وداعا للخوف.. متلازمة غامضة تمحو مشاعر الرعب تماما

في مشهد يبدو وكأنه من أفلام الخيال العلمي، يعيش بعض الأشخاص بيننا بلا خوف على الإطلاق، نتيجة إصابتهم بمتلازمة نادرة سببها تلف في منطقة محددة من الدماغ تُعرف باسم اللوزة الدماغية.
هذه المنطقة مسؤولة عن تنشيط مشاعر الخوف استجابةً للمخاطر، وعندما تتعطل وظيفتها، يُمحى الإحساس بالخوف تماما.
أبرز الدراسات حول هذه الظاهرة جاءت من جامعة أيوا الأمريكية، حيث درس الباحثون حالة امرأة معروفة باسم "SM"، تعاني من تلف كامل في اللوزة الدماغية نتيجة إصابتها بمرض وراثي نادر يسمى داء أورباخ-فيته.
في التجارب، تعرضت SM لمواقف مفزعة، مثل الوجود في بيوت مسكونة بالأشباح، الاقتراب من أفاعٍ وعناكب سامة، بل وحتى التهديد بالسلاح، لكنها لم تظهر أي استجابة خوف، فقط الفضول أو اللامبالاة.
دراسات أخرى، مثل التي نشرت في مجلة "كرنت بيولوجي" عام 2011، أكدت أن اللوزة الدماغية ليست فقط مرتبطة بإثارة مشاعر الخوف، بل تلعب دورا مركزيا في تفسير الإشارات الاجتماعية المتعلقة بالخطر، مثل ملاحظة تعبيرات الخوف على وجوه الآخرين.
الأشخاص المصابون بتلف في هذه المنطقة يعجزون عن تمييز الخوف في تعبيرات الآخرين، مما يضعهم في مواقف اجتماعية معقدة.
الأبحاث الإضافية، ومنها دراسة في "نيتشر نيوروساينس"، أوضحت أن تلف اللوزة يؤدي إلى قدرة متناقصة على تجنب المواقف الخطرة، مما يزيد من تعرض الأفراد المصابين للحوادث والمخاطر الحقيقية، رغم شعورهم الشخصي بالأمان الكامل.
ومن الناحية العصبية، عندما يشعر الشخص العادي بالخوف، يتم تنشيط مسارات معقدة تربط اللوزة الدماغية بمناطق أخرى مثل قشرة الفص الجبهي والجهاز العصبي الذاتي، مما يجهز الجسم للهرب أو الدفاع، وفي غياب هذه الدوائر، يفقد الدماغ القدرة على الاستجابة المناسبة، ويبدو العالم أقل تهديدا مما هو عليه في الحقيقة.
ورغم أن العيش بلا خوف قد يبدو وكأنه "قوة خارقة"، إلا أن الدراسات تحذر من أن هذا الخلل يجعل المصابين أكثر عرضة للمخاطر البيئية والاجتماعية، ويؤثر على قراراتهم بشكل سلبي.
وتكشف هذه المتلازمة عن مدى أهمية الخوف كآلية طبيعية لبقاء الإنسان، وتفتح الباب أمام فهم أعمق للاضطرابات النفسية مثل اضطرابات القلق واضطراب ما بعد الصدمة، إذ يمكن أن تساهم معرفة كيفية عمل اللوزة الدماغية في تطوير علاجات مستقبلية أكثر دقة لهذه الحالات.