ابن رشد.. المؤمن بأن أكبر عدو للإسلام "جاهل يكفر الناس"
أحد أبرز أيقونات الفكر والفلسفة في العالم هو ابن رشد "الحفيد" الذي حُرقت كتبه ونُفي بعيدا عن موطنه في قرطبة، لماذا؟
"أكبر عدو للإسلام جاهل يكفّر الناس".. عبارة منسوبة لأحد أكبر فلاسفة وعلماء العالم الإسلامي، ابن رشد، الذي ذاق أذى ومرارة تلك العبارة، بعد ملاحقته بالاتهامات الباطلة بالتكفير في آخر سنوات عمره، مرغما على مغادرة مسقط رأسه قرطبه، وهو بكل قدره وعلمه.
كانت لنشأة "ابن رشد الحفيد" أثر كبير في تكوينه الفكري والإنساني، فهو حفيد "ابن رشد الجد" شيخ المالكية، وإمام جامع قرطبة، وقاضي الجماعة، ومن كبار مستشاري أمراء الدولة المرابطية، أما والده فهو أبو القاسم أحمد بن أبي الوليد فقيه في جامع قرطبة، وقاض، وله شرح على سنن النسائي، وتفسير للقرآن في أسفار.
هذا الزخم أثرى التكوين الأول لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد (الحفيد)، وبات واحدا من أشهر فلاسفة عصره، وأحد علامات النهضة الأندلسية.
ولد في مدينة قرطبة عام 1126م، وتتلمذ ابن رشد على يد الفقيه الحافظ أبي محمد بن رزق، وحفظ كتاب "الموطأ" للإمام مالك على يد أبيه، كما درس على أيدي عديد من الفقهاء، وفي الفلسفة تأثر ابن رشد بابن لجة، وكان صديقاً لابن طفيل.
على الرغم من ارتباط اسم "ابن رشد" الوثيق بالفلسفة، باعتباره أحد أبرز الفلاسفة المسلمين في التاريخ، إلا إن المطلع على سيرته يرصد اطلاعا واسعا منه على شتى العلوم منها الفلك والفيزياء والطب والفقه، ولم يكن اطلاعا فحسب إنما بلغ في الفلك مثلا إلى حد تطوير نظريات مثل "اتحاد الكون النموذجي" ورفض نظريات لعلماء غربيين بارزين مثل بطليموس، وقدم أوصافا دقيقة للقمر والبقع الشمسية.
كما كان له باع في الطب، ومؤلفات بارزة فيه منها "شرح أرجوزة ابن سينا"، إلا أن الفلسفة كانت المضمار الأبرز الذي أودع فيه ابن رشد حصادا ثريا في التاريخ.
صحح ابن رشد لعلماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا والفارابي فهمهم لبعض نظريات أفلاطون وأرسطو، وأقبل على تفسير آثار أرسطو، وكان دائم التمسك بعدم وجود تعارض بين الدين والفلسفة، عُرٍف ابن رشد في الغرب بتعليقاته وشروحه لفلسفة وكتابات أرسطو والتي لم تكن متاحة لأوروبا اللاتينية في العصور الوسطى المبكرة، وقد أسهمت شروح ابن رشد على ازدياد تأثير أرسطو في الغرب في العصور الوسطى، وكانت له مكانة رفيعة في الغرب وعرف لديهم باسم Averroes.
أثرت مدرسة ابن رشد في أوروبا وتحديدا في العصور الوسطى في الفلسفة، وهي المعروفة باسم "الرشدية" التي كان لها تأثير قوي على الفلاسفة وعلى الرغم من ردود الفعل السلبية من رجال الدين اليهودي والمسيحي إلا أن كتابات ابن رشد كانت تدرس في جامعة باريس وجامعات العصور الوسطى الأخرى، وظلت المدرسة الرشدية هي الفكر المهيمن في أوروبا حتى القرن الـ16 الميلادي.
ولابن رشد عدد كبير من المؤلفات والمقالات في الفقه والفلسفة، منها "تهافت التهافت" الذي كان رد ابن رشد على الغزالي في كتابه "تهافت الفلاسفة"، و"جوامع سياسة أفلاطون"، "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"، "الكشف عن مناهج الأدلّة في عقائد الملّة". وغيرها العشرات.
اعتلى ابن رشد منصب القضاء في إشبيلية، إلى جانب عكوفه على تفسيراته في الفلسفة وآثار أرسطو، وعُرف في نهاية حياته تعرضه لاتهامات بالكفر والإلحاد من جانب عدد من علماء الأندلس والمعارضون له آنذاك، انتهت بانصياع الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف لتلك الاتهامات، فأصدر قرارا بنفيه إلى مراكش، وسجل التاريخ أن المنصور حرق جميع مؤلفاته الفلسفية وحظر وقتها الاشتغال بالفلسفة والعلوم ما عدا الطب والفلك والرياضيات.
عاش ابن رشد ما تبقى من عمره في منفاه بمدينة مراكش التي توفي بها عام 1198، وبعد 3 أشهر نُقل جثمانه إلى مسقط رأسه في قرطبة.
aXA6IDE4LjExOC4yMjYuMTY3IA== جزيرة ام اند امز