في العام 1967 تأسست رابطة دول الآسيان؛ بهدف تسريع النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لعشر من دول جنوب شرقي آسيا وهي دون شك أحد أهم التجمعات الاقتصادية في العالم.
وفي العام 1986، قرر المجلس الوزاري الخاص بدول مجلس التعاون الخليجي في دورته الثامنة عشرة، الموافقة على إجراء (اتصالات أولية) مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان).
إن الخليج ودول الآسيان منطقتان جغرافيتان مؤثرتان في العالم كله؛ ذلك أن دول مجلس التعاون لها أهمية استراتيجية كبرى وهي من ممرات حركة التجارة الدولية وفيها ثلث نفط العالم.
أما رابطة الآسيان ففيها أسواق تمتد إلى أكثر من مليارين ونصف مليار من سكان العالم، وبالتالي فإنه من الأهمية بمكان وضع الأطر للعلاقة المستقبلية بين القوتين، وسط المتغيرات الجيوسياسية التي تؤثر على قوانين التنافس بين القوى الاقتصادية الكبرى في العالم، وهو ما تعيه دول الخليج، التي تسعى للتكيف مع المتغيرات الاقتصادية في عالمنا المليء بالمنافسات الاقتصادية.
وفي الفترة الماضية، عقدت القمة الأولى بين دول المجلس وتلك الرابطة نتيجة لجهود حثيثة قادتها السعودية بهدف انفتاح دول مجلس التعاون على التكتلات الفاعلة في المجتمع الدولي. وفي زمننا هذا أصبح من نافلة القول إن التكتلات الاقتصادية أو حتى أي تكتلات فاعلة قد يكون لها تأثير في المجتمع الدولي.
ومن تلك التكتلات، هذه القمة التاريخية الأولى من نوعها بين قادة دول الخليج و(رابطة الآسيان)، حيث ينطلق العمل هنا من استراتيجية تبني شراكة بين رابطة الآسيان والدول الخليجية التي تبقى هي المصدر الآمن والموثوق للطاقة في الشرق الأوسط، وكذلك لا يخفى التنافس الإقليمي من قبل الدول العظمى؛ للظفر بما تستطيع من اقتصاديات منطقة جنوب شرقي آسيا.
في نظرة اقتصادية فاحصة، فإن الرؤى الطموحة المشتركة بين دول الآسيان والخليج تنطلق من تصور مستقبل أفضل يكون فيه الازدهار والتقدم لهذه الدول هو أساس العلاقة، إلى جانب الاهتمام بمختلف المجالات السياسية والاستثمارية والمنافع المتبادلة.
وتنطلق دول الخليج في هذا الشأن من تعزيز خياراتها الاقتصادية والسياسية مع تكتلات لم تكن تحظى بذلك الاهتمام من قبل دول مجلس التعاون لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن؛ لكن تبقى التغيرات الجيوسياسية التي تفتك بالعالم الآن وترسم حدودا جديدة سببا ولا شك في هذا التوجه، فضلا عن أن مجموعة الآسيان تثبت كل يوم نجاحا جديدا في القدرة على التعافي السريع مما حل بالعالم من أزمات اقتصادية، فيما كان للاستثمارات الخليجية التي دخلت جنوب شرق آسيا السبب الرئيسي في ذلك التعافي.
لابد من الإشارة هنا إلى موضوع الطاقة؛ ذلك أن دول الآسيان تطمح هي أيضا إلى البحث عن سبل تطوير مصادر وتقنيات الطاقة الخضراء المتجددة ومتطلبات الاستدامة والطاقة النظيفة وكذلك إمدادات البتروكيماويات؛ لذلك اعتمدت في القمة خارطة طريق تعتمد على خطة مشتركة بين الطرفين؛ حيث إن مجموعة الآسيان تكتل محلي يبلغ إنتاجه قرابة الـ5 تريليونات وليست منطقة الشرق الأوسط مجتمعة ببعيدة منه في حجم الإنتاج هذا.
وبالتالي، فان سبل الشركة بينهما ستنعكس حتما على الاقتصاديات العالمية، واليوم يبلغ حجم التجارة الخليجية مع دول الآسيان ما يوازي 8% من حجم التجارة في دول الخليج.
أخيرا، يجب التوقف عند ثلاث نقاط استوقفتني عند نهاية متابعتي لهذه القمة:
أولا: الترحيب الكبير في بيان القمة بدعمها وتأكيدها على أنه خلال الأسابيع المقبلة ستستضيف دولة الإمارات الدورة الـ28 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 28) وهو أمر رحبت به هذه القمة الخليجية مع دول رابطة جنوب شرق آسيا (الآسيان) ترحيبا استثنائيا.
ثانيا: هذه القمة هي ولا شك مسار جديد في مسارات الاقتصاد العالمي إلى جانب ملفات السياسة والأمن والاقتصاد والاستثمار والسياحة والطاقة والأمن الغذائي وحتى الثقافة والفنون؛ فدول رابطة الآسيان أصبحت اليوم ترى في دول الخليج قوة عظمى موازية لها يمكن الاستفادة من إمكاناتها الاقتصادية.
ثالثا: خرجت الأبواق الإخوانية اللعينة خلال الساعات القليلة الماضية، زاعمة أن القمة عقدت دون اعتبار لما يجري من مجازر في فلسطين، متناسين أن الكلمة الافتتاحية لسمو ولي العهد السعودي، وكذلك البيان الختامي للقمة تناول في بيان خاص ومستقل، الحرب الدائرة في غزة والألم الذي تشعر به الأمة بسبب العنف المتصاعد الذي يدفع ثمنه الأبرياء، وضرورة الوصول لحل عادل لإقامة دولة فلسطينية وفق حدود العام 1967.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة