الانقسام هو سيد الموقف في العراق.
فرغم مرور أشهر على الانتخابات البرلمانية المبكرة، فلا مؤشرات ملموسة توحي بحل قريب للخلافات التي تعيق تشكيل حكومة جديدة تقود البلاد في المرحلة المقبلة.
فقد أظهرت نتائج هذه الانتخابات حقيقة الأحزاب الخاسرة، إذ فور إعلان نتائج الانتخابات أعلنت القوى الخاسرة عن رفضها هذه النتائج، وأوعزت لتابعيها بالنزول إلى الشارع واقتحام المنطقة الخضراء، كما طعنت في النتائج، وطالبت بالفرز اليدوي للأصوات.. وعندما فشلت في كل ما سبق، حاولت تعطيل الجلسة الأولى للبرلمان، بل ذهبت بعيدا في إيجاد تفسير جديد للدستور، عندما أصرت على أنها تمثل "الكتلة الأكبر" في البرلمان رغم خسارتها الواضحة في الانتخابات.
حتى الآن يبدو المشهد العراقي أمام رؤيتين لتشكيل الحكومة المقبلة:
الأولى ينادي بها زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، والذي يطالب بحكومة "أغلبية وطنية"، وتقوم رؤيته على تفكيك المليشيات المسلحة، ونزع أسلحتها، ودعم مؤسسات الدولة في الإدارة والقرار ومحاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين، والأهم حكومة بعيدة عن المحاصصة الطائفية، إذ إنه يعتقد أن مثل هذه الحكومات هي أشبه بشركة قائمة على الحصص، الجميع فيها خارج المحاسبة، فالكل يحمي الكل، فيما حكومة الأغلبية ستكون مسؤولة أمام المؤسسات القانونية والدستورية، لا سيما في ظل وجود أحزاب معارضة في البرلمان.
أما الرؤية الثانية، يقودها الخاسرون في الانتخابات، وهي رؤية تقوم على "المحاصصة السياسية والطائفية والعرقية"، والتي قوّضت خلال السنوات الماضية مؤسسات الدولة، وأوصلت البلاد إلى أوضاع صعبة للغاية، كما رهنت العراق لأجندة إيران ونفوذها وأذرعها، وهي أمام خشيتها من فقدان السلطة -بعد خسارتها الانتخابات- تسعى بكل الطرق لوضع العقبات أمام العملية السياسية، شاهرةً خطابها "الطائفي والتحريضي"، مطالبة بـ"حكومة توافقية" كمدخل للبقاء في السلطة، والأخطر هنا أنها تطالب بالدخول في الحكومة ككتلة واحدة، فيما يرفض "الصدر" هذا المنطق، ولا سيما محاولات نوري المالكي للوصول إلى رئاسة الحكومة.
الانقسام بين أصحاب الرؤيتين أدى إلى تعميق الشرخ داخل الأحزاب الخاسرة، فهذه الأحزاب فشلت في فرض رؤيتها أمام تمسك "الصدر" بمواقفه، كما أنها تعاني فيما بينها تضارب المصالح وفقدان رؤية موحدة، والأهم أنها تفتقد إلى حاضنتها الشعبية، لا سيما في ظل رفضها الاحتكام إلى الدستور عند الاختلاف، لتذهب إلى رفع خطاب المظلومية وادعاء تزوير الانتخابات.
أمام هذا الانقسام المعيق لتشكيل حكومة عراقية جديدة وإنجاز باقي الاستحقاقات الدستورية، سارعت الأحزاب الخاسرة إلى طهران في محاولة للضغط من أجل استمرارها في السلطة، وبالتالي سارعت طهران إلى إرسال إسماعيل قاآني إلى العراق لهذا الهدف، وهو ما زاد تعقيد المشهد وخلط الأوراق، بعد أن لاحت في الأفق إمكانية تشكيل تحالف ثلاثي مؤلف من "الصدر" و"الحلبوسي" و"البارزاني" لقيادة المرحلة المقبلة، حيث فازت الأحزاب التي تمثلها هذه القيادات بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية.
أمام هذه الوقائع الصعبة في الحياة السياسية العراقية قد لا نجد حكومة، سواء كانت "أغلبية وطنية" أو "توافقية" في المدى المنظور، وهو ما يعرض العملية السياسية الجارية إلى حالة شلل، وسط مخاوف من دخول البلاد إلى مرحلة جديدة من الفوضى الأمنية، خاصة في ظل السلاح المنفلت ونفوذ المليشيات المسلحة المرتبطة بإيران.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة