بعد انتهاء المناظرة بين كامالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي المرشحة للانتخابات الرئاسية المقبلة، والرئيس السابق دونالد ترامب، بانت عوامل ترجح كفة وصول هاريس إلى البيت الأبيض، كأول سيدة تجلس في المكتب البيضاوي.
وهو ما أوحى به دونالد ترامب بنفسه، حين رفض خوض مناظرة ثانية مع هاريس.
توقُع فوز كامالا هاريس بالانتخابات الرئاسية المقبلة، لا يرجع فقط إلى محصلة المناظرة. فقد كانت هاريس متقدمة على ترامب في استطلاعات الرأي التي سبقت إجراء المناظرة، ثم جاء أداؤها مقابل أداء ترامب ليمنحها مزيداً من التقدم على ترامب.
التقدم أثناء الحملة الانتخابية ليس دليلاً مؤكداً على الفوز بالانتخابات. لكن هاريس تقدمت على ترامب قبل المناظرة ثم تفوقت بعدها بشكل أكبر. والأهم أن مقومات تفوق هاريس على ترامب ليست مؤقتة، بل ليست مرتبطة بالبرنامج الانتخابي أو حتى المواقف من قضايا مهمة للناخب الأمريكي. وإنما يرجع الأمر إلى عوامل شخصية بالأساس.
والمثير للدهشة، أن سمة "الشخصنة" في الانتخابات الحالية نبعت بالأساس من طبيعة دونالد ترامب وأسلوبه الشعبوي في الخطاب وتبنيه دائماً اقتراباً "شخصانياً" تجاه خصومه. وهي سمات ملازمة له وكانت واضحة خلال فترة رئاسته 2016 – 2020، ولم يحاول التخلي عنها أو تخفيفها في الحملة الانتخابية الحالية.
وبعد أن كان خصم ترامب في الانتخابات هو جو بايدن بأدائه "الشائخ" البطيء، فاجأت كامالا هاريس ترامب والجمهوريين بأداء حيوي ونشيط وخطاب حاد بل لاذع، أي أنها اقتحمت المساحة التي يجيد ترامب اللعب فيها وتوظيفها ضد خصومه، فإذا به يتهمها بتوظيف المسائل الشخصية انتخابياً، وهي نفسها الطريقة التي يجيدها هو لكنها هذه المرة استخدمت ضده.
من أهم أسباب ترجيح لفوز كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أنها كشفت هشاشة البرنامج الانتخابي لترامب، إذ لم تكتف بتوضيح مواقفها ورؤاها للقضايا المهمة لدى الناخب الأمريكي كإصلاح الاقتصاد ونظام الضرائب والإجهاض، فراحت تضرب ترامب بشدة في نقاط ضعف برنامجه وتحديداً بانتقاد وتفنيد مواقفه تجاه هذه القضايا وغيرها.
ومع أنها تقوم بذلك من بداية ترشحها، في لقاءاتها الانتخابية مع أنصار الحزب الديمقراطي، لم يكن هذا الفارق في صالحها واضحاً لدى شرائح أخرى من الناخبين خصوصاً أولئك المترددين ومن لم يحسموا موقفهم التصويتي بعد.
فكانت مناظرة الثلاثاء الماضي ضربة قوية لترامب من هذا المنظور، لأنها وضعت إجاباته في مقارنة مباشرة وبارزة مع إجابات هاريس بشأن نفس المسائل والقضايا، بشكل محدد، فوضح تماماً أن مواقف ترامب غير محددة أو على الأقل غير واضحة، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها قضية الإجهاض التي تهرب من السؤال حول موقفه تجاهها، بأنها باتت خاضعة لأحكام وقوانين كل ولاية.
وللغة الجسد وتأثيراتها على الناخبين دور مهم في فهم مسار الحملة الانتخابية لكل من المرشحين واستشراف نتائجها، وقد كانت مؤشرات التحليل النفسي والحركي لكل من ترامب وهاريس دلالات واضحة على تفوق الأخيرة مقابل تراجع لترامب، فقد بدت هاريس على ثقة بالغة في أنها الرئيس المقبل للأمريكيين، بينما عكست تعبيرات وجه ترامب حالة من التفاجُؤ وعدم التصديق.
وبينما كانت هاريس تتجه بأنظارها إلى ترامب مباشرة وتشير إليه بيديها وهي تتحدث عنه وتنظر إليه بنظرات حادة وهو يتكلم، كانت نظراته هو في معظم أوقات المناظرة شاخصة إلى الأمام دون هدف واضح، كما لو كان يهرب من الموقف بالتفكير بعيداً عن قاعة المناظرة.
إجمالاً، الجديد الذي جاءت به كامالا هاريس ويمنحها شعبية متزايدة باطراد، ليس مرتبطاً بالسياسات أو البرنامج الانتخابي، بقدر ما هو مرتبط بعوامل شخصية إيجابية بالنسبة لها وسلبية بالنسبة لدونالد ترامب، فهي تقدم نموذجاً للمرأة السمراء القوية التي لا تتورع عن توجيه اللكمات الكلامية مباشرة إلى وجه ترامب، فتُفقده التفرد بالانتقاد الشخصي اللاذع.
وبعد أن نجح ترامب في انتخابات 2016 باستعادة نموذج الأمريكي القديم "راعي البقر الشعبوي"، فإن هاريس تقترب من البيت الأبيض بالنموذج نفسه مضافاً إليه كونها امرأة تجمع إلى جانب أنثويتها شراسة وقوة وثقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة