لسان الدين بن الخطيب.. ذو الوزارتين
ابن الخطيب كان أديبا موسوعيا، وخاض مجالات عديدة في الإبداع من شعر ونظم وكتابة رسائل وموسيقى وطب وتصوف.
في القرن الهجري الثامن كانت غرناطة تعجّ بالشعراء والكتاب والأدباء، الذي أعادوا للأدب الأندلسي بريقه وشبابه، ولعل من أبرزهم الوزير لسان الدين بن الخطيب الذي كان عبقرية فذة.
كان ابن الخطيب أديبًا موسوعيًا، وخاض مجالات عديدة في الإبداع من شعر ونظم وترسل وموسيقى وطب وتصوف.
"ابن الخطيب" هو محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبدالله بن سعيد بن علي بن أحمد السلماني الخطيب، وأًطلق عليه لقب "ذي الوزارتين" لجمعه بين الوزارة والكتابة، كما لُقب بـ"لسان الدين".
وُلد ابن الخطيب بمدينة لوشة عام 1313 ميلادي، ونشأ في أسرة عرفت بالعلم والجاه، فكانت نشأته غنية في عائلة أرستقراطية، وقد تعلّم كثيرًا من العلوم، حيث درس القرآن والفقه والتفسير واللغة والرواية والطب، وقد قُتل والده -حينما كان سن ابن الخطيب 28 سنة- في إحدى المعارك التي كان فيها مترجمًا.
وارتبط "لسان الدين" بشيخه بن الجياب، رئيس ديوان الإنشاء النصري، وبعد وفاة الشيخ بوباء الطاعون، تولى بن الخطيب رئاسة ديوان الإنشاء، واكتسب ثقة السلطان أبي الحجاج يوسف بن إسماعيل، وأصبح كاتبه الخاص، وظل وزيرًا حتى بعد مقتل الحجاج، وتولي ابنه الملك الغني بالله محمد.
لم يكن ابن الخطيب وزيرًا فقط بل سفيرًا أيضًا، حيث بُعث سنة 1354 ميلاديًا سفيرًا إلى أبي الحسن المريني، وتم إرساله طالبًا النصرة ضد التحالف المسيحي المهدد لغرناطة، إلا أن الجاه الذي كان فيه ابن الخطيب لم يستمر بعد الاضطرابات الداخلية، ففي عام 1359 ميلادي استولى إسماعيل بن أبي الحجاج على الحكم، واعتقل كثيرا من الشخصيات العامة من بينهم ابن الخطيب.
إلى جانب السياسة، تمكن ابن الخطيب من تأليف عدة كتب كان أهمها: كتاب "الإحاطة في أخبار غرناطة" الذي يشكل موسوعة أندلسية في التاريخ والأدب، وفيها قال عن نفسه: "قرأتُ كتاب الله عز وجلّ، ولازمت قراءة العربية والفقه والتفسير، وقرأت على قاضي الجماعة الصدْر المتفنِّن أبي عبد الله ابن بكر رحمه الله، وتأدّبت بالشيخ الرئيس صاحب القلم الأعلى أبي الحسن ابن الجيّاب، وأخذتُ الطب والتعاليمَ وصناعة التعديل عن الإمام أبي زكريا بن هُذيل ولازمتُه".
كان ابن الخطيب مُعترفًا بفضل أساتذته عليه، كما كان له عدد من الطلاب الذين تتلمذوا على يديه.
بعد الانقلاب الذي حصل على إسماعيل بن أبي الحجاج شقيق الغني الله، بدأت محنة ابن الخطيب، حيث صودرت أملاكه وفقد مكانته، وانتقل بعدها إلى عاصمة بني مرين، والتقى فيها ابن خلدون، وكانت مكانتهما متساوية كل في بلده.
وفي سنواته الأخيرة ألف عدة كتب منها "نفاضة الجراب" و"اللمحة البدرية"، و"رقم الحلل في نظم الدول" الذي يناقش تاريخ الدول الإسلامية والخلفاء الأوائل وبني العباس، وبني أمية بالأندلس وملوك الطوائف والمرابطين والموحدين وبني مرين، ويوجد ذلك الكتاب الآن في خزانة القرويين بفاس، وبالخزانة الملكية بالرباط.
لم تكن نهاية ابن الخطيب جيدة، حيث اعتُقل في عهد الغني بالله الذي استعاد سلطته على غرناطة، وأصدر حكما بقتله عام 1374 ميلاديا، بسبب خصومته مع الغني بالله، حيث لم تعجب تحركاته السياسية الملك، إضافة إلى فتاوى بعض فقهاء فاس باتهامه بالإلحاد.