الإنسان يتعايش مع الآخر لأن ذلك من سنن الحياة والأفضلية للعمل الصالح والعدالة والإحسان.
بدأت في مطلع الستينيات ظاهرة تعليم الكراهية ورفض الآخر، وذلك عند قيام أنظمة عربية بغرس بذورها، وأخذت الصراعات الأيديولوجية والمصالح السياسية تنميها وترعاها وتغذيها حتى انتقلت بين الدول إلى داخل الدولة الواحدة، وأصبحت ككرة الثلج تكبر كلما تدحرجت وتزداد خطورة، وانتقلت إلى المناهج التعليمية والأدبيات المحلية لبعض الدول العربية، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من الثقافة المحلية لتلك الدول، فأنكر البعض على الآخر، وتحول الإنكار إلى كراهية، وتأصلت وتجذرت وتغلغلت حتى كادت أن تصبح ملازمة للشخصية العربية.
إن إطلاق الأسماء التِي يراد بها إظهار المخالف بالمنحرف أو بالتغريبي أو الليبرالي وغير ذلك من أسماء تقع في دائرة رفض الآخر ورفض المخالف. ونجد أن البعض ما زال يستخدم هذه المصطلحات بهدف التقليل من شأن المخالف
لقد تمت صياغتها بعناية فائقة حتى أصبح تقليد أهل الكتاب لدى البعض من المحرمات، في حين أن التقليد في الأمور الحسنة أمر جيد، ويجب الأخذ به، لكن صناعة الكراهية سعت إلى التحذير من التقليد أو الاقتداء، والتشنيع على كل من قلد الآخر بغض النظر عن العمل ونوعه. المهم هو الشكل عندهم حتى أصبح هناك تناقض عجيب في مجتمعاتنا. وللأسف الشديد تشدد المتشددون في رأيهم بحرمانية التقليد وتناسوا قوله تعالى في سورة الأنعام"أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ".
إن الدارس لأصول الفقه الإسلامي عِند أهل السنة والجماعة يجد أن أحد مصادر الفقه الشرائع السابقة وقد استدل الفقهاء على ذلك بقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»، وقوله صلى الله عليه وسلم «ضحوا، فإنها سنة أبيكم إبراهيم عليه السلام».
الإنسان يتعايش مع الآخر لأن ذلك من سنن الحياة والأفضلية للعمل الصالح والعدالة والإحسان فما بين المَرْء وبين الله لا يعلم حقيقته إلا رب العباد. هذه المفاهيم تضيع أمام ثقافة كراهية الآخر التِي تأصلت وتجذرت حتى لم يعد ينكرها بعض من أولي النهي والعقل بل حل محل الإنكار التحذير من الآخر والخوف منه ومن فكره وتغريبه وتشريقه.
إن إطلاق الأسماء التِي يراد بها إظهار المخالف بالمنحرف أو بالتغريبي أو الليبرالي وغير ذلك من أسماء تقع في دائرة رفض الآخر ورفض المخالف. ونجد أن البعض ما زال يستخدم هذه المصطلحات بهدف التقليل من شأن المخالف. وقد استغل الظلاميون هذا الفكر فأصبحوا يكفرون المخالف، وكل أدبيات القاعدة وداعش ومن سار في ركابهم من الظلاميين تفيض بالكراهية للمخالف. وبهذا استحلوا الدماء والأعراض ولم يجدوا حرجاً في سب وقذف المخالف. إن هذا الفكر يشكل خطورة على السلم الاجتماعي. وما يحصل في ليبيا والصومال وسوريا خير دليل على طغيان ثقافة الكراهية وتحولها لداخل المجتمع الواحد، والله المستعان.
نقلا عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة