لا توجد أمة من الأمم إلا ولديها ثروة ما: نفطية أو معدنية أو مائية أو غازية، فالقسمة عادلة بين الأمم والدول مثلما هي بين الأفراد.
ولكنّ الفيصل ليس في ثروات الأرض والطبيعة بل في الثروة المستدامة "البشر" الذين يعيشون فوق الأرض، والبشر أنفسهم في داخلهم أعظم ثروة في سجل الكون كله، وهي "العقل"، هذا الأصل العظيم والوتد الذي قامت وتقوم عليه كل منجزات الحضارة البشرية.
فالرهان الحقيقي على البشر وليس على الحجر والنفط والذهب، وقد قالها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات: "رهاننا الحقيقي أنتم يا أبنائي، وليس الـ3 ملايين برميل نفط يومياً، لأن الإنسان أساس أي عمل حقيقي لصنع التقدم".
والفقير ليس فقير المال أو الموارد الطبيعية بل فقير استثمار العقل، وكذلك الغني ليس غني المال أو الموارد بل الغني بقوة العقل وسلطان التفكير.
إنَّ وسام "آدم" عليه السلام وهو الأب الرمز للبشرية جمعاء كان في العقل، العقل الذي تعلم به آدم تسمية الأشياء، والعقل الذي من خلاله نستطيع تفعيل ميزة تفرد بها البشر وهي تسخير الكون كله بسمائه وأرضه ومنابع الإبداع فيه لصالح الإنسان. وكأن الكون مادة غير متمايزة وعجينة حرّة يصنع منها الإنسان ما يجعله يستعمر الأرض ويسيطر على مواردها ويكتشف مكامن القوة فيها ومصادر المعجزات الكامنة في الكون الذي يقوم كله بسعته الهائلة بدور الخادم لسيده الإنسان وخاتم السيادة في العقل، العقل الذي هو بمثابة نظام معلوماتي أعظم وبنيان فوقي برمجي لا يتعطل بغبار كوني، ولا يتضرر بخلل برمجي ولا يضلُّ طريقه ولا يُخيِّب رجاء طالب عطاءاته.
إنه أساس كل تنمية، كما قال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات: "استعادة العقول ليست إنجازاً بحد ذاتها بقدر ما هي مؤشر رئيسي للتنمية".
فالتنمية لا تقوم إلا على العقول العظيمة، والاستدامة لا تمنح كنوزها إلا بقيادة عقول تمتلك المهارات المتجددة. والريادة لا تكون من دون عقول مبدعة، واستشراف المستقبل لا يمكن أن يكون متاحاً من دون عقول كبيرة الرؤى وعظيمة المخيلة.
ولهذا فإن صناعة عقول قائدة وابتكارية وريادية لا تكون من دون منابع ومصادر للبناء، ومن دون حاضنات للعقول ومن دون منصات للتحليق، وهذا يتطلب همّة من الجميع واتفاقاً وتعاهداً من الجميع على إعادة "هندرة العقل"، من أجل بناء وتطوير وتحسين العقول القادرة على تحمل المسؤوليات ومواجهة التحديات والمتغيرات وقيادة التغيير والأفكار التحويلية البنّاءة، فالأسرة والمدرسة والجامعة والجامع وكل بيت للعلم أو العبادة أو التربية مسؤول عن تحقيق هذا المطلب الاستراتيجي، في خلق بيئات مثالية لتكوين عقول قيادية ابتكارية واستراتيجية ومنحها فرصة تولي نقاط الحراك الإداري والعلمي والمهني في مسارات تحليق الصقر الإماراتي بعيداً في المستقبل.
وخلاصة القول: قد يكون كل البشر والمجتمعات والدول شركاء في استهلاك المستقبل، ولكنهم ليسوا جميعاً شركاء في إنتاج المستقبل.
إنّ إنتاج المستقبل وتمكين الأوطان وتحقيق القوة وحماية استدامة الازدهار والتنمية والتميز لا يكون إلا بالعقل، وتحقق تأسيس البنية الفوقية "العقل" هو ضمان أقصى فاعلية للبنية التحتية، فإذا كانت البنية التحتية العمرانية والرقمية والتكنولوجية دليل المعاصرة والتقدم والازدهار، فإن البنية الفوقية هي دليل امتلاك سرِّ التنمية والاستدامة والمستقبل.
والتنافس العالمي كله يقوم على البشر، على الأفراد، على استقطاب المواهب والعباقرة وأصحاب المهارات الخلاقة، والكفاءات المتفردة، فالرهان إذاً على البشر كما أعلن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، و"العقول التي تملأها شعلة التنافس لا تشيب" كما وصفها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات.
إنهم قادة غير عاديين، قادة استثنائيون ينسجون مستقبل الإمارات العربية المتحدة برؤية استشرافية حضارية خلاقة، يستنهضون الهمم، يُعلون من مقام العقل، ويؤمنون بالشباب شركاء في صياغة المستقبل المشرق واستلام راية المجد، وشعلة النماء والانتماء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة