الناقد حسين حمودة لـ"العين": الاهتمام بالأدب تراجع لحساب ثقافة الصورة
"العين" التقت الناقد المصري حسين حمودة أحد أبرز نقاد ما اصطلح على تسميته بجيل السبعينيات.
الناقد الدكتور حسين حمودة، أحد أبرز نقاد ما اصطلح على تسميته بجيل السبعينيات. صوت نقدي رصين إن على مستوى "التنظير" والانطلاق من مناطق شديدة الثراء في علم اجتماع الأدب، أو على مستوى التطبيق الذي راوح فيه بين الكتابة عن نجيب محفوظ ويحيى الطاهر عبد الله وجمال الغيطاني وبهاء طاهر ومحمد البساطي ومحمد المخزنجي ونعمات البحيري وصولا إلى متابعة الأصوات الإبداعية الجديدة وتقييم إنتاجها.
تخرج حسين حمودة في كلية الآداب، قسم اللغة العربية وآدابها، بجامعة القاهرة، عام 1979 وحصل على الماجستير من القسم نفسه، عام 1990، عن أطروحته "دور يحيى الطاهر عبد الله فى القصة القصيرة المصرية"، ثم حصل على الدكتوراه عام 1997، عن رسالته "الرواية والمدينة - نماذج من كتّاب الستينيات فى مصر"، بإشراف د.جابر عصفور.
يعمل حاليا أستاذ الأدب والنقد الحديث بكلية الآداب جامعة القاهرة، وأستاذا للأدب في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وهو عضو في العديد من اللجان والمجالس والهيئات الأدبية والنقدية، شارك في العديد من المؤتمرات العلمية بمصر وخارج مصر، وشارك كعضو في العديد من لجان التحكيم في المسابقات الروائية والقصصية، كما يترأس تحرير سلسلة "كتابات نقدية" التي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة..
"العين" التقت الناقد د.حسين حمودة، وكان هذا الحوار:
* البدايات بشرت بشاعر واعد، ثمّ من بعدُ استغراق واضح في النقد، كيف كان الطريق من الإبداع إلى احتراف النقد؟
- بدايتي، شأني في ذلك شأن الكثيرين من المعنيين بالأدب، كانت مع كتابة الشعر في السبعينيات، ونشرت المحاولات الأولى في عدد من المجلات والدوريات المختلفة.. كان حصاد هذه المحاولات طبعة فقيرة من ديوان بالعامية المصرية، ولكني وجدت نفسي بعد ذلك مدفوعاً لشغفي الأكبر، الفن الروائي والقصصي، والكتابة عن هذا الفن. وهناك عدد كبير جداً من المقالات والدراسات التي كتبتها، ولم تجمع في كتب بعد، أتصور أنني لو جمعتها ونشرتها ستشكل أكثر من ثمانية كتب.
أما الكتب التي صدرت لي بالفعل فهي "شدو الطائر.. شدو السرب ـ قراءة في قصص يحيى الطاهر عبد الله القصيرة" (1996م)، و"الرواية والمدينة ـ نماذج من روايات الستينيات" (2000م)، و"في غياب الحديقة: حول متصل الزمان المكان في روايات نجيب محفوظ"، و"المقالة العربية.. دراسة في فن المقال العربي"، بالإضافة إلى كتابين يضمان مختارات من القصة المصرية والعربية، أولهما صدر في أوكرانيا، والثاني صدر عن المجلس الأعلى للثقافة بعنوان "من عيون القصة المصرية ـ إعداد وتحرير" في ثلاثة مجلدات، إضافة إلى عشرات الدراسات والمقالات في العديد من الدوريات المصرية والعربية.
وصدقني أنا لا أستطيع الزعم بأنني "ناقد" بالمعنى الحرفي المباشر للكلمة، أنا أرى نفسي بصراحة شديدة وبوضوح شديد مجرد "قارئ" للنصوص، وأتصور أن هذه المهمة -قراءة النصوص- ليست سهلةً على الإطلاق، وأتصور أيضاً أن مهمة قراءة النصوص هي جزء مما نفتقده في نقدنا بشكل عام، ومرة أخرى اسمح لي أن أشير باختصار شديد إلى أنني "محض قارئ للنصوص".
* مشكلة المنهج أو أزمة المنهج النقدي في الثقافة العربية قديمة.. برأيك ما ملامح هذه الأزمة وهل ما زالت تلقي بظلالها على المشهد حتى اللحظة؟
- سؤالك يثير قضايا كبرى اتصلت بتجربتنا النقدية خلال فترات طويلة، واسمح لي أن أنظر إليه من منظور مغاير قليلا.. أتصور أنه كانت هناك حالة ولع محموم بالبحث عن نظريات نقدية مغلقة ومناهج جاهزة في الثقافة الغربية، هذا الولع ذهب بكثير من النقاد بعيدا عن مجال عملهم الحقيقي، وهو البدء من التجربة الإبداعية ذاتها، والبدء مما تثيره من قضايا وتساؤلات، وطبعا البدء من النصوص الأدبية ذاتها، ومما تقترحه هذه النصوص من مداخل خاصة للمقاربات النقدية التي تتناولها.
وتستطيع أن تقول إن هناك اندفاعا، وإن شئت لهاثا، جرى لفترة طويلة في النقد العربي وراء تلك "الصرعات" أو "الموضات" أو "الصيحات النقدية"، وكل هذا اللهاث تكشّف عن نتائج ليست كبيرة جدًا أو مهمة جدا فيما أتصور. وخلال هذا اللهاث، أو في رحلة السعي خلف هذا اللهاث، تم الابتعاد عن المهمة الرئيسية أو الأساسية للنقد الأدبي أو للدور الأساسي الذي يمكن أن يقوم به في تصوري على مستوى الانطلاق من التجربة الأدبية ذاتها أو المحددة أو المتعينة والبحث عما يناسبها من سبل للقراءة.
تستطيع أن تقول إنني ضد المنهج، هناك أدوات إجرائية كثيرة من مناهج متعددة يمكن للناقد أن يفيد منها وأن يعيد تكييفها بما يتواءم مع العمل الذي ينطلق منه. وفي النهاية، كل عمل أدبي يقترح على مقاربته بالكيفية المناسبة التي يمكن أن تفيد من هذا المنهج أو ذاك أو أن تمزج بين مناهج متعددة أو أن تسعى إلى البحث عن منهج آخر.
* و كيف ترصد ما يسميه البعض بـ"أزمة النقد المعاصر"؟ وهل تراجع النقد الأدبي عن ممارسة دوره في متابعة وتقويم التجارب الإبداعية الجديدة?
- هناك أبعاد كثيرة لهذه الأزمة، وإن كنت لا أستريح لتوصيفها بالأزمة؛ لأن هناك مشكلات حقيقية باتت تواجه تجربة النقد العربي، لعلها بدأت في نصف القرن الأخير، لكنني لا أتصور أنها تصل إلى حد الأزمة.
جذر هذه المشكلات يبدأ من عدم إشاعة الروح النقدية في حياتنا بوجه عام، ويتصل بهذا اختيار المادة الأدبية في أغلب المقررات الدراسية في مراحل التعليم المختلفة، وتعليمنا بشكل عام أصبح يعتمد على التلقين لا على روح التفكير النقدي والمناقشة والاختلاف. كذلك من معالم هذه المشكلات التراجع إلى حد ما على مستوى الأبواب الثقافية والأدبية في كثير من الصحف والمجلات، (مع بعض الاستثناءات).. والأهم تراجع الاهتمام بالأدب في كثير من وسائل الإعلام الأكثر تأثيرا والميديا الحديثة بوجه عام. طبعا هناك بالإضافة إلى ما سبق، تراجع الاهتمام بالقراءة لحساب نوع جديد من التواصل هو "ثقافة الصورة".
* شهدت السنوات الأخيرة طفرة هائلة في الكتابة السردية وبرزت بقوة ظاهرة الأكثر رواجا ومبيعا.. بم تفسر هذا الرواج وهل له دلالة ما فيما يخص ازدهار الكتابة والتلقي على السواء؟
- بالطبع هناك طفرة كبيرة جدا على مستوى النتاج الأدبي العربي خصوصاً في مجال السرد، وبالأخص في فن الرواية. وهناك عدد كبير من الأسماء المهمة في هذا المجال، والأفق ما زال مفتوحاً وممتدا للحكم على ما سوف يستمر ويتنامى من هذه الأعمال، ومن سيستمر من أصحاب هذه الأعمال.
لكن هذا لا ينفي أن هناك كتابا بدأوا رحلتهم منذ فترات طويلة أو قصيرة ولا يزالون يبدعون أيضا، وهناك ظاهرة مهمة وملحوظة في هذا النتاج الأدبي الجديد، تمثل في حضور عدد كبير من الكاتبات المبدعات، ولعل هذا يمثل اختلافا كبيرا عما كان عليه مشهد الكتابة الأدبية العربية قبل عقود قليلة.
لكن يجب علينا أن نفكر في حدود الدائرة التي يتحرك فيها الرواج؛ بمعنى أن علينا التساؤل بجدية حول من يقرأون أدبا حقيقيا على شبكة الإنترنت، بالقياس إلى حجم من يدخلون إلى هذه الشبكة من أجل أنشطة أخرى، مثل المشاركة في غرف الدردشة أو الشات.
كذلك أن يجب أن نفرق بين عدد الطبعات لروايات عربية بعينها، والتساؤل عما إذا كان هذا التعدد في الطبعات مرتبطاً بقيمتها الأدبية فقط أم أنه متصل بما تتناوله هذه الروايات من مضامين أو تيمات تتعلق بكشف أسرار مجتمع مغلق في بلد عربي ما أو تتعلق بقضايا لها علاقة بقضايا ذات طابع ديني أو تقدم تجارب تصلح عند ترجماتها لأن تُتَلقى كتعبير عن مجتمعات لها طابع فلكلوري وما إلى ذلك.
في ظني مسألة الرواج هذه من عدمها ليست هي المقياس الوحيد، وهذا المقياس يمكن أن يكون غير دال في فنون مثل السينما أو الأغنية، كما يمكن أن يكون دالا أو غير دال في مجال الأدب.
مثالا، رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ أتصور أنها كانت لعقود طويلة من أكثر الروايات التي حازت على طبعات متعددة، لكننا لم نعرف أبدا، وربما لن نعرف أبدا، حجم توزيع هذه الرواية في الدول العربية، ولا عدد طبعاتها الذي لا يتم الإعلان عنه بشكل شبه سري والتي كانت توزع في البلاد العربية طوال هذه العقود بشكل سري أيضا. وهي أيضا وينطبق عليها للأسف نفس الملاحظة التي أشرتُ إليها، وهي أن من كانوا يسعون للحصول عليها وقراءتها، كانوا مدفوعين لقراءتها لأسباب أخرى غير "القيمة الأدبية".