توافد على الصين في شهر يناير 2022 عدد من كبار المسؤولين الخليجيين.
من بين هؤلاء وزراء خارجية السعودية والكويت وعُمان والبحرين، بالإضافة إلى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي.
هذا الأمر يمكن توصيفه كتعبير سياسي عن عُمق العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، ونمو المصالح المشتركة بينهما، والتي بلغت حداً دفع الطرفين إلى البحث في تقنينها في شكلِ اتفاقيات "شراكة استراتيجية".
الصين هي أكبر مستورد للنفط في العالم، وتمثل منطقة الخليج العربي بالنسبة لها أهمية استراتيجية، باعتبارها مصدرا رئيسيا لواردتها من النفط والغاز والبتروكيماويات.
وعلى سبيل المثال، فإن الصين تستورد 32% من احتياجاتها النفطية من دول مجلس التعاون، ما دفعها إلى الاهتمام بحرية الملاحة في الممرات البحرية في المنطقة، واستقرار الأوضاع الأمنية فيها.
يزداد هذا الاهتمام الصيني في سياق مبادرة "الحزام والطريق"، التي أعلنها الرئيس الصيني عام 2013، حيث تمثل مواني الخليج العربي نقاط ارتكاز هامة للسفن الصينية المتجهة إلى أوروبا وأفريقيا، وتم بالفعل تطوير التعاون بين الصين وكُل من الإمارات وسلطنة عُمان والكويت في هذا الشأن.
ارتبط بذلك نمو العلاقات التجارية بين الطرفين بشكل مطرد، ووصل في 2019 إلى 180 مليار دولار، أي 11% من إجمالي التجارة الخارجية لدول مجلس التعاون.
وفي 2020، أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لدول الخليج العربي، فيما أصبحت الإمارات أكبر شريك تجاري غير نفطي للصين مع الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، إذ وقعت معها في 2021 اتفاقية "الشراكة الاستراتيجية لأجل الإنسانية"، والتي تهدف إلى تطوير البحوث البيولوجية، خصوصاً في مجال تصنيع اللقاحات.
تطورت أيضا الاستثمارات العربية في الصين، والتي كان من أبرزها توقيع السعودية اتفاقية في 2019 لبناء مجمع لتكرير النفط وإنتاج المواد البتروكيماوية في الصين بقيمة 10 مليارات دولار، وفتحت هذه الاتفاقية الباب لعشرات التعاقدات والاستثمارات الأُخرى.. في المقابل، ففي العام نفسه زادت الاستثمارات الصينية في السعودية بنسبة 100%.
وزاد حجم الاستثمارات الصينية في الدول الخليجية وتنوعت بين مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة والنقل والذكاء الاصطناعي والاتصالات.
وتطورت أيضاً العلاقات الاجتماعية والثقافية، فحرصت الصين على أن يكون مبعوثوها الدبلوماسيون في دول المنطقة من الناطقين باللغة العربية، وشاركت بفاعلية في معرض "إكسبو دبي" لتعريف شعب دولة الإمارات وزوار المعرض بالثقافة الصينية، كما قررت السعودية تدريس اللغة الصينية في مدارسها وزاد عدد الطلاب الخليجيين بالجامعات الصينية.
ولقد أصبح الحضور الاقتصادي الصيني في الخليج العربي حقيقة قائمة تزداد قوة ورسوخاً عاماً بعد عام.. والأرجح أن دور الصين السياسي سوف يزداد، وهو ما ظهر في البيان المشترك في أعقاب المباحثات بين الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي ووزير خارجية الصين في 11 يناير 2022.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة