اللحظة تشهد على جهل قطر بالسياسة وقراءة مستجداتها، وهي إذا حاولت القراءة بما امتلكت من موهبة محدودة، فإنها تنزع نحو التأويل نزوعا.
التوازن والعقل والحكمة سمات السياسة الخارجية لدولة الإمارات، وقد أكسب ذلك الإمارات إلى جانب نشاطها الدبلوماسي الدؤوب، وإلى جانب التنمية الناجحة التي تديرها في الداخل باقتدار، هذه السمعة الطيبة والصيت المتقدم على مستوى العالم، هذا بالإضافة أيضاً إلى منظومة القيم والمبادئ التي تؤمن بها دولة الإمارات، وتهتدي بها وهي تذهب ذهاب القوي الواثق نحو المستقبل الذي أصبح يرادف اسمها كلما قيل. هكذا تشتغل دولة الإمارات وهي تنسج علاقاتها الخارجية بخيوط العواطف والمصالح معاً، وهكذا تعمل مع القريب والبعيد، هكذا تعمل مع شقيقتها الكبرى وشريكتها الاستراتيجية المملكة العربية السعودية، ومع الدول في أقصى العالم، وبالمعايير ذاتها، معايير الاتزان والحكمة والعقل، وموازنة العاطفة والمصلحة توجه الإمارات علاقاتها مع الدول كافة بما فيها قطر. لقد تحملت الإمارات من قطر ما لا يحتمل، حتى إذا ذهبت الدوحة إلى المبالغة وإلى دروب اللارجعة والتضحية بالتاريخ والجيرة والأخوة واستبدال كل ذلك بالجنون والتهور والحمق، وبعد الكثير من النصح والصبر، اتخذت الإمارات وشقيقاتها وعلى رأسها السعودية قرار المقاطعة، ولم يكن سهلاً، فهناك الشعب القطري الشقيق وأحقيته في حياة طبيعية كريمة، لكنه النظام الذي ضيق على شعبه، وآثر قرار العزلة ثم الارتماء المجاني المبالغ فيه أيضاً في أحضان الآخرين.
هي مستجدات تجعل الدوحة على صفيح ساخن حتى في ذروة هذا القيظ و«اللاهوب»، وهي دعوة قطر إلى مغادرة الجهل ومحاولة الفهم حتى وهي في عزلتها. نعم من حقها الخوف والحذر من مستجدات سياسة هي لا تفرق بين ثوابتها ومتغيراتها.
تاريخ معلوم ولا يردد إلا للتأكيد، لكن اللحظة تشهد على جهل قطر بالسياسة وقراءة مستجداتها، وهي إذا حاولت القراءة بما امتلكت من موهبة محدودة، فإنها تنزع نحو التأويل نزوعاً؛ لإخفاء مواهبها في الجهل والمخالفة لمجرد المخالفة.
أولاً: لقاء قادة خفر السواحل في الإمارات مع نظرائهم الإيرانيين يوضع في موضعه وحجمه الصحيحين ولا يغادرهما. هنالك مشاكل استجدت في الحدود البحرية وفي مياه الخليج. هنالك توتر يؤثر على المصالح والملاحة الدولية، فما المانع من عقد تفاهمات مع النظراء الإيرانيين نحو أمن وسلامة الحدود والناقلات والصيادين، وقد رأينا من قبل أن المشتغلين في البحر من الطرفين قد يدخلون بوعي أو دون وعي في المياه الإقليمية للطرف الآخر؟
في كل مرة كانت المشكلة تحل على حدة بعد ساعات أو أيام أو أسابيع، ولأن الحاجة أم الاختراع فقد أصبحت التفاهمات بهذا الصدد سابقة غير لاحقة، ووفق جدول لقاءات فنية اتفق عليه الطرفان.
الواقعة قد تكون لها دلالات سياسية أو قد تشي بشيء من التبدل في أسلوب العلاقة، فلتكن إيران جغرافياً قريبة، وقد فضلت دولة الإمارات مواجهتها بالعمل السياسي.
ثانياً: تم هذا بتفاهم واتفاق كاملين مع السعودية، الأمر الذي لا يمكن أن تفهمه أو تستوعبه قطر التي تبني كل آرائها على نظريتي الغدر والمؤامرة، فهي إنما تفترض أن طبعها هو طبع الآخر بالضرورة، ويبدأ قلبها يرتجف أكثر خلف أصابعها المرتعشة. لم تكن دولة الإمارات في نزهة مع المملكة العربية السعودية حتى ينفض السامر بالطريقة التي تتمناها وتحلم بها الدوحة. العلاقة أخوية وحقيقية واستراتيجية والشراكة قائمة ومستمرة، والمشاورات والاتفاقات لا تنقطع، فبين البلدين الشقيقين الكثير من الملفات المخلوقة أساساً للاستكمال في أفق استراتيجي، واجتماعات اللجان المشتركة إنما لتحقيق مشاريع تعود بالخير والإيجابية على الشعبين الكريمين وشعوب المنطقة والعرب جميعاً.
التفكير هنا للبناء والثمار والمستقبل، فلا مكان للأفكار الضيقة والتكتيكات الصغيرة والأعمال المنقطعة على الطريقة القطرية البائسة.
ثالثاً: ما يقال في أسلوب العلاقة مع إيران يقال حول إدارة حرب سلام اليمن، ولم تكن السعودية والإمارات في نزهة وهما تخوضان معاً الحرب المقدسة في اليمن نحو المحافظة على الشرعية والدولة الوطنية في وجه مليشيا الحوثي. من هنا فإن قرار إعادة الانتشار قرار إماراتي بمعرفة السعودية.. إنها علاقة عمقها الدم المشترك والحوار معاً كما عبرت دولة الإمارات رسمياً.
وحين يكون الاتفاق مع دولة كبيرة في حد ذاتها، وكبرى في المنطقة كالمملكة العربية السعودية، فهذا ما لا تفهمه أو تستوعبه قطر الصغيرة المضطربة. بالعربي الفصيح فإن خطة الإمارات والسعودية في اليمن واحدة، وقد نجح التحالف بقيادة السعودية وبمشاركة الإمارات الفاعلة في تغيير القوى على الأرض، وفي إخضاع «الحوثي» لاتفاق ستوكهولم، وفي التمهيد للحل السياسي المرتقب.
المعادلة في اليمن تغيرت بما يخدم مستقبل اليمن، وفي اليمن اليوم إلى جانب التحالف قوات يمنية مدربة ومخلصة.
رابعاً: بدل المضي في الغي والوهم، وحتى لا تأخذ العزة بالإثم قطر أكثر، فعليها العودة إلى نفسها، وإجراء عملية جرد بسيطة: ماذا ربحت في السنوات الأخيرة وماذا خسرت. لقد عاشت المعاناة والقلق وافتقاد راحة البال.
لقد عاشت شعور الذي يكذب على شعبه وهو يعرف أنه يكذب وشعبه أيضاً يعرف. لقد خسرت جيرانها وأشقاءها، واحتاجت، نتيجة كوابيسها ووساوسها إلى حماية الغير، حتى أصبح التركي يتصرف إزاءها وكأنه الخليفة العثماني، وحتى لم يستطع أميرها الصغير إخفاء ابتسامته الصفراء وهو في ضيافة ترامب يوم شكره على تمويل قاعدة العديد بثمانية مليارات دولار. ثمانية مليارات من أموال الشعب القطري أيها الظالم؟
خامساً: المراجعة القطرية يجب أن تمر بشروط الدول المقاطعة الـ13. هذه الشروط كانت في حينها ولمدة عشرة أيام، ومطلوب اليوم أن تعتذر قطر عن أكذوبة قرصنة وكالة الأنباء القطرية، وأن تقبل مستجدات شروط الدول الأربع، وعلى رأسها محاكمة رؤوس «الجزيرة» قبل إغلاقها لا باعتبارها قناة إعلامية وإنما أداة تمييز وكراهية وبغضاء وتحريض على القتل.
هي مستجدات تجعل الدوحة على صفيح ساخن حتى في ذروة هذا القيظ و«اللاهوب»، وهي دعوة قطر إلى مغادرة الجهل ومحاولة الفهم حتى وهي في عزلتها. نعم من حقها الخوف والحذر من مستجدات سياسة هي لا تفرق بين ثوابتها ومتغيراتها.
اللهم أدم علينا نعمة العقل.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة