تحقيق البيطار يرعب حزب الله.. "كاد المريب أن يقول خذوني"
"كاد المريب أن يقول خذوني".. مثلٌ عربي ينطق بلسان حال حزب الله في لبنان، مع محاولات ترهيبه الحكومة الوليدة في هذا البلد.
ترهيبٌ أساسه إجهاض التحقيق في كارثة مرفأ بيروت التي ما زالت ماثلة بسوادها أمام أعين اللبنانيين والعالم، خوفا من حقيقة قد تطلق الرصاصة القاتلة على الفاعل.
فعلى مدار يومين متتاليين، أرجأ مجلس الوزراء اللبناني جلسته اليوم الأربعاء، للبحث في اتخاذ موقف بشأن المحقق العدلي طارق البيطار في قضية انفجار مرفأ بيروت بعد وعيد "حزب الله".
وأمس الثلاثاء، دار نقاش حاد داخل اجتماع مجلس الوزراء، حول إجراءات القاضي طارق البيطار، تخللته مواقف حادة لوزراء "حزب الله" وحركة أمل رفضاً لإجراءاته.
الوزراء دعوا الحكومة اللبنانية إلى إقالة البيطار وهو الأمر الذي رفضه آخرون خاصة وزير العدل هنري خوري الذي اعتبر أن لا صلاحية لمجلس الوزراء بالتدخل في موضوع التحقيق العدلي.
إلاّ أن وزراء حزب الله وأمل، أصروا على موقفهم وهددوا بالانسحاب من الحكومة أو تعليق مشاركتهم، ما دفع الرئيس ميشيل عون إلى إنهاء الجلسة، وتحديد موعد آخر، اليوم الأربعاء لدراسة الموضوع.
وعلى مدار ساعات الليل، جرت محاولات عدة للوصول إلى مخرج يقي مجلس الوزراء الوليد، من الانفجار المبكر.
وعلمت "العين الإخبارية" أن وزير العدل عمل على إيجاد صيغة حلّ عرضها على عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، قبل الجلسة تقوم على مراعاة الأصول القانونية والدستورية ومنها مبدأ فصل السلطات وعدم أحقية الحكومة بالتدخل في السلطة القضائية.
غير أن هذا الرأي لم يرض "حزب الله" الذي أصر على ضرورة اتخاذ الحكومة موقفاً من التحقيق أو تغيير القاضي البيطار فوراً.
ونظراً لعدم التوافق، تم تأجيل الجلسة لإجراء محاولات أخرى.
واكتفى بيان صادر عن رئاسة الجمهورية اللبنانية بعبارة "بعد التشاور بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، تقرر تأجيل جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة بعد ظهر اليوم".
لكن اللافت في البيان الذي اطلعت عليه "العين الإخبارية" أنه لم يحدد موعداً لاجتماع الحكومة بما يشي أن الأخيرة دخلت في أزمة حقيقية.
وعيد "حزب الله"
وكان أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله قد وجه تهديداً مباشراً لقاضي التحقيق خلال إطلالة تلفزيونية له، حذره فيها أن استمراره بالتحقيق كما يسير به "سيشعل البلد".
وفي إطار الترهيب، تحدث المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري وأحد المستدعين إلى التحقيق، النائب علي حسن خليل، عن "تصعيد سياسي، وربما من نوع آخر، في حال عدم تصويب مسار هذه القضية (تحقيقات المرفأ)"، معتبراً أن "المسار القضائي المتَّبَع يدفع البلاد نحو الفتنة".
وهدد خليل المنتمي لكتلة حركة أمل التي يتزعمها بري، باستعمال الشارع لإزاحة القاضي البيطار.
يذكر أن القاضي البيطار كان قد أصدر، بالأمس، مذكرة توقيف بحق النائب خليل، إثر تخلفه عن حضور التحقيق.
"المنطق المقلوب" والمسمار الأخير
وتعليقاً على الهجمة الشرسة ضد التحقيق والمحقق، قال رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع: "انفجار أطنان من النيترات بعاصمة لبنان فتلك مسألة فيها نظر أمّا أن ينبري القضاء اللبناني لمحاولة كشف ما حصل فتلك جريمة لا تغتفر".
وأضاف جعجع بعد اجتماع استثنائي لتكتل "الجمهورية القوية”: "هذا هو المنطق المقلوب السائد في لبنان منذ سنوات وسنوات والمقرون بلغة الفرض والتهديد والقوة والإكراه والخطوط الحمر والصفر، بغية تزوير الحقائق وقلب الوقائع ومزج السم بالدسم وقتل القتيل والمشي بجنازته بهدف استباحة السيادة أكثر فأكثر".
واعتبر جعجع أنّ "ما يحصل اليوم مع القاضي بيطار وما حصل بالأمس مع القاضي صوّان (المحقق العدلي السابق تمت رفع يده عن التحقيق)، لا يشّذ عن هذه القاعدة. إمّا رأس القاضي البيطار أو رأس الحكومة، إمّا "إزاحة البيطار" أو تفجير الشارع وتفجير البلد وبطبيعة الحال تفجير الحكومة! ".
ولفت إلى أنّ "الخضوع المتتالي لمعادلات الترهيب المتواصلة منذ سنوات أوصل اللبنانيين إلى ما هم عليه اليوم، لذلك فإن أي ابتزازٍ إضافي تخضع له رئاستا الجمهورية والحكومة بخصوص تحقيقات جريمة المرفأ هو بمثابة مسمارٍ إضافي، وربما أخير، في نعش ما تبقّى من دولةٍ لبنانية".
مستطردا " الخضوع في الحالة الحالية هو اشتراك مباشر أو غير مباشر بجريمة تفجير المرفأ، وأن الشريك بالجرم لا يقل مسؤولية عن المجرم المباشر".
وشدد رئيس حزب "القوات" على اأّ "المطلوب اليوم من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والحكومة مجتمعة، أن يتحمّلوا مسؤولياتهم في رفض الإذعان لترهيب حزب الله".
وتابع محذرا "إذا أوقفوا التحقيقات بملف المرفأ خضوعا لهذا الترهيب فعليهم الاستقالة فورا بدءا من رئيس الجمهورية الذي يفترض أن يكون ساهرا على احترام الدستور، مرورا برئيس الحكومة ووصولا إلى الحكومة."
وأردف: "أمّا فيما يتعلق بالتهديد للجوء إلى أساليب أخرى لمحاولة قمع القاضي البيطار، فإنني أدعو، من هنا، الشعب اللبناني الحر، ليكون مستعداً لإقفالٍ عامٍ شاملٍ سلميّ، في حال حاول الفريق الآخر استعمال وسائل أخرى لفرض إرادته بالقوة".
بدوره رأى حزب الكتائب أن "ما حصل في مجلس الوزراء أثبت كذبة الحكومة المستقلة، وأكد بما لا يقبل الشك أن حزب الله أطبق على المؤسسات وأسقط كل اعتبار لمفهوم الدولة وها هو اليوم يترجم وعيد أمينه العام للقضاء والقضاة ويهدد بفائض قوته وسلاحه ويفرض إرادته على كل مفاصل الدولة".
وقال بعد اجتماع مكتبه السياسي إن "ما يحصل اليوم مرفوض بكل تفاصيله ويضرب أسس الدولة ومبدأ فصل السلطات، ويهدد بإسقاط ما تبقى من قضاء حر نزيه ويكمم أفواه القضاة اللبنانيين الشجعان الذين يرفضون الرضوخ للتهديد والوعيد وهو أمر لا يمكن السكوت عنه بأي حال وسيواجه بالمناسب ".
ولفت إلى أن محاولة إظهار إيران وكأنها الصديق الذي يسعى إلى تخليص لبنان من الحصار المفروض عليه كما ادعى وزير خارجيتها وكما يسوق حسن نصرالله يجافي الواقع والحقيقة .
وبعد أكثر من عام على التفجير الذي دمّر العاصمة بيروت وأدى إلى سقوط آلاف الجرحى وأكثر من 200 قتيل، لم تصل التحقيقات إلى نتيجة حاسمة، فيما يرفض معظم المسؤولين رفع الحصانات عن النواب والوزراء للمثول أمام القضاء.