شهدت صناعة الغاز الخليجية في السنوات القليلة الماضية تطوراتٍ متلاحقةً وسريعة ستضعها مع نهاية العقد الحالي على قمة صناعة الغاز العالمية، فقد أشار وزير الطاقة القطري سعد الكعبي إلى أن قطر ستستحوذ في عام 2030 على 40% من تجارة الغاز في العالَم.
وإذا ما أضيفت إلى ذلك الاكتشافاتُ الكبيرةُ في كل من دولة الإمارات والسعودية، فإن النسبة سوف تتجاوز نصف هذه التجارة.
فبعد الاكتشافات الأخيرة في أبوظبي، وقَّعت شركةُ أدنوك للغاز اتفاقية مع الهند لتوريد 1.2 مليون طن متري سنوياً لمدة 14 عاماً. أما حقل الجافورة في السعودية، والذي اكتُشف عام 2014، فيعد من أكبر حقول الغاز الصخري، علماً بأن هناك اكتشافات متفاوتة للغاز العادي والصخري في كل من البحرين والكويت وعُمان، أُعلن عنها في السنوات الثلاث الماضية.
وبإضافة صادرات الغاز الإيرانية، حيث تملك إيران ثاني أكبر احتياطي، فإن منطقة الخليج العربي ستتحول إلى أكبر مزود للغاز متخطيةً الولايات المتحدة وروسيا وأستراليا، إلى جانب كونها أكبر مصدِّر للنفط، مما سيمنحها قوةً اقتصاديةً وجيوسياسية وموقعاً مميزاً في تجارة الطاقة الدولية.
هذا التحول ستترتب عليه نتائجُ مهمةٌ، خصوصاً أن دول مجلس التعاون اتخذت في الآونة الأخيرة منحى يَرمي إلى تعزيز حياديتها من خلال تنوع علاقاتها التي حققت لها الكثير من المكاسب وأكسبتها مرونةً أتاحت لها القيامَ بدور رئيسي في تحديد العديد من التوجهات الرامية إلى التأسيس لنظام عالمي متعدد الأقطاب.
وبموجب هذه النتائج ستتمكن دول المجلس، وبالتعاون مع منتجي الغاز الرئيسيين، من الدفع نحو أسعار عادلة لصادراتها من الغاز، مثلما هو الحال مع صادراتها النفطية، مما سيجعل إنتاج الغاز الصخري مجدياً من الناحية الاقتصادية، مع العلم بأنه حوَّل الولايات المتحدة إلى واحدة من أكبر مصدِّري الغاز المسال.
مثل هذا التحول سيتيح بدوره مواردَ ماليةً كبيرةً يمكن استغلالها لزيادة معدلات النمو وتعميق التنوع الاقتصادي ورفع مستويات المعيشة وتوفير المزيد من فرص العمل، وبالأخص إذا ما نسقت دول المجلس فيما بينها، عبر إقامة شبكة خليجية متكاملة للغاز الطبيعي، مما سيخفض تكاليف الإمدادات والنقل وينمي الصادرات، إذ إنه مع هذه التطورات المرتقبة فإن هذه الشبكة المؤجلة منذ سنوات طويلة ستكتسب المزيدَ من الأهمية في الفترة القادمة.
وإضافة إلى ذلك، فإن الاستحواذ على 50% من الصادرات بحاجة لبنية تحتية كبيرة لا بد من إقامتها وتطويرها لتستجيب لقدرات التصدير الخليجية، فإلى جانب ربط إمدادات الغاز الخليجية، على غرار الربط الكهربائي، فإنه من المهم توفير وسائل نقل أخرى، كناقلات شحن الغاز المسائل، بما في ذلك النظر في إقامة مشروع خليجي مشترك لصناعة ناقلات النفط والغاز، إذ من غير الملائم عدم وجود هذه الصناعة في أكبر منطقة لإنتاجهما وتصديرهما.
وفي نفس الوقت يمكن النظر في إمكانية مد خطوط للنقل والتي ستخفض تكاليف النقل، مقارنة بتكاليف الناقلات، مما سيمنح الصادرات الخليجية أفضليات تجارية، إذ سبق وأن قدمت مشاريع لإقامة شبكات لنقل الغاز، كان آخرها مشروع خط الأنابيب إلى أوروبا عبر بحر قزوين والذي عرضه الرئيس التركمانستاني في القمة الخليجية ودول آسيا الوسطى التي عقدت مؤخراً بالسعودية، حيث تحتل تركمانستان المركز الرابع في احتياطيات الغاز، إذ يمكن ربط هذه الشبكة مع منطقة الخليج.
كما أن هناك مشاريع مشابهة لأنابيب الغاز إلى أوروبا وآسيا عن طريق العراق وتركيا غرباً والهند وباكستان شرقاً، إذ تحتل مسألة التعدد مكانةً مهمة لتفادي أية عراقيل جيوسياسية قد تعيق أحد الخطوط، كما أن ذلك سيخلق تنافساً وتنوعاً يقدم بعض الضمانات بفضل المكاسب التجارية والمالية التي ستجنيها دول الإنتاج ودول العبور، إلا أن تحقيق كل هذه المكاسب بحاجة إلى عمل دؤوب وسرعة في التنسيق على أعلى المستويات لإيجاد التكامل اللازم بين كميات الإنتاج المتوقعة والبنى التحتية التي يمكنها استيعاب هذا التحول الكبير في صناعة الغاز الخليجية.
نقلا عن جريدة "الاتحاد" الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة