دار هارلكوين تختبر الترجمة بالذكاء الاصطناعي.. مخاوف من تسريح غير معلن للمترجمين
تتزايد مخاوف العاملين في قطاع الترجمة بفرنسا من أن يشهد المجال موجة إقصاء تدريجية لصالح تقنيات الذكاء الاصطناعي، في ظل لجوء مؤسسات كبرى إلى حلول رقمية بديلة، ما يضع المهن الإبداعية أمام تحديات غير مسبوقة.
وفي هذا السياق، أفادت إذاعة «20 دقيقة» الفرنسية بأن دار نشر هارلكوين، المعروفة عالميًا برواياتها العاطفية، أنهت خلال الأسابيع الأخيرة تعاونها مع عدد من المترجمين، في خطوة تهدف إلى استبدالهم بوكالة تعتمد على الترجمة بالذكاء الاصطناعي، بحسب ما نددت به جمعيات مهنية في القطاع.
في المقابل، أكدت دار النشر أن ما يجري حاليًا يندرج في إطار «اختبارات» لا تزال في مراحلها الأولى.
وأوضحت جمعية المترجمين الأدبيين في فرنسا، إلى جانب جماعة «لحم ودم» المدافعة عن الترجمة البشرية، في بيان صدر مطلع الأسبوع، أن مترجمين يتعاملون بانتظام مع هارلكوين تلقوا اتصالات هاتفية متتالية لإبلاغهم بإنهاء التعاون معهم، بعد سنوات من العمل المشترك.
وبحسب البيان، المدعوم من منظمات ونقابات عدة في قطاع الكتاب، فإن دار هارلكوين قررت التوجه نحو الترجمة الآلية عبر متعهد خارجي، حيث تتولى وكالة الاتصال «Fluent Planet» إدخال النصوص إلى برامج ترجمة آلية، على أن يقوم مراجعون مستقلون بإعادة تحريرها إلى اللغة الفرنسية فيما يُعرف بمرحلة «ما بعد التحرير».
ويرى المترجمون أن التعويض الوحيد المطروح أمامهم هو «إمكانية العمل بأجور أقل ومن دون أي ضمانات» لدى المتعهد الخارجي بدلًا من التعاقد المباشر مع دار النشر، معتبرين أن ما يحدث يشبه «خطة تسريح اجتماعي غير مرئية» تطال مهنيين يعمل بعضهم مع هارلكوين منذ سنوات طويلة بصفتهم فنانين–مؤلفين.
وحذروا من أن هذه الخطوة تُعد، بحسب علمهم، سابقة في قطاع النشر الفرنسي، حيث تنتقل دار نشر كبيرة وعلى نطاق واسع إلى الترجمة الآلية مع الاستعانة بمرحلة ما بعد التحرير، إلى جانب تعهيد العملية بالكامل خارج المؤسسة، وهو ما قد تكون له تداعيات عميقة على مستقبل المهنة.
من جهتها، ردت شركة «هاربر كولينز» الأميركية، المالكة لهارلكوين، في بيان مكتوب نقلته وكالة فرانس برس، مؤكدة أن أيًا من مجموعات هارلكوين «لم يُترجم بالكامل بواسطة ترجمة آلية مولدة بالذكاء الاصطناعي».
وأوضحت أن مبيعات سلاسل هارلكوين في السوق الفرنسية تشهد تراجعًا منذ سنوات، مشيرة إلى سعيها للاستمرار في طرح أكبر عدد ممكن من الإصدارات بأسعار منخفضة، مثل 4.99 يورو لسلسلة «أزور».
وأضافت أن الدار تُجري حاليًا اختبارات مع وكالة «Fluent Planet»، التي تعتمد، وفق وصفها، على «مترجمين ذوي خبرة يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي كجزء من عملهم»، فيما تقدم الوكالة نفسها بوصفها رائدة في الجمع بين التقنيات البشرية والرقمية في الترجمة.
وفي هذا الإطار، شدد المدير العام لوكالة Fluent Planet، تييري تافاكليان، على أن الذكاء الاصطناعي «أداة مساعدة وليس بديلًا عن المترجم»، مؤكدًا أن الكلمة الأخيرة تبقى دائمًا للمترجم البشري، وأن دار هارلكوين وضعت شرطين أساسيين يتمثلان في عدم المساس بالجودة الأدبية، والحفاظ على الدور المحوري للمترجم.
بدوره، يرى يان فيرغسون، المدير العلمي لمختبر LaborIA، أن مهن الترجمة والصحافة والتصميم الغرافيكي وغيرها من مجالات صناعة المحتوى تُعد اليوم الأكثر عرضة لتأثيرات الذكاء الاصطناعي، في وقت تتسارع فيه التحولات التكنولوجية ويُعاد فيه رسم ملامح مستقبل العمل الإبداعي.