"فينيسيا العراق".. شناشيل البصرة تستعيد رونقها التاريخي
خطوة بخطوة تستعيد "شناشيل البصرة"، القابعة عند الجنوب العراقي، رونقها وعبقها التاريخي بشرفاتها الخشبية وهندستها البديعة.
وتعكس "شناشيل البصرة" جزءا مهما من تاريخ العراق، وحكايا بيوتات رجاله، ومن عاشوا فيها من شخصيات وعوائل ميسورة الحال.
وتتميز بيوت "الشناشيل" بالمتانة والجمال، وتتألف من طابقين: الأول يبنى بالطابوق (مادة بناء)، والثاني تكون واجهته من الخشب، وهي بخلاف البيوت التقليدية تمنح سكانها إحساساً بالجو الخارجي دون إخلال بالخصوصية.
وتصميم هذه البيوت يحقق تحكماً مريحاً في كمية أشعة الشمس وشدة الضوء داخل الغرف، فضلاً عن التحكم في اتجاه حركة الهواء أسفل أو أعلى الغرف من خلال (القلاليب)، وفي نفس الوقت تبدو "الشناشيل" متناسقة تماماً مع المناخ الاجتماعي السائد، فالجالس وراء الشرفات الخشبية لهذه البيوت يرى ما يجري في الخارج، ولا يراه من بالخارج.
ويعتقد مختصون أن "الشناشيل" حلقة وصل بين فنون العمارة البصرية بطابعها القديم ونسقها الحديث، وأن انتشارها في البصرة ابتداءً من القرن السادس عشر يرتكز على مبررات موضوعية، فالبصرة معروفة برخاوة تربتها وارتفاع مناسيب مياهها الجوفية، وبيوت "الشناشيل" خفيفة نسبياً بسبب استخدام الخشب في تشييدها، ولا تحتاج عند البناء إلى حفر أسس عميقة.
كما أن مناخ البصرة اللاهب صيفاً يجعل توظيف الخشب في البناء ضرورة لتخفيف الحرارة، فضلا عن وفرة الخشب بأسعار مناسبة آنذاك، وكثرة الأيدي العاملة الماهرة، والكثير منهم كانوا من الهنود، ولهذا ثمة بصمة واضحة للعمارة الهندية في هذا الطراز من البناء.
وتقع أغلب تلك الشناشيل أو ما تعرف بـ"فينيسيا" العراق، في منطقة نظران عند منطقة البصرة القديمة، حيث ما تزال شامخة رغم التقادم والتهالك في أسسها والتصدع الذي أصاب أغلب مرافقها وتآكل شرفاتها المزخرفة.
مؤخراً وبعد أن ظلت تلك الشناشيل القديمة التي تمثل أرثاً حضارياً ومعلماً تاريخياً مغطاة بالإهمال الحكومي طيلة السنوات الماضية، بدأت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، بتنفيذ حملة لإعادة ترميم بعض تلك البيوتات بتمويل من الاتحاد الأوروبي.
مصطفى جاسم محمد مدير آثار البصرة، أوضح لـ"العين الإخبارية"، أن منظمة اليونسكو بدأت منتصف الشهر الماضي بترميم ثلاثة مواقع تراثية في منطقة نظران وهي بيت الفنانين التشكيلين واتحاد الأدباء والكتابة وقصر الثقافة، ويشمل ذلك ترميمها وصيانتها وإعادة إحيائها بمواد مطابقة لقانون الآثار من حيث المواد المستخدمة وبإشراك ممثلية وزارة الثقافة والآثار.
ويضيف محمد، أن "العمل مازال جارياً في تلك المواقع على أمل الانتهاء منها ما بعد 4 شهور"، لافتاً إلى أنه في الوقت ذاته "هنالك تسع بيوت أخرى تم تجهيزها لخطة عام 2023، بعد مسحها ووضع التصاميم لها، فضلاً عن أن المرحلة المقبلة ستشمل ترميم قناة نهر العشار بمسافة 700م عند المنطقة التراثية".
وبشأن ملكية تلك البيوت، يقول محمد إن "أغلبها تعود ملكيتها لسلطة المحافظة بواقع 42 داراً فيما لا تمتلك وزارة الثقافة والآثار سوى اثنين، فيما يعود المتبقي منها إلى ملكية خاصة بعوائل معروفة بينها النقيب وباشا عيان.
ويأتي مسعى ترميم الشناشيل القديمة ضمن مشروع أطلق من قبل "اليونسكو" عام 2018 يعرف بـ"إحياء مدينتي البصرة والموصل القديمتين".