قبيل التصويت على البيان الختامي لقمة غلاسكو للمناخ بدقائق، صاح ممثل الاتحاد الأوروبي مطالبا بعدم "قتل" تلك اللحظة التي يترقبها العالم.
أما ممثلة جزر المارشال، تينا ستينج، فناشدت التصديق على البيان "كي لا تعود إلى أولادها بخيبة أمل كما حدث في مؤتمر مدريد عام 2019".
لم يصل البيان الختامي لـ"كوب 26" إلى مستوى الطموحات والتوقعات المرتفعة، ولم يضع بداية لنهاية أزمة المناخ، كما كان يشتهي رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، قبيل القمة.
وكما قالت ممثلة سويسرا: "تفرّق الجميع بعدما صادقوا على أقل ما يمكن تبنِّيه لمواجهة الأخطار الحقيقية، التي يواجهها البشر على الأرض".
تفرَّق الجميع على أمل اللقاء في مصر العام المقبل بإصرار أكبر على مواجهة تغيرات المناخ، ولكن الوقت يمر على دول تواجه الخطر أكثر من سواها.
تقول مندوبة جزر المالديف إن الأمر بالنسبة لبلادها قضية "حياة أو موت"، وما هو واقعي للأطراف الأخرى الآن لن يساعد في الوقت المناسب، وسيفوت الأوان بالنسبة لـ1200 جزيرة ترتفع أقل من مترين عن مستوى سطح البحر، وبالتالي فإن اتفاق غلاسكو "لا يبعث الأمل".
ما حدث في المدينة الاسكتلندية من سجالات على مدار اثني عشر يوما، يُختصر في ست حقائق رئيسية:
الأولى أن العالم فشل مجددا في الوصول إلى خارطة طريق واضحة وحاسمة في معالجة التحديات المناخية.. وحتى اللغة التي صيغت بها قرارات المؤتمر أقرب إلى التوصيات فعلياً، علاوة على أنها كانت فضفاضة.
وقد أُجبرت غالبية الدول على تمرير بعض المصطلحات المائعة في البيان الختامي، فقط من أجل أن يُقال إن العالم قرر العمل من أجل تقليص الاحتباس الحراري وتخفيض الانبعاثات السامة.
الحقيقة الثانية أن العالم يتضرر مناخيا وبيئيا بفعل قلة من الدول، التي تتجاهل حقيقة أن مناطق ومدنا وجُزُرا قد تندثر وتزول إلى الأبد بسبب نشاط هذه القلة من الدول، التي تسمي نشاطها الضار ذاك "تنمية اقتصادية".
والمؤسف أنه لا يوجد قانون دولي ملزم يجبر هذه الدول على الخضوع لرغبة الغالبية في الحفاظ على كوكب الأرض من أجل الأجيال القادمة.
الحقيقة الثالثة أن الدول الفقيرة لن تخطو خطوة واحدة في مواجهة كوارث المناخ طالما أنها لا تتلقى دعماً مالياً من الدول الغنية. وطالما أن الأخيرة تزداد ثراء بفعل الاعتماد على مصادر الطاقة الأحفورية، فإن الوفاء بأي تعهدات مالية لضم الدول الفقيرة إلى جبهة القتال من أجل الأرض سيبقى معلقا إلى أجل غير مسمى، أو سيكون في الحدود الدنيا، التي تجعل المعركة ضد التغير المناخي تستمر لمائة عام أخرى.
الحقيقة الرابعة أن بعض الدول الصاعدة في اقتصادياتها تشعر بالغُبن، لأن الغرب الذي صنع إمبراطوريات بالاعتماد على النفط والغاز والفحم، يريد اليوم أن يقف في وجه نموها ونهضتها، ويطالبها بالتحول إلى أشكال الطاقة النظيفة، التي يملك هو تقنيتها ومفاتيحها أكثر من غيره، ليبدو الأمر كأن الدول المتقدمة تريد أن تواصل صعودها وتفوقها على حساب الآخرين، ولكن هذه المرة باستخدام الطاقة المتجددة.
الحقيقة الخامسة أن دول العالم تتباين بشكل واضح في فهم حقيقة خطر التغير المناخي.. فهناك شعوب تكترث للأمر أكثر من غيرها لأسباب اقتصادية وتعليمية وسياسية واجتماعية كثيرة.
والمشكلة هنا أن هذا التباين تستغله حكومات بعض الدول لتُبقي التحديات البيئية في إطار مفهوم الرفاهية، والعمل الذي يحتاج إليه العالم من أجل مواجهة هذه التحديات هو مجرد "أنشطة تكميلية" تتراجع أهميتها إلى الصفر أمام "أولويات" مثل تأمين لقمة العيش أو توفير المسكن أو الحصول على فرصة عمل.
التغير المناخي لا يمكن أن تواجهه دولة بمفردها مهما بلغت قوتها العسكرية والاقتصادية، والتعاون العالمي في هذا الإطار لا بديل عنه، وواقع الأمر، وهذه هي الحقيقة السادسة، أن هذا التعاون لن يكون طواعية في جميع مراحله، وإنما يجب أن تُجبر عليه بعض الدول في مرحلة من المراحل.. وعندما نبلغ هذه المرحلة، وهي ليست ببعيدة، سنشهد تحالفات دولية تستخدم أداوت ضغط اقتصادية وسياسية ضد غير المتعاونين.
على ضوء كل هذه الحقائق وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، مخرجات مؤتمر غلاسكو للمناخ بـ"المقاربة التي تعكس المصالح والتناقضات والتوازنات السياسية السائدة حول العالم اليوم".
ولأن الخطوة غير كافية، قال "جوتيريش" إنه قد "حان الوقت للذهاب إلى وضع الطوارئ"، فمعركة المناخ برأيه ورأي كثيرين غيره هي معركة حياة أو موت ويجب كسبها بأي شكل، وأياً كانت الأدوات والضرورات.
المديرة التنفيذية لمنظمة السلام الأخضر الدولية، جينيفر مورغان، قالت في نهاية مؤتمر غلاسكو إن "عصر الفحم والطاقة التقليدية قد انتهى، وتغيير كلمة في نص البيان الختامي لن يوقف هذه النتيجة".
"مورغان" كانت تحاول احتواء الإحباط، الذي علا وجوه كثير من الحاضرين بعد تعديلات طرأت على البيان، تلبية لرغبة قلة من الدول، ولكن ما تقوله واقعي، ولا شك أن من مصلحة جميع البلدان الانتقال إلى طاقة متجددة نظيفة، رغم أن هذا التحول ليس سهلا، ويحتاج إلى مساعدة من الدول الغنية للدول الفقيرة لإتمامه.
مندوبة جزر المالديف في المؤتمر صاغت أمام الحاضرين مشكلة التغير المناخي بجملة واحدة مختصرة وواضحة جدا، قالت فيها: "إن العالم أمامه 98 شهرًا لخفض الانبعاثات إلى النصف عام 2030، والفارق بين 1.5 درجة مئوية ودرجتين مئويتين هو حكم بالإعدام بالنسبة لبعض الدول".
كثير من المؤتمِرين كانوا يحلمون بلغة قوية كهذه في الاتفاق الدولي الجديد للمناخ، ولكن ذلك لم يحدث، ورغم ذلك أسدلت الستارة على "كوب 26" بتصفيق حاد، لأن الجميع يعرف أن مواجهة المناخ حرب طويلة الأمد لن تستسلم فيها غالبية دول العالم، وما استعصى على الإجماع في اسكتلندا اليوم، ربما يكون محط اتفاق وقبول بعد عام واحد في مصر، أو بعد عامين اثنين في الإمارات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة