إطلاق أول تقرير عالمي لسياسات السعادة من دبي
تقرير سياسات السعادة الأول من نوعه ينطلق من دبي بعد أن أعده مجموعة من الخبراء الدوليين في علم السعادة.
أطلق الحوار العالمي للسعادة، السبت، التقرير العالمي لسياسات السعادة الأول من نوعه، الذي أعده البروفيسور جيفري ساكس مدير مركز التنمية المستدامة في جامعة كولومبيا، والبروفيسور جون هيليويل البروفيسور الفخري في علم الاقتصاد بجامعة بريتش كولومبيا، ومجموعة من الخبراء العالميين في علم السعادة.
وأكد الخبيران العالميان أن تعزيز مفاهيم السعادة يتطلب الانتقال من مرحلة "كيف تسعد نفسك" إلى "كيف تحقق السعادة لنفسك والآخرين؟"، واستعرضا أبرز ما توصل إليه التقرير العالمي لسياسات السعادة في جلسة بعنوان "التقرير العالمي لسياسات السعادة: تجارب عملية من العالم"، أدارها ريتشارد كويست الإعلامي في قناة "سي.إن.إن" الأمريكية.
وقال ساكس: "يسعى التقرير العالمي لسياسات السعادة لتلبية الحاجة إلى تحقيق السعادة على مستوى الأفراد والشعوب والاستجابة لتطلعات المجتمعات في حياة سعيدة. ويقدم التقرير أفكاراً وآليات تسهم في إسعاد الشعوب وترتقي بمستوى واقعهم المعيشي."
وشدد ساكس على أن الحكومات يجب أن تأخذ على عاتقها مهمة النظر في الأدلة والتوصيات التي يقدمها التقرير على عدة مستويات في ظل التغيرات المتسارعة التي يعيشها عالمنا اليوم، موضحاً أن التقرير يكشف أهمية أن تسعى الحكومات إلى توفير بيئة داعمة لتحقيق السعادة عبر الاستماع إلى مواطنيها وتلبية تطلعاتهم وتعزيز التفكير الإيجابي في المجتمع.
وأكد أن تبني مفاهيم السعادة يتطلب الانتقال من مرحلة "كيف تسعد نفسك" إلى "كيف تحقق السعادة لنفسك والآخرين".
من جهته، اعتبر جون هيليويل البروفيسور الفخري في علم الاقتصاد بجامعة بريتش كولومبيا أن الحوار العالمي للسعادة يشكل انطلاقة لتحقيق السعادة على مستوى الأفراد والشعوب، موضحا أن التقرير يقدم أفضل الممارسات والسبل لتحقيق السعادة، حيث يتطرق إلى السياسات التي تساعد الحكومات على الخروج بأفكار ورؤى واضحة تحقق السعادة ومستقبلاً أفضل لشعوبها، إضافة إلى تسليط الضوء على الآليات التي تسهم في ترسيخ مفاهيم السعادة وبناء مجتمع سعيد.
وأضاف أن مفهوم السعادة يتطلب ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ بالصحة النفسية للأفراد، حيث إن العديد من أصحاب الثروة يعانون من الكآبة والإحباط والانهيار العصبي مما يؤدي بالبعض إلى الانتحار، فزيادة الثروة وارتفاع معدلات الدخل لا تعني بالضرورة السعادة، ولذا علينا أن نفكر بأفضل السبل التي ترفع جودة الحياة والبيئة المادية والصحة النفسية والذهنية للأفراد حتى لا تؤدي الثروة والنمو الاقتصادي إلى التعاسة بدلاً من أن تحقق السعادة للشعوب.
ولفت إلى أن الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي له تداعيات سلبية؛ لأنها تقود الشباب تدريجياً إلى العزلة الاجتماعية والتي هي سبب رئيس في اخفاض معدلات السعادة.
وشدد هيليويل على ضرورة دراسة الأدلة والمؤشرات التي يقدمها التقرير في هذا الصدد لتجاوز التحديات التي تشكلها التقنيات الجديدة.
ستة مواضيع حيوية
ويستعرض التقرير، ضمن ستة مواضيع حيوية، تأثير الصحة العقلية والنفسية للأفراد على سعادتهم، ويكشف أن التكلفة الباهظة للعلاجات النفسية تبدو ضئيلة مقارنة بالنتائج العظيمة التي تحققها هذه العلاجات من حيث تمكين الأفراد من ممارسة حياتهم الطبيعية والشعور بالسعادة في علاقتهم مع محيطهم، فتكاليف العلاج تتطلب 0.1 %من الناتج الإجمالي العالمي، لكن القيمة الحقيقية للصحة النفسية للأفراد أكبر بكثير من هذه النسبة.
التعليم الإيجابي
ويتطرق التقرير إلى عدد من الأمثلة المُلهمة من 11 دولة حول العالم عن التعليم الإيجابي الذي يؤسس لثقافة الإيجابية والسعادة. ويبحث التقرير مسألة تضمين برامج التعليم ممارسات تحفيزية مثل: تشجيع الطلبة على كتابة خطابات عن أسباب الرضا، وكيفية التعامل مع المواقف غير المرغوب فيها، واستكشاف مميزات الشخصية وكيفية الاستفادة منها، والتعبير عن المشاعر والتعاطف مع الآخرين، وحل المشاكل والتفكير النقدي.
بيئة العمل
ويتناول التقرير علاقة السعادة بنسبة الرضا عن الوظائف التي يؤديها الأفراد مشيراً إلى ارتفاع نسبة الشعور بالرضا والسعادة بين الأفراد في الدول الصناعية المتقدمة، مما يشير إلى أهمية الأمان الوظيفي في تحقيق السعادة. ويكشف التقرير عن أهم 12 مطلباً للرضا الوظيفي أهمها: العلاقات الجيدة مع زُملاء العمل، والشغف بأداء المهام الوظيفية.
السعادة الشخصية
ويتطرق التقرير إلى سعادة الأفراد الشخصية والتي ترتبط بشكل مباشر بمشاعرهم تجاه محيطهم الاجتماعي، ويبحث مسألة العلاقات الاجتماعية مع الجيران والأصدقاء والحياة الأسرية، وكيفية تطوير السياسات لتقوية أواصر هذه العلاقات، مثل: إطلاق المبادرات الاجتماعية، وتعزيز انتماء الأفراد لمحيطهم، وإصدار القوانين التي تسمح للأفراد العاملين بقضاء المزيد من الوقت مع عائلاتهم.
المدن الذكية
ويخصص التقرير حيزاً مهماً للتكنولوجيا المستخدمة في تطوير المدن الذكية ويستلهم من نماذج أفضل السياسات المُتعلقة ببناء المدن السعيدة من خلال دراسة 15 مثالاً لسياسات السعادة حول العالم، مع الأخذ في الاعتبار 7 عناصر ضرورية لسعادة المدن وهي إمكانية قياس ردود فعل الأفراد تجاه السياسات المُعتمدة، والاقتصاد، والمجتمع، والعمل الحكومي، وإمكانية التنقل، والبيئة، وأدوات تمكين السعادة.
ويفيد التقرير بأن قياس السعادة والتقييم المستمر لجودة الحياة ضروريان لتحسين نوعية السياسات، حيث يسهمان في تحديد أثر السياسات المعتمدة والإجراءات اللازمة لتطويرها.
قياس السعادة واتباع النهج التجريبي
وفي تحليل للأسباب التي أدت إلى تحول في نظرة الحكومات إلى مسألة السعادة وأهميتها في حياة الشعوب وأثرها على استدامة الازدهار، يشير التقرير العالمي لسياسات السعادة إلى أن أحد أهم الأسباب يتمثل في تنامي الوعي بضرورة اعتماد مقاييس جديدة للتنمية، بحيث لا تقتصر على نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. من هنا حرص معدو التقرير على النظر في جميع جوانب الحياة اليومية الخاصة بالأفراد لإعطاء نظرة شاملة عن السعادة وجودة الحياة تثري عمل الحكومات في وضع السياسات المناسبة.
ويستعرض التقرير مُختلف السياسات والمعايير التي اعتمدتها الدول حول العالم في قياس السعادة وجودة الحياة، مع الأخذ في الاعتبار المبادئ المعتمدة من قبل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في قياس السعادة. ويؤكد التقرير في عدة فصول منه على أهمية اتباع النهج التجريبي لقياس السعادة؛ بهدف زيادة المعرفة العلمية بشأن السعادة ولأن هناك مواضيع، مثل التعليم والسعادة الشخصية، لا يمكن قياسها إلا بالتجربة.
ويشير التقرير إلى أن تقييم السياسات من وجهة نظر علمية عن جودة الحياة يحدث فرقاً إيجابياً كبيراً، خاصة إذا ركز التقييم على أثر السياسات في تحقيق السعادة. ويطرح أمثلة مهمة عن سياسات واعدة ومبتكرة، اعتمدت على تحفيز أفراد المجتمع على التعاون مع بعضهم بعضاً لتحسين مجتمعاتهم المحلية. وعلى الرغم من أن هذه التحسينات اقتصرت على توطيد العلاقات الشخصية بين أفراد المجتمع الواحد، إلا أن سياسة التعاون داخل مجتمع محلي يمكن تطبيقها لتحسين قطاعات مثل الصحة، والتعليم، وأماكن العمل.
التنسيق والهدف المشترك
وحسب التقرير هناك ثلاثة مبادئ أساسية لتنسيق السياسات بين المؤسسات:
أولاً: التعاون بين الوزارات خاصةً تلك التي تضع السياسات وتلك التي تنفذها.
ثانياً: تحدد المؤسسات -بالتعاون مع بعضها البعض- أياً من السياسات هي الأكثر نجاحاً من أجل إعطائها الأولوية.
وثالثاً: إصدار وتطبيق أجندة خاصة بالسعادة تكون جوهراً للتعاون بين الحكومات بهدف توفير هدف عام ومُشترك بين الحكومات.
ويورد التقرير العالمي لسياسات السعادة الأسباب الرئيسية التي قد تعيق اعتماد سياسات السعادة في الحكومات؛ وأبرزها: غياب قوانين مُلزمة، وعدم كفاءة آليات قياس السعادة، وعدم القدرة على التكيف مع السياسات الجديدة. ويمكن التغلب على هذه التحديات بسهولة من خلال إشراك جميع صناع السياسات في عملية صياغة وبلورة سياسات السعادة.
ويأتي الحوار العالمي للسعادة في دورته الثانية ضمن فعاليات الدورة السادسة للقمة العالمية للحكومات التي تنظم في الفترة من 11 إلى 13 فبراير/شباط. وشارك فيه 500 مسؤول حكومي وعالِم وخبير في شؤون السعادة من دول عربية وغربية ومؤسسات عالمية، في 24 جلسة مُتنوعة، ركزت على سبل تعزيز المعارف والخبرات في مجالات السعادة وجودة الحياة، وبحثت آليات تعزيز التعاون بين الحكومات والمؤسسات الدولية والمجتمعات من أجل صياغة سياسات حكومية تكرس ثقافة السعادة والإيجابية في جميع ممارساتها.
aXA6IDMuMTQ0LjQ1LjE4NyA= جزيرة ام اند امز