أوسلو بعد 30 عاما.. مفاوض فلسطيني يروي الكواليس ويكشف الأوراق
ثلاثون عاما مرّت على اتفاق غير مكتمل لسلام لم يتحقق لشعب ما زال ينشد دولة يخشى أنها باتت أبعد ما يكون.
في مثل هذا اليوم قبل ثلاثة عقود، وفي حديقة البيت الأبيض، وقف الرئيس الأمريكي بِل كلينتون في قلب لحظة سياسية تاريخية: المصافحة بين رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين.
مصافحةٌ صنعت وقتها اختراقا كبيرا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبشّرت بعهد جديد في الشرق الأوسط، حين تم التوقيع على اتفاق أوسلو، الذي يقضي بموافقة إسرائيل على السماح للفلسطينيين بالحكم الذاتي المحدود والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني.
بيْد أنه وبعد مرور 30 عاما على ذلك الاتفاق، بدت آمال الفلسطينيين بالدولة المنشودة بعيدة المنال كما كانت دائما، ولا يزال احتمال السلام بين الجانبين بعيد المنال أيضا.
"العين الإخبارية" التقت حسن عصفور، أحد أعضاء الوفد الفلسطيني إلى مفاوضات أوسلو، فماذا لديه بعد كل هذه السنين؟.
يرى عصفور، أنه آن الأوان للتوجه الآن "لإعلان فلسطين كدولة تحت الاحتلال".
ويقول لـ"العين الإخبارية"، إن "ما يحدث الآن لا علاقة له باتفاق أوسلو الذي كان يؤمل أن يؤدي بعد مرحلة انتقالية من 5 سنوات إلى قيام دولة فلسطينية".
وعصفور هو واحد من عدد قليل من المفاوضين من الطرفين الذي ما زال على قيد الحياة بعد رحيل أحمد قريع "أبو العلاء" من الجانب الفلسطيني، ويائير هيرشفيلد ورون بونداك وأوري سافير من الجانب الإسرائيلي.
ويعتقد المفاوض الفلسطيني السابق، أن الاتفاق كاتفاق "انتهى منذ زمن بعد وصول اليمين الإسرائيلي إلى الحكم".
وأضاف "الاتفاق كاتفاق انتهى باغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين، ودُفن عمليا بانتخاب بنيامين نتنياهو رئيسا للوزراء في 31 مايو/أيار 1996، ورسميا عندما رفض نتنياهو تنفيذ تفاهم واي ريفر عام 1998، فقد وقعناه في واشنطن ولكن ما إن وصل إلى مطار اللد (بن غوريون) أعلن رفضه تنفيذ التفاهمات التي تنص على الانسحابات التي هو ضدها وهو أيضا ضد أوسلو وهذا ما أعلنه هو نفسه".
وتابع "تنفيذ نتنياهو لتفاهمات واي ريفر كان سيعني أنه بدأ بتنفيذ اتفاق أوسلو سيما وأنها كانت تنص على انسحابات إسرائيلية من مناطق مصنفة كمناطق "ب" (ذات السيطرة الأمنية الإسرائيلية والمدنية الفلسطينية) إلى مناطق "آ" (ذات السيطرة الفلسطينية الكاملة) في جنين والقدس، ولكن عندما وصل إلى المطار وجد تظاهرة لأنصاره من اليمين فقال لهم إنه لن ينفذ تلك التفاهمات".
وعن موقف الأمريكيين في هذه الجزئية، لفت عصفور إلى أنهم "قرروا إسقاط نتنياهو وشكّلوا لهذه الغاية خلية برئاسة السفير الأسبق في تل أبيب مارتين أنديك ونجحوا وجلبوا إيهود باراك رئيسا للوزراء، ولكن الأخير قال في حينه: لماذا ننفذ هذا الاتفاق فنذهب إلى مفاوضات الوضع الدائم، وذهبنا إلى كامب ديفيد الثانية" في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون وبمشاركة وفد فلسطيني برئاسة الرئيس الراحل ياسر عرفات.
أين بات أوسلو؟
وفي معرض رده على سؤال حول ماذا تبقى من أوسلو، أجاب حسن عصفور: "عمليا كاتفاق فإن ما تبقى منه لا علاقة له بالاتفاق، نهائيا، فلا توجد إلا مسميات، وإسرائيل لم تنفذ على الإطلاق أية جزئية انسحاب منذ عام 1995 وحتى تاريخه، لا من مناطق "ب" أو "أ" ولا من مناطق "ج" (ذات السيطرة الإسرائيلية الكاملة والتي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية) وحتى "ب".
مستدركا "صحيح أن السلطة الفلسطينية نتجت عن اتفاق أوسلو، ولكن موضوعيا بعد أن صارت فلسطين دولة عضوا (مراقب) في الأمم المتحدة عام 2012، أصبحت السلطة الوطنية نفسها عبئا على الدولة وليس العكس".
وأوضح "هذا هو الخطأ الأساسي الذي وقعت فيه السلطة الرسمية الفلسطينية، التي كان ينبغي لها في ذلك الحين أن تعلن عن فلسطين كدولة تحت الاحتلال، علما بأن المجلس المركزي الأخير انتخب رئيس دولة فلسطين ولم يأتِ على اسم السلطة على الإطلاق، فيما أن البيانات الرسمية الفلسطينية تشير إلى الرئيس محمود عباس باعتباره رئيس دولة فلسطين وليس رئيس السلطة".
وكان اتفاق أوسلو نصّ على قيام السلطة الفلسطينية لمرحلة انتقالية مدتها 5 سنوات تنتهي بالتوصل إلى اتفاق نهائي حول كل القضايا وهي القدس والحدود والمستوطنات واللاجئين والمياه والأمن.
وعن المرحلة الانتقالية، بيّن عصفور أنها "عبارة عن عملية تراكمية، بمعنى أن هناك ترابطا، فإسرائيل من ناحيتها تنفذ انسحابات من الأرض، والجانب الفلسطيني ينفذ تنسيقا، وهناك نص صريح في الاتفاق بعدم القيام بأي إجراء يجحف بمفاوضات الحل الدائم، بمعنى الاستيطان والحدود والقدس بشقيها الشرقي والغربي".
وأضاف: "لقد نص الاتفاق على أن التفاوض يكون على القدس، وهذا يعني القدس الشرقية والقدس الغربية، وفي المفاوضات حدثت معركة عندما أصرينا على وضع القدس ككلمة واحدة".
وأردف "الجانب الإسرائيلي لم ينفذ أي جزئية من الاتفاق، وبالتالي ما هي العلاقة بيننا وبين الإسرائيلي؟، فأوسلو تكاملي وليس إقطاعا، فإذا ما اقتطعت جزءا منه فلم يعد اتفاقا ويصبح انتقائيا وليس اتفاقا".
أين العقبة؟
ويعتقد عصفور أن إشكالية تنفيذ اتفاق أوسلو كانت باغتيال المتطرف الإسرائيلي إيغال أمير، رئيس الوزراء الراحل إسحق رابين في ساحة بتل أبيب، يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1995.
وحول هذا الجزء، لفت إلى أن الجانب الفلسطيني "لم يواجه مشاكل ذات معنى بالتطبيق مع رابين، وإنما المشكلة بدأت بعد وصول الطرف المعادي لأوسلو إلى الحكم، هذه هي المشكلة الأساسية والتي أدت إلى قتل الاتفاق".
واستطرد "بالمناسبة فإن رابين هو الذي جاء إلى منظمة التحرير الفلسطينية وليس العكس، وبعد لقاء سري عقد في لندن بمشاركة أحمد قريع "أبو العلاء" ويائير هيرشفيلد ورون بونداك انطلقت المفاوضات السرية في أوسلو".
"رابين أدرك أنه من أجل التوصل إلى اتفاق فإن عليه أن يتفاوض مع الرئيس عرفات وهذا ما حصل". يُكمل عصفور.
مخرجات
في المقابل، حدد عصفور 3 مخرجات تعتبر الأهم لاتفاق إعلان المبادئ، الأول: أنه نص على أن كل القدس خاضعة للمفاوضات، والثاني: عودة الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى فلسطين، والثالث: الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير وإسرائيل.
مخرجات يراها المفاوض الفلسطيني السابق، "أهم نقاط في اتفاق إعلان المبادئ، وليس الاتفاقيات اللاحقة" التي له ملاحظاته عليها.
وقال: "الكثير من الناس لا يفهمون حتى الآن معنى أن ينص الاتفاق على التفاوض على القدس بشقيها الشرقي والغربي وليس القدس الشرقية لوحدها".
وأشار إلى أن الاتفاق أعاد 600 ألف فلسطيني إلى وطنهم، معتبرا هذا الرقم "كبيرا وليس سهلا وهو جزئية مهمة بالاتفاق".
"ولكن هذه العملية"- يُكمل عصفور- " توقفت وما يحدث الآن لا علاقة له بأوسلو على الإطلاق، فمثلا الاتفاق نصّ على الضفة الغربية وقطاع غزة كوحدة جغرافية واحدة وولاية السلطة الفلسطينية عليها، فكيف يسمح الآن بأن يقول الإسرائيليون يهودا والسامرة؟".
أمريكا "كانت ضد أوسلو"
في سياق متصل، كشف عصفور النقاب أن "الولايات المتحدة الأمريكية كانت ضد أوسلو، لكن الأمريكيين تدخلوا فعليا عندما ضمنوا أن الاتفاق قد انتهى بعد اغتيال رابين وانتخاب نتنياهو رئيسا للوزراء، فعندها جاء المبعوث الأمريكي دينيس روس من أجل مفاوضات الخليل والتي اعترض على مشاركتي فيها".
وقال: "في شهر يوليو/ تموز 1993، جاء جورج شولتز وكان في حينه وزيرا لخارجية الولايات المتحدة، إلى القاهرة والتقى مع الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، فسأله وزير الخارجية المصري آنذاك عمرو موسى بوجود مستشار الرئيس أسامه الباز: ماذا عن مفاوضات أوسلو؟ فكان جوابه: إنها مزحة".
وتابع "في حينه أكد أسامة الباز للقيادة المصرية على أن كلام شولتز غير صحيح فأمريكا ضد، ولكن المفاوضات جدية ويجب أن نبقى مع الفلسطينيين، وهذا ما قاله لي شخصيا عمرو موسى".
المطلوب "الإعلان عن دولة تحت الاحتلال"
وبعد ثلاثين عاما من تلك المصافحة التاريخية، يؤكد عصفور أن المطلوب الآن هو " أن يعلن الرئيس عباس عن الدولة الفلسطينية، فعندها تصبح دولة تحت الاحتلال".
وأوضح أن "إعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال هو بمثابة ورقة قوية للذهاب إلى الأمم المتحدة وطلب حماية تحت البند السابع".