من مالي إلى السنغال.. «دومينو الإرهاب» يتدحرج وفراغ أمني يتسع

ناقوس الخطر يدق مجددا بقلب ساحل أفريقيا في ظل تمدد الإرهاب غرب مالي ليقترب من الحدود المشتركة مع السنغال، مستفيدا من ثغرة الانسحاب الفرنسي.
ورأى خبراء سياسيون أن تمدد جماعة «نصرة الإسلام» غرب مالي بات يهدد الحدود الجنوبية للسنغال بشكل مباشر، خاصة في ظل انسحاب القوات الفرنسية.
- أمريكا تطرق أبواب مالي.. فرص «مشروطة» وسط ظلال موسكو
- "نصرة الإسلام والمسلمين".. إرهاب على طريق مالي "الملغوم"
هذا الوضع يهدد بتفجّر فراغ أمني قد تستغله الجماعات المسلحة، في وقت تبدو فيه البدائل الإقليمية والمحلية محدود
الخطر يقترب
وشهدت مناطق كايس وديبولي ومولودو في غرب مالي هجمات متزامنة نفذتها جماعة «نصرة الإسلام»، وهي إحدى أخطر التنظيمات المسلحة في الساحل.
وتقع ديبولي على بُعد أقل من كيلومتر واحد من مدينة كيديرا السنغالية، ما يجعل خطر التمدد الإرهابي واقعًا، خاصة في ظل طبيعة الحدود المفتوحة.
وأعلنت الجماعة مسؤوليتها عن هذه الهجمات، مؤكدة أنها «منسقة وعالية المستوى»، في وقت اكتفت فيه السلطات المالية بالإشارة إلى «دول أجنبية متورطة» دون تسميتها.
والهجمات التي شملت أيضًا مدنًا مثل نارا ونونو وكوغوي أدت إلى سقوط عشرات القتلى، واختطاف مدنيين، من بينهم ثلاثة هنود في كايس.
الفراغ الأمني
يأتي هذا التصعيد بعد الانسحاب شبه الكامل للقوات الفرنسية من مالي في العامين الأخيرين، ضمن تراجع أوسع لدور باريس العسكري في منطقة الساحل.
القوات الفرنسية التي كانت تتعاون مع الأجهزة المحلية في مراقبة الحدود وملاحقة الجماعات المسلحة، لم تُترك لها بدائل فاعلة، مما فاقم الفراغ الأمني.
وتقول مصادر محلية في كايس لصحيفة لوموند الفرنسية، إن السكان أصبحوا يعيشون «تحت رحمة الطلقات»، وسط تراجع ملحوظ في قدرات الدولة على حماية مناطقها الغربية.
إلى الجارة السنغال التي يقترب منها الخطر، تبدو قوات الأمن في موقف صعب.
ورغم وجود بعض التدخلات الرمزية من قوة «جي 5» الساحل (قوات إقليمية من 5 دول) أو القوات الأممية، إلا أن هذه الآليات تعاني من ضعف التمويل والتنسيق.
وحتى قوات الدرك السنغالي المنتشرة على الحدود، لا تملك الخبرة الكافية للتعامل مع نمط الهجمات المعقدة التي شهدتها مالي مؤخرًا، وفق التقرير الفرنسي.
خطر متزايد
في هذا السياق، قالت الدكتورة كلودين روشيت، الباحثة في السياسات الأمنية بمعهد إيكارم في باريس لـ«العين الإخبارية»: «انسحاب فرنسا تم دون نقل مسؤول أو تدريجي للقدرات الأمنية».
وأشارت روشيت إلى أن هذا الفراغ في غرب مالي «يتحول تدريجيًا إلى ممر سهل للعناصر المسلحة نحو السنغال»، مضيفة: «من دون دعم استخباراتي خارجي وتدريب فعلي للقوات المحلية، سيُترك أمن السنغال لمعادلات الفوضى.»
وحذرت روشيت، من أن «الاعتماد على الأمن الوقائي داخل الحدود لم يعد كافيًا، في ظل خطر قادم من وراءها».
من جهته، قال مامادو قاييه، الباحث السياسي، في معهد الدراسات الإفريقية في داكار لـ«العين الإخبارية»: «التهديدات الأمنية المتصاعدة في غرب مالي لا تبقى حبيسة الداخل المالي، بل تزحف بشكل تدريجي نحو حدود السنغال، مُحمّلة بخطر التمدد ونقل الفوضى».
موضحاً أن غياب القوة الفرنسية، وانعدام البدائل المحلية القوية، «يفتحان الباب أمام سيناريو أمني قاتم، ما لم تبادر الدول إلى بناء جدار دفاعي إقليمي فعّال... فالمعركة باتت على الأبواب».
قبل أن يضيف: «الجماعات المسلحة تدرك تمامًا أن السنغال تُعد البوابة التالية نحو المحيط الأطلسي، وتسعى للوصول إلى طرق التهريب هناك».
وأوضح قاييه أن «المخاطر لا تهدد فقط الحدود، بل الاقتصاد والسياحة والأمن الداخلي في السنغال... لا بد من حوار أمني إقليمي سريع قبل أن تصل النيران إلى ما وراء الحدود».
ورأى الباحث السياسي السنغالي أن التصعيد الأخير «لم يمر دون انتباه دولي؛ إذ حذر قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، الجنرال مايكل لانغلي، من مساعٍ متزايدة للجماعات المسلحة في الساحل للوصول إلى الساحل الأطلسي، ما سيمنحها قدرات أكبر في التهريب والتمويل».