كانت الإمارات سباقة إلى استثمار معطيات هذه القمة، فلم تعد دولة الإمارات تخطط على المدى الزمني لنفسها بل تعدته إلى ما بعد الموارد.
منذ أن خلق الله الإنسان وهو يرنو إلى المستقبل مفكراً متطلعاً إلى تحسين واقعه واستشراف الغد متأهباً لمستجدات الحياة وسيرورتها مستغلاً كل الموارد المتاحة لتحقيق رفاهيته وبناء سعادته وتسخير الموجودات لتعزيز راحته وتغلبه على عقبات الواقع والسباق مع الزمن، وفي العصر الحديث لم يعد العالم شاسعاً في عصر التكنولوجيا والثورة العلمية بل أصبح قرية صغيرة ولم يعد هناك ما هو خاص فكل شاردة وواردة صارت تدخل البيوت وفي متناول الجميع، وأصبحت المنصات العلمية والتواصلية والاستثمارية والتنموية سريعة الخطى حتى أضحت المؤسسات الحكومية والقانونية مضطرة لمحاولة اللحاق بها بعد أن كانت هي التي تسن القوانين وتضع القواعد للتطور، الأمر الذي انعكس على مجريات القوانين الحكومية والإدارية سلباً بتأخرها عن موكب التقدم واحتواء المستجدات والسيطرة عليها.
أي خلل في شرق العالم أو غربه سيعود بأضراره على كل إنسان في العالم وأي نفع وفائدة توجد في صقع من أصقاع العالم ستعود بالخير على الجميع فالعالم مسؤولية كل إنسان على وجه الأرض. هذه هي الرسالة التي تسعى القمة عموماً والإمارات العربية المتحدة خصوصاً إلى إيصالها
كل ذلك جعل المواطن والحكومات اليوم تشعر بالقلق على المستقبل في الوقت الذي تسعى للارتقاء بواقع الدولة والمجتمع والفرد لتأمين متطلبات الحياة ومسايرة أمواج التطور والحداثة. ولكن ذلك ليس سهلاً فليس بمقدور مجتمع بذاته أو دولة بذاتها أو حتى مجموعة حكومات أن تحقق المأمول في ذلك، إذ لا بد من جهود عالمية متكاتفة. فالفكرة اليوم ليست محلية بل بمجرد خروج الفكرة ستعم العالم أجمع بطرفة عين ولا بد للجميع من استثمارها على الوجه الأمثل في أي ميدان كانت فيه. وهذا ما حدا بدولة الإمارات العربية المتحدة السباقة لمثل هذه المشاريع التنموية العالمية التي تتجاوز اليوم لبناء الغد وما بعد الغد إلى الدعوة لتنظيم قمة حكومية عالمية تدعو إليها جميع دول العالم وحكوماته للاجتماع والتدارس والتنظير وتبادل الخطط التنموية والرؤى المستقبلية لتحسين عمل الحكومات وإدارة موارد العالم واستثمارها وتطويرها على أكمل وجه من الثروات الطبيعية والباطنية إلى الاستثمار الصناعي والتبادل التجاري والتقني والتكنولوجي وفي الخطط التنموية والحيوية والأساليب الإدارية ليصبح العالم أفضل. بالإضافة إلى المساهمة في توحيد العالم لبناء البشرية جمعاء وإدارتها ولم تقتصر الدعوة على الجهات الحكومية فقط بل وُجهت كذلك لكبرى المؤسسات الاقتصادية والعلمية العامة والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني والشخصيات المؤثرة في العالم من مفكرين وعلماء ومنظّرين بهدف مناقشة جميع التجارب والنظريات التي من شأنها تطوير العمل الحكومي أولاً وإدارة الموارد والارتقاء بالعالم ثانياً، وانتخاب الأفضل منها بدلاً من العمل بشكل منفرد فيطول أمد الاستفادة واستثماره بالطريقة المثلى.
كانت الدعوة الأولى لهذه القمة هي نتيجة طرح جريء بنّاء من سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم إمارة دبي، الذي بذل لأجلها اهتمامه الكامل وسعى بشكل دؤوب حتى رأت النور وانعقدت القمة في دبي عام 2013 ولاقت قبولا عالمياً تمثل بمشاركة أغلب الحكومات والشخصيات السياسية ورؤساء العالم وتقرر في تلك القمة تحويلها إلى حدث دوري في دبي في الإمارات العربية المتحدة. ومنذ ذلك الوقت لم تتعطل هذه القمة في إشارة إلى الزخم المعرفي والتنموي الذي تمد به الدول المشاركة.
وقد كانت الإمارات سباقة إلى استثمار معطيات هذه القمة، فلم تعد دولة الإمارات تخطط على المدى الزمني لنفسها بل تعدته إلى التفكير فيما بعد الموارد حتى صارت تخطط لما بعد النفط وهو المورد الذي يحتاج إلى عقود حتى ينفد من جهة، ومحاولة استبداله حتى قبل أن ينفد بطاقة نظيفة دائمة تحقق الاستقرار وتحافظ على المناخ والبيئة. فانتقلت الإمارات إلى التفكير المستقبلي العالمي كما تعاملت الإمارات بجدية مع مخرجات هذه القمة وتطبيقها بتطوير الحكومة ذاتها فقد عبر عن ذلك سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بقوله: "إن حجم التغييرات من حولنا وحجم الطموحات التي نريدها.. يتطلب فكراً جديداً.. ولا يمكن أن نعبُرَ للمستقبل بأدوات الماضي"، كما عبر سموه عن ذلك فعلاً بتغيير (وزارة شؤون مجلس الوزراء) إلى (وزارة شؤون مجلس الوزراء والمستقبل) وذلك في عام 2016 بعد القمة العالمية للحكومات في دورتها الثالثة فصار المستقبل جزءاً لا يتجزأ من الفكر والطموح بل وحتى المؤسسات الحكومية العليا الإماراتية، ما يدل على أن هذه القمة ليست ذات فاعلية محدودة إذا ما آمنت الدول والحكومات بالمستقبل واضطلعت بواجبها مستفيدة من الخبرات العالمية التي تقدم أفضل ما لديها من تجارب وخطط تنموية وحيوية وتطويرية مستثمرة إياها قولاً وفعلاً وبجدية تامة.
ليس المستقبل ببعيد إذا ما فكر المرء خارج إطار ذاته ويومه، ولكن استشراف المستقبل والتجهيز له ليس سهلاً أيضاً إن لم تتضافر الجهود العالمية على المستويات كافة من الشخصية والفردية إلى الاجتماعية والحكومية والدولية، فيداً بيد وفكراً بفكر وخطة بخطة؛ نستطيع أن نطور الحاضر ونستشرف المستقبل لبناء عالم أفضل للجميع وبجهود الجميع. فأي خلل في شرق العالم أو غربه سيعود بأضراره على كل إنسان في العالم وأي نفع وفائدة توجد في صقع من أصقاع العالم ستعود بالخير على الجميع فالعالم مسؤولية كل إنسان على وجه الأرض. هذه هي الرسالة التي تسعى القمة عموماً والإمارات العربية المتحدة خصوصاً إلى إيصالها والإيمان بها وتطبيقها لتجاوز عقبات اليوم والنهوض به ليواكب مستجدات العصر من جهة والتطلع إلى المستقبل وبنائه على أسس قوية وثابتة من جهة أخرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة