نصف درجة مئوية إضافية تهدد وتيرة الاحتباس الحراري
اللجنة الدولية للتغيرات المناخية للأمم المتحدة تقدم بحثا حول عواقب ارتفاع درجات الحرارة لدرجة ونصف الدرجة أو درجتين مئويتين
قدم تقرير للجنة الدولية للتغيرات المناخية للأمم المتحدة بحثاً حول عواقب ارتفاع درجات الحرارة لدرجة ونصف الدرجة أو درجتين مئويتين، خلال الأسبوع المنقضي.
وقد لا يبدو مقدار نصف الدرجة المئوية بالأمر المهم، لكن التقرير شرح بالتفصيل أن هذا القدر الضئيل من الحرارة من شأنه أن يعرّض عشرات الملايين من البشر إلى موجات حرّ وشحّ في المياه وفيضانات ساحلية تهدّد حياتهم، حيث إن نصف الدرجة هذه قد تكون الفرق بين عالم يحتوي على شعاب مرجانية وجليد في بحر القطب الشمالي خلال فصل الصيف.
ويعتبر تغير المناخ أحد التحديات الرئيسية في العصر الحديث، حيث يضيف ضغطا كبيرا على مجتمعاتنا وعلى البيئة.
فالآثار العالمية لتغير المناخ واسعة النطاق ولم يسبق لها مثيل من حيث الحجم، من تغير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، إلى ارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية، ويعد التكيف مع هذه التأثيرات أكثر صعوبة ومكلفا في المستقبل إذا لم يتم القيام بإتخاذ إجراءات جذرية الآن.
وحذّر التقرير الذي أعدته اللجنة الدولية للتغيرات المناخية الذي شارك فيه مئات الباحثين حول العالم، من أن هذه المخاطر لم تعد بعيدة أو مفترضة.
ووفقا لما نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" ، فقد أخّرت الدول عمليات قضائها على انبعاثات غازات الدفيئة لوقت طويل حتى أصبح التسخين الذي يبلغ 1.5 درجة مئوية أمراً واقعاً لا مفرّ منه. وبمعدلات التسخين الحالية، من المرّجح أن يتجاوز العالم عتبة الدرجة والنصف بين عامي 2030 و2052، أي في وقت يكون فيه معظم البالغين والأطفال الذين يعيشون اليوم لا يزالون على قيد الحياة.
تعتبر الدرجة والنصف الإضافية من التسخين أفضل السيناريوهات المتوقعة.. فدون اندفاع عالمي فوري وربّما خيالي نحو القضاء على انبعاثات الوقود الأحفوري وعلى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، سيبدو ارتفاع التسخين إلى درجتين مئوية أو أكثر خلال هذا القرن أكثر واقعية.
في كل مرة تشهد فيها درجة حرارة الأرض ارتفاعاً لنصف درجة إضافية، تكون التأثيرات متفاوتة بين مناطق الأرض المختلفة؛ إذ ستشهد المنطقة القطبية الشمالية مثلاً، ارتفاع درجة حرارتها مرّتين أو ثلاثاً أكثر من غيرها، في حين ستشهد مناطق البحر المتوسط والشرق الأوسط انخفاضاً في وفرة المياه بنسبة 9 في المائة في ظلّ ارتفاع التسخين لدرجة ونصف الدرجة، و17 في المائة عند ارتفاعه لدرجتين مئويتين، بحسب دراسة كبيرة وردت في التقرير.
وقال كارل فريدريتش شلوسنر، رئيس قسم علم المناخ وتأثيراته في «كلايميت أناليتيكس» والباحث الرئيسي في الدراسة: «في هذه المنطقة التي تعيش اليوم شحّاً في المياه وتشهد الكثير من الاضطرابات السياسية، لا شك في أن نصف درجة إضافية من التسخين ستحدث فرقاً كبيراً. يشكّل هذا الأمر تذكيراً جيّداً بأن أحداً لا يشعر بمتوسط درجة الحرارة العالمية».
كما أن احتمالات الأحداث المناخية القوية كموجات الحرارة الشديدة أو الأعاصير القوية لن تكون واحدة في أنحاء العالم مع ارتفاع التسخين لنصف درجة إضافية.. ويضيف التقرير، أن عدد الأيام شديدة الحرارة حول العالم مثلاً سيميل إلى الارتفاع أضعافاً مضاعفة مع ارتفاع متوسط الحرارة العالمية.
مخاطر وتغيرات مناخية مفاجئة
يسلّط التقرير الضوء أيضاً على احتمال دفع أبسط معدلات التسخين لكل من المجتمعات البشرية والبيئات الطبيعية إلى المرور ببدايات بعض المراحل التي ستشهد حدوث تغيّرات مناخية مفاجئة.
لنأخذ مثلاً الشعاب المرجانية التي تؤمّن الغذاء والحماية الساحلية لنحو نصف مليار إنسان حول العالم؛ قبل السبعينات، لم يكن أحد قد سمع عن ارتفاع درجة حرارة المحيطات إلى درجة تسبب ابيضاض الشعاب وموتها. لكن مع ارتفاع درجات الحرارة حول العالم نصف درجة إضافية في هذه الفترة، بات ابيضاض الشعاب ظاهرة عادية ومألوفة.
ويلفت التقرير إلى أنه ومع ارتفاع التسخين لنصف درجة إضافية اليوم فوق المعدلات الحالية، ستواجه الشعاب المرجانية الاستوائية «حالات وفاة كثيرة ومتكررة»، رغم أن بعض الشعاب قد تتأقلم في حال منحت ما يكفي من الوقت. أما مع ارتفاع التسخين لدرجتين، ستواجه الشعاب المرجانية خطر الاختفاء التام.
هذا الأمر غير مؤكد عند بداية مراحل تغيّر مناخي مقلقة أخرى، كالتفكك غير القابل للتصحيح الذي سيصيب صفائح الجليد على سطح جرينلاند أو غرب القارة القطبية الجنوبية. لكن التقرير يحذّر من أن استقرار هذه الصفائح الجليدية قد يبدأ في التزعزع مع درجة ونصف الدرجة أو درجتين من التسخين؛ مما سيعرّض العالم لارتفاع مستوى البحر لأقدام إضافية خلال القرون المقبلة.
كما يحذّر التقرير من أن المناطق المهددة، كالكثير من الدول الأفريقية والجزر الصغيرة، قد تعاني من صعوبة في التعامل مع التأثيرات المتعددة. إذ إن حصول بعض التأثيرات كتراجع المحاصيل وموجات الحرّ وانتشار الذباب الحامل للملاريا بشكل متزامن يجعلها مضاعفة.
من جهتها، قالت كريستي إل إيبي، أستاذة في الصحة العامة في جامعة واشنطن وأحد الباحثين الرئيسيين المشاركين في الفصل المتعلّق بالتأثيرات المناخية في التقرير «أنتم لا تعتادون على شيء واحد في كل مرة، بل تعتادون على كل ما يتغيّر في وقت واحد».
ولفت التقرير إلى أن تثبيت التسخين عند درجة ونصف الدرجة يستلزم تحوّلاً كبيراً لنظام الطاقة العالمي يتجاوز ما يتحدّث عنه قادة العالم اليوم. إذ من الضروري جداً أن تهبط انبعاثات غازات الدفيئة العالمية إلى النصف في فترة لا تتجاوز 12 عاماً، وأن تختفي نهائياً بحلول عام 2050.
وللحفاظ على التسخين دون الدرجتين، يجب على الانبعاثات أن تختفي بشكل نهائي بحلول عام 2075؛ ما يفرض استبدال جميع معامل الفحم والمركبات العاملة بالوقود على الكوكب ببدائل لا تصدر غاز ثاني أكسيد الكربون وبشكل فوري.
وأضاف التقرير، أنه يتوجب على العالم أن يطوّر وينشر تقنية للتخلص من مليارات أطنان ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي في كل عام، من خلال استخدام تقنيات لم يتمّ اختبارها بعد على نطاق واسع.
وقال غاري يوهي، عالم اقتصاد بيئي في جامعة ويسليان في حديث لوسائل الإعلام الأميركية «من وجهة نظري، يبدو الحديث عن وصول تسخين الأرض إلى درجتين متفائلاً جداً، وأن الحديث عن الدرجة والنصف متفائل بشكل مثير للسخرية. من الجيّد أن نسعى خلف تحقيق هذه الأهداف، لكن علينا أن نواجه حقيقة أننا قد لا نحققها، وأن نبدأ في التفكير بجدية أكبر بما قد يبدو عليه الارتفاع إلى درجتين ونصف الدرجة أو ثلاث درجات».