خبير دولي: الهيدروجين سيوفر 25% من احتياجات الطاقة بحلول 2050 (مقابلة)
د.علي شقنان: الهيدروجين الأخضر سيلعب دورا رئيسيا في انتقال الطاقة
الهيدروجين أفضل حل يمكن أن يكون بديلاً للوقود الأحفوري في عدة تطبيقات، ويمكن أن يوفر نحو 25% من احتياجات الطاقة بحلول عام 2050.
أكد الدكتور علي شقنان، أستاذ فيزياء الموارد والهيدروجين الأخضر بجامعة الأغواط الجزائرية، والخبير الدولي في مجال الطاقات المتجددة والانتقال الطاقوي، أن الهيدروجين الأخضر سيكون له دور محوري ورئيسي في عملية الانتقال الأمن، والتحول إلى الطاقة الجديدة والمتجددة، ليصبح بديلا استراتيجيا للطاقة الأحفورية، مبينا أنه على الرغم من مساهمته بنسب قليلة لا تتعدى 4% من إنتاج الطاقة عالميا، فإنه سيكون قادرا في توفير ما يعادل 25% من احتياجات الطاقة عام 2050.
وقال شقنان إن دولة الجزائر تمتلك مؤهلات وإمكانيات استراتيجية مؤهلة لأن تصبح لاعبا إقليميا رئيسيا في عملية تطوير طاقة الهيدروجين الأخضر، ولديها خريطة طريق استراتيجية ووطنية لتطوير الهيدروجين الأخضر عبر ثلاث مراحل تنتهي عام 2050.
وإلى نص الحوار:
** إلى أي مدى يسهم إنتاج الطاقة الأحفورية في الانبعاثات الكربونية وتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية؟
استخدامنا للطاقة له تأثير سلبي على بيئتنا، فعلى مدار المئتي عام الماضية اخترنا استخدام الطاقات غير المتجددة، خاصة الوقود الأحفوري، مثل النفط والفحم والغاز الطبيعي، وهو ما أدى إلى تضخيم وتسريع ظاهرة الاحتباس الحراري، ولعقود من الزمن ركز العديد من الخبراء على أسباب تغير المناخ وعواقبه، كان هذا السؤال في قلب مؤتمر المناخ في باريس عام 2015، والحقيقة أن كل دول العالم سوف يكون لزاماً عليها أن تحدد التزاماتها فيما يتصل بالحد من الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي، بهدف أساسي يتلخص في الحد من متوسط الزيادة في درجات الحرارة العالمية، حيث لا يتجاوز درجتين مئويتين.
الدول الخمس الكبار في الانبعاثات
** ومن المسؤول عن وصولنا إلى هذا الحد؟
بالطبع الإنسان مسؤول عن 95% من ظاهرة الاحتباس الحراري المناخية، وهذا باتفاق علماء وخبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وقد أكدوا أن درجات الحرارة قد ترتفع بمقدار 0.3 درجة مئوية إلى 4.8 درجة مئوية بين عامي 2081 و2100، السبب الرئيسي تركيز ثاني أكسيد الكربون المتزايد في الغلاف الجوي، فقد تضاعفت تلك الانبعاثات خلال الفترة من 1950 و1990 أربعة مرات لتصل إلى أكثر من 22 مليار طن سنويا.
وفي عام 2021 تجاوز 35 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون، والأكثر جنونا أن دولة الصين بمفردها مسؤولة عن 11.4 مليار طن من هذ التلوث، أي ما يعادل ثُلث الملوثات التي ينتجها العالم، تليها الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 5 مليارات طن، ثم الهند بنحو 2.7 مليار طن، وروسيا 1.7 مليار طن، واليابان بنحو مليار طن، ما يعني أن الخمس دول الكُبرى في العالم مسؤولة عن 62.3% من ملوثات الكربون في العالم.
** هل تلك الدول تسعى بشكل كبير للقضاء على أسباب الانبعاث الحراري باللجوء إلى الطاقة الجديدة والمتجددة؟
هذا صحيح.. فعلي الرغم من تقديرات وكالة الطاقة الدولية أن الصين ستكون مسؤولة عن 45% من الانبعاثات الناجمة عن الوقود الأحفوري بين عامي 2023 و2050، نراها اليوم تهتم بشكل كبير بالتحول إلي الطاقة الجديدة والمتجددة، يكفي أن محطات الطاقة الشمسية اليوم تمثل ضعف تلك الموجودة في الولايات المتحدة، كما أنها أصبحت دولة رائدة في مجال طاقة الرياح البحرية، وبقدرة تركيبية وتشغيلية بلغت 30.89 مليون كيلوواط، أو نحو 10% من إجمالي مزرعة الرياح التي لديها.
وفي عام 2023 كان إنتاجها من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية بلغ نحو 423 تيراواط/ساعة سنويا، وهو ما يعادل إجمالي استهلاك فرنسا، ونفس الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية، الطاقات المتجددة تسهم بنحو 20% من إجمالي إنتاج الكهرباء في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه النسبة في تزايد مستمر، أما الهند فتحتل المرتبة الثالثة عالميًا في إجمالي إضافات قدرات الطاقة المتجددة بواقع 15.4 غيغاواط عام 2021، بعد الصين 136 غيغاواط، والولايات المتحدة 43 غيغاواط، ويكفي أن أكبر مجمع للطاقة المتجددة في العالم بقدرة 30 غيغاواط، وهو مشروع هجين بين الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يجري تركيبه في ولاية غوجارات الهندية.
** هل تعتقد إمكانية أن يحل الهيدروجين الأخضر موقعه في قائمة الطاقة المتجددة؟
رغم الفوائد البيئية الكبيرة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، إلا أنه يمثل 4% من إنتاج الطاقة عالميا، وترتبط النسبة المنخفضة بشكل مباشر بارتفاع تكلفة إنتاج الهيدروجين باستخدام الطاقة المتجددة مقارنة بالعمليات الأخرى التي تستخدم الوقود الأحفوري، فعلى سبيل المثال تبلغ تكلفة 1 كيلوغرام من الهيدروجين الأخضر ما يصل إلى 23 دولارا تقريبا، في حين أن تكلفة الهيدروجين الناتج عن الوقود الأحفوري أقل من 2 دولار، ومع ذلك من المتوقع أن تنخفض تكلفة كيلوغرام واحد من الهيدروجين الأخضر بمجرد حدوث تقدم كبير في قطاع الطاقة المتجددة، ورغم ذلك يرى الكثير من الباحثين أن الهيدروجين هو أفضل بديل يمكن أن يكون بديلاً للوقود الأحفوري في عدة تطبيقات، ومع ذلك فإنه يحتاج إلى بحث أعمق وأوسع للوصول إلى المساهمة المحتملة للهيدروجين كحامل للطاقة.
مشروع القرن للطاقة الأفريقية
** مؤخرا أعلنت الجزائر عن خطط الاعتماد على الغاز والهيدروجين الأخضر في الانتقال إلى الطاقة النظيفة، فما الخطة الجزائرية التي ستنتهجها؟
الجزائر تمتلك الكثير من المؤهلات لتكون لاعبة إقليمية رئيسية في تطوير الهيدروجين، خاصة الأخضر، من بين هذه المؤهلات الموقع الجغرافي والصحراء الشاسعة كأحد أكبر المكونات في العالم في الطاقة الشمسية، والقرب من الأسواق الأوروبية، وشبكات النقل والبنية التحتية لنقل الغاز الطبيعي، ما شكل مزايا نسبية لإنتاج الهيدروجين الأخضر وبتكاليف تنافسية للغاية.
وقد وضعت الجزائر خريطة طريق تمثل استراتيجية وطنية لتطوير الهيدروجين التي تمر بثلاث مراحل رئيسية، الأولى تمتد من 2023 إلى 2030، وهي فترة تجريبية بمشاريع قصيرة المدى، والثانية من 2030-2040، وهي فترة تمهيدية لخلق جو مواتي وبناء ميكانيزمات مواتية من أجل إنشاء الأسواق في شعبة الهيدروجين الأخضر، والثالثة من 2040 إلى 2050، وهذه المرحلة تعد المرحلة الحاسمة، ونجاحها يتوقف على مدى نجاح المرحلتين السابقتين، وتمثل بوابة نحو دخول الأسواق بصفة حقيقية عبر المنافسة من خلال التصنيع والنقل والتصدير.
- فقدان منزل بملايين الدولارات.. ظاهرة «التآكل الساحلي» تطارد المليارديرات
- هل تتآكل صادرات أمريكا من الغاز المسال عالمياً؟.. تهديد يأتي من المناخ
** لدى الجزائر مخطط كبير بالتعاون مع دول أفريقيا في مجال تصدير الغاز الطبيعي المسال.. فهل يمكن لهذا المشروع أن يمثل حلقة من حلقات الاعتماد على الطاقة النظيفة؟
هذا صحيح، فهذا المشروع الحيوي والاستراتيجي والهام في نفس الوقت، أعتبره مشروع القرن الطاقوي بالنسبة للقارة الأفريقية عموما، ونيجيريا والنيجر والجزائر بشكل خاص، وسيكون له دور هام جدا في تعزيز إمدادات الغاز في السوق العالمية، وله أبعاد اقتصادية، واجتماعية، وبيئية، والمشروع سيمتد على طول 4000 كيلومتر من نيجيريا ليلتقي بخطوط أنابيب الغاز الجزائرية للتصدير عبر النيجر، وقد شهد المشروع تقدما ملحوظا في إنجازه، ولم يبق منه إلا 1800 كيلومتر، بينهم 100 كيلومتر في نيجيريا، و1000 كيلومتر في النيجر، و700 كيلومتر في الجزائر.
وتحتل الجزائر المرتبة الأولى في أفريقيا كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال لأول مرة منذ عام 2010، وبلغ إجمالي صادرات الجزائر من الغاز الطبيعي المسال خلال عام 2023 قرابة 13 مليون طن.
دور الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة العالمي
** اتفاق الإمارات يمكن أن يلعب دورا في تيسير التحول في مجال الطاقة.. فكيف يتم ذلك مع ضمان أمن الطاقة العالمي ومكافحة الاحتباس الحراري؟
انبعاثات الغازات الدفيئة من الغاز الطبيعي أقل كثيرا من النفط وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى، وله بصمة كربونية أقل، ويبلغ متوسط عامل انبعاث ثاني أكسيد الكربون للغاز الطبيعي 2.2 طن لكل طن من الطاقة الأولية المستهلكة، وهو أقل بنحو 20% من عامل انبعاث النفط و43% أقل من عامل انبعاث الفحم.
وتشير جميع سيناريوهات الطاقة الرئيسية التي تتنبأ بشكل جدي بتحقيق أهداف التنمية المستدامة إلى الدور الأساسي للغاز الطبيعي في مزيج الطاقة العالمي، فهو أنظف مصدر هيدروكربوني، يمكن أن يلعب دورا أساسيا في دعم الانتقال الطاقوي بصفة متزنة، وخطوة مهمة تسمح للاقتصادات بالانتقال بين نموذج يعتمد على الوقود الأحفوري إلى نموذج يعتمد على مصادر الطاقة المتجددة.
ومن أجل تعزيز مكانة الغاز الطبيعي باعتباره الخيار الأكثر واقعية في الانتقال الطاقوي، تمر صناعة الغاز الدولية في منتصف مرحلة إزالة الكربون، لا سيما من خلال إدخال تقنيات جديدة لاحتجاز الغاز، واستخدام وعزل ثاني أكسيد الكربون وإنتاج الهيدروجين من الغاز الطبيعي، بهدف جعل هذه الصناعة أكثر مراعاة للبيئة عبر سلسلة قيمة التوريد.
بجانب المرونة التقنية لمحطات الطاقة التي تعمل بالغاز وقدرتها على الاستجابة بسرعة للتغيرات الكبيرة في إنتاج الطاقة المتجددة، يضاف إلى كل هذا وجود وفرة وتنوع مراكز الإنتاج وطرق الإمداد، فمن بين جميع مصادر الطاقة التقليدية، يعد الغاز الطبيعي الأكثر كفاءة -حيث تصل كفاءته إلى 60%- عند احتراقه، ويعتبر حليفا للطاقات المتجددة، لذا هناك ارتفاع في الطلب العالمي على الغاز الطبيعي بنسبة 25% منذ 2010.
** وهل بالفعل سيكون للطاقة النظيفة وعلى الأخص الهيدروجين الأخضر دور فعال في "الانتقال الطاقوي السلس"؟
عملية الانتقال الطاقوي هي ديناميكية معقدة، تتضمن العمل على السلوك والاستخدامات، والتطوير المحموم لكفاءة استخدام الطاقة، واستبدال الطاقات غير المتجددة بالطاقة من مصادر متجددة، والتي سيكون تحويلها أقل تأثيرًا ممكنًا على البيئة، والأكثر أفضلية لتنمية الاقتصاد المحلي، وتخضع الطاقات الخضراء الناتجة عن الرياح أو الخلايا الكهروضوئية للتقطع، فعندما لا يكون هناك المزيد من الرياح أو الشمس يكون إنتاج الكهرباء صعبا، وعلى العكس من ذلك عندما يكون هناك كميات كبيرة جدا منتجة من الكهرباء، فإنه يسبب فائضا في الطاقة في الشبكة، وإذا لم تجد الكهرباء المنتجة مشتريا فإنها تضيع، ما يعني أن الحل يتمثل في الهيدروجين الأخضر، حيث يمكن تحويل هذه الكمية الزائدة إلى هيدروجين يمكن استخدامه عند الحاجة، أي أنه سيمكن إقامة صلة وثيقة بين الهيدروجين الأخضر والطاقات المتجددة المتقطعة، خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
** هل معنى هذا أن الهيدروجين الأخضر يمكن أن يمثل جميع المتطلبات التي سنحتاجها للاستجابة لتحديات ومشاكل الانتقال الطاقوي التدريجي؟
بالطبع، باعتباره ناقلا طاقويا نظيفا يتمتع بإمكانات هائلة، واستخدامات متعددة، والأهم أن الهيدروجين الأخضر سيلعب دورا رئيسيا في الانتقال الطاقوي، من المقرر أن يلعب الهيدروجين الأخضر دورا رائدا في الانتقال الطاقوي، ومن المتوقع أن يزداد الطلب العالمي على الهيدروجين الأخضر وتطبيقاته بشكل كبير خلال العشرين عاما القادمة، ما يعني أنه كمصدر للطاقة المتجددة سيلعب دورا مهما في عملية تحول الطاقة، خاصة أن الوقود يُعد مجرد أحد استخدامات الهيدروجين الأخضر، بينما يمكن استخدامه أيضا للأغراض الصناعية والمنزلية.
** هل تعتقد أن الهيدروجين الأخضر يمكن أن يكون طوق النجاة لإنقاذ البشرية من التغيرات المناخية المدمرة؟
بل يمكن أن يوفر الهيدروجين الأخضر ما يصل إلى 25% من احتياجات الطاقة في العالم بحلول عام 2050، وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أنه مع انخفاض تكاليف إنتاج طاقة الشمس والرياح سيزداد الإقبال على الهيدروجين الأخضر الذي سينخفض سعره بطبيعة الحال، والأكثر أن مجلة العلوم الأمريكية نفسها أكدت أن شركات كثيرة تتسابق في الوقت الراهن من أجل تطوير آلات بإمكانها إنتاج الهيدروجين الأخضر بالتكلفة ذاتها التي يُنتَج بها الهيدروجين الرمادي والأزرق، وهو الهدف الذي يُتوقع تحقيقه في غضون السنوات العشر القادمة.
سيناريوهات مزيج الطاقة
** كيف ترى الآليات التي يجب أن ينتهجها الشرق الأوسط من أجل الحد من انبعاثات الكربون والتصدي للتغيرات المناخية؟
سيناريوهات الوكالة الدولية للطاقة أعتقد أنها الجواب الكافي على هذا السؤال، حيث تعتمد التطورات من الآن وحتى عام 2040 على عوامل كثيرة، بما في ذلك الدور المتنامي للكهرباء في النقل، فضلاً عن السياسات الجريئة إلى حد ما لاحتواء ظاهرة الاحتباس الحراري، من خلال توفير الطاقة، وكفاءة الطاقة، والطاقات الجديدة.
وقد وضعت وكالة الطاقة الدولية (IEA) سيناريوهات مختلفة لعام 2040 اعتمادا على كثافة هذه الجهود، وهناك بالفعل ثلاثة ثوابت رئيسية، أولها عالم "كهربائي" للغاية، حيث إنه من المتوقع أن يرتفع إنتاج الكهرباء بنحو 50% في جميع السيناريوهات، وثانيها طفرة في مصادر الطاقة المتجددة، ومن المتوقع أن ترتفع حصة الكهرباء المتجددة إلى 29% في السيناريو المتوسط، وحتى إلى 46% في السيناريو الأكثر جرأة، وأخيرا انخفاض في إنتاج الكهرباء بالفحم، حيث ستنخفض حصتها من 38% إلى 25%، أو حتى 4% في السيناريو الأكثر جرأة، وستبقى حصة الغاز الطبيعي عند نحو 20%.
ولتحقيق السيناريو الأكثر اقتصادا من حيث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، الذي من الممكن أن يقلل أيضا من حصة الغاز، فلا بد من تطوير الطاقة النووية بشكل كبير، ولا بد من تنفيذ سياسات طموحة لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه.
aXA6IDMuMTcuMTU1LjE0MiA=
جزيرة ام اند امز