إن الانقسام الفلسطيني منذ سنوات هو الجرح النازف بقوة في جسم القضية الفلسطينية.
فهل تعلم عزيزي القارئ أن زعيم حركة حماس إسماعيل هنية يرفض الاتصال حتى اليوم، برئيس دولته محمود عباس، والعكس صحيح بعد كل هذه التطورات الكارثية الحاصلة في قطاع غزة؟
كل عبثية هذا المشهد السياسي المعقد والإنساني المخيف والميداني الغامض لم تفلح بدفع قادة الضفة والقطاع إلى اللقاء ولو عبر اتصال هاتفي، يمنح على الأقل الفلسطينيين شعوراً بأن الأزمات توحد القيادات، فكيف إذا كانت الأزمات مأساة لا يمكن تخيلها.
وقد اختار "هنية" لغة الخطابات منذ اليوم الأول لهذا التحول في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ثم يمم شطر طهران ليلتقي بمرشد إيران علي خامنئي، بعد أن قال له الإيرانيون على لسان حسن نصر الله: لن نفتح جبهة كبرى من أجلكم.
وكرر "هنية" أحقية فصيله بالجلوس على طاولة التفاوض حين ذكر حل الدولتين بخطاب، على الرغم من تنكر حركته لمسألة الاعتراف بإسرائيل، أو حتى العمل تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الرسمي لفلسطين أمام العرب والعالم.
وإزاء دعم غربي كبير وغير مستغرب لإسرائيل في إكمال عملياتها العسكرية، لا يمكن لك أن تمايز بين موقف إيران التي جعلت من فصيلي حماس والجهاد الإسلامي مجرد عضوين في مجموعة أذرعها، حين وضعت علميهما خلف قائد القوة الجوية في الحرس الثوري الإيراني الذي يظهر للعلن كل أسبوع تقريباً، وبين موقف عربي رصين يطلب وقفاً فورياً لإطلاق النار في غزة ويعمل من أجل ذلك.
لقد أثبتت التجارب أن المليشيات عاجزة عن تحرير المقدسات، وأن الاستمرار بالمتاجرة بالقضايا العادلة ضرب من الجنون المضر بأصحاب القضية العادلة نفسها، ومؤكدٌ أن أهل غزة اليوم يدفعون ثمن خبث وعدوان بنيامين نتنياهو، الذي يُتهم بأنه دعم حماس مالياً بغية تعزيز الانقسام على مدى سنوات، ودفعوا كذلك أثماناً باهظة من حياتهم ومستقبلهم نتيجة صلف زعماء حماس المتباهين الآن بأن "المقاومة" كما يصفونها بخير، لكن في المقابل نقول ألن يسألهم عاقل: وماذا عن المدنيين، هل هم بخير؟، الجواب طبعاً لا.. لأن الكارثة أكبر من أن توصف.
وبالعودة إلى سقف من حرَّض على رفض خيارات السلام، وعَّرض فلسطين لخطر محدق، يجب التوقف عند حقائق مفادها، أن القطاع بالفعل كان محاصراً، لكن 600 شاحنة كانت تدخله يومياً، و18 ألف عامل من أهل غزة كانوا يعلمون داخل إسرائيل، واليوم القطاع منكوب نكبة لم بسبق له أن شهدها، فأين إيران التي تفاخر عبر قادة حرسها بتلقي 3 اتصالات يومية من أمريكا؟
ودون أدنى شك، يفعل الأخوة العرب ما بوسعهم من أجل إنهاء حمام الدم بغزة، الإمارات تساعد بقوة وتنشط على مستوى مجلس الأمن الدولي بصفتها العضو العربي الوحيد به وجسرها الجوي يتواصل لتقديم الغوث والعون، والسعودية تعقد القمم وترسل الإغاثة وتضغط سياسياً ودبلوماسياً، ومصر وقطر تتوسطان، والأردن يحذر وينذر.
هذه عينة من مواقف محور عربي معتدل، لن تتوقف كلماتنا عن الإشادة به وعن شكره على مجهوده، فليس هذا المحور العاقل يهوى الشعارات أو يرحّب بالعنتريات أو يؤمن بمغامرات المليشيات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة