اليونان لم تكن أوروبية.. الصخور تكشف جذورا شرق أوسطية (خاص)
كشفت دراسة جيولوجية حديثة أن أجزاء من اليونان الحالية لم تنشأ أصلًا ضمن الكتلة القارية الأوروبية.
وأرجعت الدراسة التي أعدها باحثون من معهد علوم الأرض بجامعة غوته بألمانيا، والمنشورة بدورية "بريكامبريان ريسيرتش"، تلك الأجزاء إلى جذور جيولوجية تنتمي إلى مناطق كانت تقع على هامش شرق قارة غوندوانا القديمة، بالقرب مما يُعرف اليوم بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وأوضح الباحثون أن صخور القاعدة العميقة المكتشفة حديثًا في منطقة الهيلينيدات الخارجية بجنوب اليونان، وتحديدا في شبه جزيرة البيلوبونيز وجزيرة كريت، تعود إلى ما قبل أكثر من 500 مليون عام. وتتكون هذه القاعدة من صخور متحولة مثل الشيست الميكاوي والكوارتزيت و"الميتا-غرايواكي"، اخترقتها صخور غرانيتية تشكلت خلال العصر الكامبري قبل نحو 524 مليون سنة.
بصمة شرق أوسطية في بلورات الزركون
واعتمدت الدراسة التي حصلت العين الإخبارية على نسخة منها، على تحليل أعمار بلورات الزركون الدقيقة داخل الصخور باستخدام تقنية التأريخ الإشعاعي(U–Pb)، وهي بمثابة "سجلات زمنية" تحتفظ بتاريخ تشكل القارات. وأظهرت النتائج أن أطياف أعمار هذه البلورات تتركز حول فترتين رئيسيتين: نحو 600 مليون سنة ونحو مليار سنة، وهي بصمات عمرية معروفة في رواسب كامبرية منتشرة في الأردن وإسرائيل وليبيا، وكذلك في أقاليم جيولوجية ذات أصل شرقي-غوندواني.
وأشار الباحثون إلى أن الوفرة اللافتة لبلورات الزركون التي تعود إلى عمر مليار سنة تدل على أن مصدر هذه الرواسب كان قاعدة صخرية أقدم تعود إلى العصر الطوني، تقع عند الحافة الشمالية لما يُعرف بـدرع العرب–النوبة وسهوب الصحراء الكبرى، وهي مناطق يغطيها اليوم غطاء صخري أحدث عمرا.
رحلة جيولوجية من غوندوانا إلى أوروبا
وتقترح الدراسة أن هذه الكتل الصخرية تشكلت في الأصل ضمن قوس بركاني كادومي على الحافة الشمالية لشرق غوندوانا، قبل أن تنفصل عنه في بدايات العصر الباليوزوي، وتبدأ رحلة طويلة عبر المحيطات، لتنتهي بالتحامها لاحقا مع أوروبا خلال الحركات التكتونية الكبرى التي أعادت تشكيل القارات.
ولا تقتصر هذه القصة على اليونان وحدها، إذ رُصدت أقاليم جيولوجية مشابهة ذات أصل شرقي-غوندواني في تركيا وصقلية وسردينيا وشمال غرب شبه الجزيرة الإيبيرية، ما يعكس تايخا مهقدا لتكون حوض البحر المتوسط وأطراف أوروبا الجنوبية.

إعادة رسم خريطة الماضي السحيق
ويؤكد الباحثون أن هذه النتائج تسهم في سد فجوات كبيرة في فهم الجغرافيا القديمة للأرض خلال الفترات السحيقة التي يصعب إعادة بنائها بسبب ندرة الأدلة. كما تُظهر كيف يمكن لحبيبات معدنية مجهرية أن تعيد كتابة تاريخ قارات بأكملها.
وتخلص الدراسة إلى أن اليونان، قبل أن تصبح جزءا من أوروبا كما نعرفها اليوم، كانت تحمل في صخورها ذاكرة جيولوجية مرتبطة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في تذكير بأن حدود القارات الحالية ليست سوى لقطة عابرة في تاريخ طويل من التغير والحركة.