الفارابي.. ساكن البساتين الذي فاضت سيرته علما وفلسفة
عالم إسلامي ضرب مثلا في خدمة العلم، قرر في عمر الـ50 مغادرة موطنه "فاراب" إلى زخم مجالس بغداد ودمشق وصار علامة يتقفاه طلبة العلم.
متشبثا بفضيلة الزهد عاش أبو نصر محمد الفارابي، العالم الإسلامي الجليل، حتى رحيله، زاهدا في قوته، نهما في تلقي العلم.
سخّر الفارابي حياته كمريد للعلم مهما تقدم به العمر، فقرر وهو في عمر الـ50 مغادرة موطنه الصغير "فاراب" بإقليم تركستان، إلى زخم مجالس بغداد ومصر ودمشق، حتى علا صيته وبات هو نفسه قبلة لأهل العلم.
على مدى 80 عاما ،هي سنوات عمره، جاب الفارابي فضاء العلم والفلسفة، فكان مولعا بالفيزياء وأدخل فيها مفهوم الفراغ، وحصر أنواع وأصناف العلوم في كتاب أطلق عليه اسم "إحصاء العلوم".
الأثر الذي تركه الفارابي في العلوم ظل مصدر إلهام كبير لعدد كبير من العلماء منهم ابن رشد وابن سينا، وهو أثر لا ينافسه فيه سوى ما تركه من إسهامات في مجال المنطق والفلسفة، حتى إنه لقب بـ"المعلم الثاني" نسبة للمعلم الأول أرسطو، حيث كان الفارابي مولعا بشرح مؤلفات أرسطو المنطقية.
تفيض سيرة الفارابي بالمواد التي سخر نفسه لتعلمها، في مهارة لا يقدر عليها سوى نابغة، فقد درس بشكل أولي في مدينته "فاراب" العلوم والرياضيات والآداب والفلسفة واللغات التركية والعربية والفارسية واليونانية، قبل أن يقرر الانطلاق إلى ما هو أبعد.
فتزوّد بتلك المواد واللغات كحجر أساس أراد أن يستكمل عليها بناءه الخاص، فرحل أولا إلى العراق وتحديدا "حران" حيث درس الطب والفلسفة والمنطق، وكانت له في بغداد جولات أخرى في دراسة المنطق والموسيقى، كل ذلك كان يتلقاه وهو يتجاوز الخمسين من العمر وبحماس شاب في مطلع عشرينياته.
كان لقاؤه في دمشق بسيف الدين الحمداني الذي كان معروفا بحبه للعلم والفن، علامة فارقة في مساره ، حيث رعى سيف الدولة الفارابي ليتفرغ للكتابة والتأليف، ورغم رغبة سيف الدولة في الإغداق على الفارابي إلا أنه كان يرفض أن يأخذ من المال سوى ما يسد جوعه، وكان ذلك تحديدا 4 دراهم في اليوم فقط.
كان معروفا بعزلته الاختيارية لتدبر الأمور، يقضي معظم أوقاته في البساتين وعلى شواطئ الأنهار، وكان تلاميذه يقصدونه هناك وقد عرفوا مواضع قدمه.
كانت من أشهر الروايات التي عُرفت عن الفارابي في تلك الفترة أنه قبل لقائه بسيف الدولة، كان يعمل ناطورًا لبستان بدمشق، وكان يسهر الليل على ضوء قنديل الحارس ليواصل قراءاته، حتى سمع عنه سيف الدولة فأكرمه وأغدق عليه.
وقيل إنه من كان من دعائه "اللهم ألبسني حلل البهاء وكرامات الأنبياء وسعادة الأغنياء وعلوم الحكماء وخشوع الأتقياء، اللَّهم أنقذني من عالم الشقاء والفناء واجعلني من إخوان الصفاء وأصحاب الوفاء وسكان السماء مع الصديقين والشهداء أنت الله الإله الذي لا إله إلا أنت علة الأشياء ونور الأرض والسماء".