عندما استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس، رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري، تكون قد سقطت كذبة 2017 على الإطلاق
عندما استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس، رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري، تكون قد سقطت كذبة 2017 على الإطلاق، وأعني بها مزاعم «إيقاف» أو «احتجاز» السعودية للحريري، في الوقت الذي كان له مطلق الحرية في أن يستقبله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مرتين، ويسافر بطائرته الخاصة إلى أبوظبي ويعود، ويستقبل سفراء ووزير خارجية فرنسا، ويلتقي البطريرك الماروني بشارة الراعي، ويجري مقابلات تلفزيونية، ويمارس حياته الاعتيادية باعتباره مواطناً سعودياً، وقبل ذلك كله شخصية سياسية حليفة للمملكة، بالإضافة إلى تأكيداته المتكررة عبر حسابه في «تويتر» أنه باقٍ في السعودية لإجراء المزيد من المشاورات السياسية، ومع ذلك ومنذ إعلان الاستقالة والإشاعات والتكهنات والتحليلات لم تتوقف بحثاً عن معاكسة المنطق، وإذا كان إطلاق الشائعة التي بدأت من إعلام «حزب الله» ليس غريباً ومتوقعاً، فهم يرغبون في صرف النظر عن القضية الأساسية من الاستقالة، وهي سلاح «حزب الله» الذي أضحى عبئاً لا يطاق على الدولة اللبنانية، فإن دخول أطرف أخرى رسمية ودولية على خط ترويج الإشاعة هو اللافت والأول من نوعه سياسياً.
بدأها الرئيس ميشال عون باتهام مفاجئ لا يليق برئيس دولة، راغباً في استدراج الرياض إلى رد فعل أكبر، وفي نفس الوقت أكد من خلاله موقف السعودية أن الدولة اللبنانية فعلاً مختطفة من «حزب الله»، ثم سايره بعض وسائل إعلام رصينة، غير أن الطامة الكبرى أتت من العاصمة الألمانية برلين بتصريحات وزير خارجيتها سيغمار غابرييل الذي زعم أن الحريري «محتجز» ضد إرادته، وهو موقف تصعيدي غير مقبول ولا يتماشى مع أبجديات الدبلوماسية، طبعاً سريعاً وبعد ساعات ظهرت هشاشة موقف الوزير الألماني عندما غرّد الحريري على موقع «تويتر»: «القول: إنه تم احتجازي في السعودية وإنني ممنوع من المغادرة مجرد كذبة، وأنا الآن في طريقي إلى المطار سيد سيغمار غابرييل». ما أسوأه من موقف فظيع تعرض له غابرييل لا يحسده عليه أي وزير خارجية في العالم، وليس هو فقط مَن وضع نفسه في زاوية حرجة، وإنما كل الدوائر الرسمية وغير الرسمية التي دارت في فلك كذبة 2017.
أحسنت وزارة الخارجية السعودية فعلاً باستدعاء سفيرها في برلين للتشاور، وتقديم مذكرة احتجاج للسفير الألماني في الرياض، فهذه الخطوة الدبلوماسية ليست موجهة إلى برلين وحدها، بقدر ما هي أيضاً لكل أولئك الذين دخلوا على الخط
تبايُن المواقف الأوروبية من استقالة الحريري يشير إلى أن هناك رغبة خفية لدى البعض منها في استمرار سياسة غض النظر عن دور «حزب الله» في الهيمنة على القرار اللبناني، وكذلك عدم اتخاذ إجراءات جادة لمنع ممارسته في تهديد أمن المنطقة، والأدهى والأمرّ اعتقادهم أن الرياض مستعدة للتساهل، كما يفعلون، من باب «التعايش» مع قضية أزلية تكبر يوماً بعد الآخر، بالطبع يؤجلون حل المشكلات ظناً منهم أنهم غير متضررين من عدوانية ميليشيا «حزب الله»، وهم هنا يكررون خطأ التعامل مع الجماعات الإرهابية في سوريا، عندما بُحّ صوت السعودية من خطر هذه الجماعات على العالم بأسره، وتعامل العالم بنعومة وبعدم جدية معها حتى أصبحت غولاً أصاب العالم بذعر، وإذا كانوا يريدون تكرار الخطأ فإن الرياض غير عازمة أبداً على انتظار حل يأتي متأخراً، وإنما هي قادرة على اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية أمنها من إرهاب «حزب الله».
أحسنت وزارة الخارجية السعودية فعلاً باستدعاء سفيرها في برلين للتشاور، وتقديم مذكرة احتجاج للسفير الألماني في الرياض، فهذه الخطوة الدبلوماسية ليست موجهة إلى برلين وحدها، بقدر ما هي أيضاً لكل أولئك الذين دخلوا على الخط، فالمملكة لن تقبل الدخول في مماحكات سياسية وإغفال القضية الأساسية، وهي التعاطي بجدية مع سلاح «حزب الله»، وعجباً لدول تدّعي مكافحة الإرهاب وتعترف بأن هناك ميليشيا تقوم بأعمال إرهابية، وتسهم في زعزعة استقرار المنطقة، لكن ما إن تدق ساعة الصفر وتبدأ المعركة الحقيقية لوضع حدٍّ لتلك الممارسات، تتوارى تلك الدول عن الأفعال وتنسى مواقفها، وتسعى للتضليل واختلاق أزمات لا ضرورة لها، والدخول في هرطقة سياسية وقانونية ودبلوماسية.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة