حماس والكريسماس.. غضب لاستهداف نسيج غزة الاجتماعي
أثار تعميم صادر عن أوقاف غزة ويدعو للحد من التفاعل مع احتفالات الكريسماس، استهجانا واسعا لهذا الموقف الذي يمس النسيج الوطني الفلسطيني.
القصة بدأت بتعميم رسمي لوزارة أوقاف غزة التي تديرها "حماس" يشير إلى إقرار سلسلة فعاليات تنفذها دائرة الوعظ والإرشاد للحد من فعاليات أعياد الميلاد خلال الأسبوعين القادمين للطائفة المسيحية في القطاع.
وبحسب الوثيقة التي حظيت بالموافقة، تشمل فعاليات الدائرة المنتظر تنفيذها للحد من فعاليات "الكريسماس"، فتوى بشأن فعاليات الكريسماس، ودعوة إلكترونية وبطاقات إلكترونية ومادة فيديو تفاعلية ونشر فتاوي تتعلق بالموضوع.
بالإضافة لمراسلة بعض الدعاة للحديث عن الموضوع، وجولة ميدانية دعوية، لجنة للتحصين المجتمعي، والإذاعات المحلية الفضائيات والإعلام.
ويحتفل الفلسطينيون المسيحيون مع سائر العالم بعيد الميلاد المجيد حسب التقويم الغربي في 25 ديسمبر/كانون الأول، في حين تحتفل الكنائس التي تسير حسب التقويم الشرقي بالعيد في 7 يناير/كانون الثاني.
مخالفة دستورية
وأكد الحقوقي سمير المناعمة أن التعميمات التي تروم إلى تغيير العادات والتقاليد وتوجيهها نحو اتجاه معين عائدة نفعية للحزب الحاكم، تُعد شبيهةً لتلك المتعلقة بتغيير الدساتير من أجل تأبيد الحاكم في حكمه، وفي كلا الحالتين هي مرفوضة.
وشدد على أن سلطات الأمر الواقع بغزة لا تملك أبداً الحق في توجيه الناس بما ينسجم مع مصالحها ورؤيتها الدينية، طالما أن عادات وأعراف الناس لا تُخالف النظام والأمن العام.
وقال: إن في تلك التوجيهات اعتداءً على منظومة الحريات الدستورية.
ووفق تقديرات فلسطينية، فقد تراجع عدد المسيحيين في قطاع غزة خلال السنوات الماضية من 6 آلاف إلى 1050 مسيحياً فقط، من أصل مليوني فلسطيني يعيشون هناك.
ويتبع نحو 70% من مسيحيي قطاع غزة لطائفة الروم الأرثوذكس، بينما يتبع البقية طائفة اللاتين الكاثوليك.
ضرب النسيج الاجتماعي
من جهته، وصف الدكتور عمر شعبان، مدير مؤسسة "بال ثينك" للدراسات الاستراتيجية، تعميم أوقاف غزة بأنه عبثي وينتهك القانون الفلسطيني ويضرب النسيج الاجتماعي ويهدد الوحدة الوطنية.
وقال: "هكذا منشور لا يصدر إلا عن عقلية ضيقة لا ترى في العالم سوى نفسها. كيف يسمح لهذا العبث أن يحدث؟ وهل اطلعت عليه مسبقا اللجنة الإدارية التي تحكم غزة؟”.
وأضاف "بدلا من تعزيز الوحدة والتضامن في هذا الوقت، يأتي هكذا منشور ليضيف أزمة جديدة. يتوجب سحب المنشور فورا وتنظيم جلسات توعيه لبعض موظفي وزارة الاوقاف عن تاريخ فلسطين والتسامح والسلم الأهلي ودور مسيحيي فلسطين المضيء في كل المجالات والأزمان. فلسطين مهد السيد المسيح الذي أمرنا الله أن نحبه".
وقال سامر ترزي، وهو مواطن فلسطيني مسيحي يعيش في قطاع غزة: "نحن فلسطينيون أصحاب وطن واحد، فرحنا وهمنا واحد“، متسائلاً "هيك صح التعامل؟".
وانتقد الكاتب الفلسطيني، حلمي الغول، تعميم وزارة الأوقاف عبر ”تويتر“ قائلاً: ”وزعت ما تسمى وزارة أوقاف حماس في قطاع غزة تعميما يوم الثلاثاء الموافق 15/12 الماضي لنشر الفتنة بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد عبر التحريض على الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام، الفدائي الفلسطيني الأول، ورسول السلام والمحبة والتسامح. آن الأوان لمواجهة الانقلاب الأسود“.
مشروع ضيق
مصفى إبراهيم، الباحث في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، حذر من وجود رؤية بنفي الآخر من ناحية دينية وبالتالي نفيه وطنيا، وكأن المسيحيين في فلسطين من وطن غير الوطن الذي نعيش فيه ونحن نحتفل معهم من باب التضامن.
وقال: "كان الأولى بالوزارة وقبلها حركة حماس أن تكون أكثر جرأة وهي تحتفل بذكرى انطلاقتها الـ 33، والتغييرات السياسية الحاصلة ولا تكتف ببيان نفي لكنها لم تفعل أي شيء حتى الآن".
وأضاف: "ببدو أن حماس ووزارتها والمشايخ القائمين على الأوقاف التي تمتلك جيشا من الدعاة والوعاظ والإرشاد الديني والخطباء لا تزال تعمل على مشروع ضيق".
أما الناشط الاجتماعي وسام زغبر، غرد عبر ”تويتر“ منتقداً تصرف الوزارة، وقال: ”رسالة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بقطاع غزة، رسالة خطيرة تتطلب من الجهات الحكومية في غزة التراجع الفوري عن مضمون الرسالة التحريضية، بما تحمله من إساءة واضحة للإخوة المسيحيين (ملح الأرض)“.
حماس مطالبة بالاعتذار
ندد الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني "فدا" في بيان له ببيان أوقاف حماس ورأى فيما تضمنه "خروجا فظا عن قيم التسامح والإخاء التي سادت على الدوام بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد، بمسيحيه ومسلميه".
وحذر "فدا" من خطورة مثل هذه الدعوات كونها تشكل تهديدا للسلم الأهلي الفلسطيني وتثير النعرات الطائفية المقيتة ولا تخدم إلا أعداء شعبنا وفي مقدمتهم المحتل الإسرائيلي.
وطالب حركة حماس بالإعلان على الملأ عن اعتذارها لهذا التصرف والتوقف عن أي إجراءات من شأنها التشويش على احتفالات أبناء شعبنا من الطوائف المسيحية بأعياد الميلاد المجيدة ومعاقبة أعضائها المسؤولين عن إصدار تلك التعليمات والتعهد بعدم العودة لمثل هذا السلوك المدان والذي يضر بالنسيج المجتمعي الفلسطيني وحالة التآلف التي تسود بين أبنائه.
اعتراف وتبرير
وزارة الأوقاف التي تديرها حماس حاولت التخفيف من حدة الموقف بالإعلان في بيان جديد أن من وصفتهم بـ"النصارى" في فلسطين عموماً، وفي قطاع غزة خصوصاً، هم "شركاء الوطن والقضية والنضال، ونتمثل معهم أسمى قيم التعايش الإنساني، ونبادلهم المناسبات الاجتماعية، وتربطنا بهم علاقات استراتيجية".
وأضافت أنه "من حقهم أن يُقيموا احتفالاتهم الدينية الخاصة بهم، ولا يجوز الإساءة لهم أو التضييق عليهم، والحكومة تُؤمِّن إقامتهم لشعائرهم، وتحمي كنائسهم وأماكن احتفالاتهم".
وأوضحت أنّ المراسلة المذكورة ليس لها أي علاقة بإقامة النصارى لمناسباتهم واحتفالاتهم وممارسة طقوسهم الدينية وحياتهم العامة، وإنما في سياق إرشاد المسلمين للأحكام الشرعية المتعلقة بمشاركة المسلمين في المناسبات الدينية لغير المسلمين.