوافذ محطمة وأسقف منهارة.
وعندما بدأ شبح الإغلاق يخيم على المصنع، بدأ اتحاد عمال المعادن في البحث عن سلع بديلة يمكنه إنتاجها فكانت الإجابة ببساطة هي الأسلحة بحسب أوي غاربي، الممثل النقابي الرئيسي لاتحاد عمال المعادن في شرق ساكسونيا.
وساعدت النقابة السياسيين على المستويين المحلي والفيدرالي في البحث عن مشترٍ، على أمل وقف التراجع الصناعي الذي ترك بصماته على جيوب المنطقة وسياساتها.
ويقول الكثيرون في المدينة، إن الإحباط الاقتصادي والشعور بالتخلف السياسي دفع الناخبين نحو حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي يحظى الآن بدعم أكبر من أي حزب آخر في الانتخابات المحلية والإقليمية.