حزب الله في ميزان اللبنانيين.. خريطة انهيار النفوذ
ماذا يعتقد اللبنانيون عن حزب الله؟.. وكيف يمكن لآرائهم أن تشكل المرحلة التالية من الصراع بالشرق الأوسط؟
تساؤلات طرحتها مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية، كشف عن المستويات التي وصلت إليها شعبية حزب الله الذي يوشك على بدء حرب تسقط لبنان الذي يقف على حافة الهاوية بالفعل.
- محلل إسرائيلي يكشف لـ«العين الإخبارية» سر دقة الضربات ضد حزب الله
- حزب الله وحماس وهدنة غزة.. أي تأثير للدعم والوعد؟
فمنذ أن شهد لبنان انهيارًا شبه كامل للاقتصاد في عام 2019، واجه المواطنون اللبنانيون العاديون تحديات هائلة، لكن تلك الحرب بحسب محللين ستكون القشة التي تقصم ظهر البعير.
وكشف أحدث استطلاع للرأي نقلته «فورين أفيرز» عن منظمة «الباروميتر العربي»، الذي أجرته في لبنان بين فبراير/شباط وأبريل/نيسان 2024، وشمل جميع مناطق البلاد، بما في ذلك المناطق الحضرية والريفية، وغطى جميع الطوائف الرئيسية، عن «عمق يأس اللبنانيين».
يأس وفقدان للأمل
ويقول نحو 80% من المواطنين إن توافر الغذاء وبأسعار معقولة يمثل مشكلة حاليًا، وأفاد 68% بأن الطعام ينفد أحيانًا أو غالبًا قبل أن يتمكنوا من شراء المزيد.
وأفاد المستجيبون للاستطلاع بأدنى مستوى من الرضا في المنطقة عن توفير المياه والكهرباء والوصول إلى الإنترنت والرعاية الصحية وصل 92% منهم، وهو ما يزيد بنحو 43 نقطة عن أسوأ أداء يليهم، الأراضي الفلسطينية، التي شملها الاستطلاع قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول مباشرة.
وينطبق الأمر نفسه على نقص المياه الأسبوعي، الذي أفاد به 65% من المستجيبين اللبنانيين ــ وهو ما يزيد بنحو 17 نقطة عن أسوأ أداء يليهم (مرة أخرى، الأراضي الفلسطينية).
كما أن الأمل في المستقبل ضئيل للغاية. إذ يعتقد 13% فقط من المواطنين أن الوضع سوف يتحسن في غضون العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة.
ويعتبر غالبية اللبنانيين أنهم أسوأ حالاً من آبائهم (أكثر من 50%)، ويعتقد 28% فقط أن أطفالهم سوف يتمتعون بنوعية حياة أفضل من تلك التي يتمتعون بها.
شعبية «متدنية»
كما كشف استطلاع الرأي بوضوح أن حزب الله، على الرغم من كونه قوة دافعة في السياسة اللبنانية، لا يتمتع بدعم واسع النطاق في مختلف أنحاء البلاد.
وبحسب الاستطلاع فإنه على الرغم من النفوذ الكبير لحزب الله في لبنان، فإن عدد قليل نسبيًا من اللبنانيين يؤيدونه.
ويقول 30٪ فقط إنهم يثقون كثيرًا في حزب الله، بينما يقول 55٪ إنهم لا يثقون على الإطلاق. وتختلف مستويات الثقة على نطاق واسع حسب الطائفة.
وبين السكان الشيعة، يقول 85٪ إنهم يثقون كثيرًا في حزب الله، وبالمقارنة، فإن 9٪ فقط من السنة والدروز على التوالي، و6٪ من المسيحيين يقولون الشيء نفسه.
كما لا يوجد تأييد واسع النطاق بين اللبنانيين لدور حزب الله في السياسة الإقليمية. إذ يقول ثلثهم فقط إنهم يوافقون أو يوافقون بشدة على أن انخراط حزب الله في السياسة الإقليمية أمر مفيد للعالم العربي، في حين يعارض ذلك بشدة أغلبية تبلغ 42%.
ومن غير المستغرب أن الشيعة اللبنانيين هم الأكثر ميلاً إلى تقييم دور حزب الله في الشؤون الإقليمية باعتباره إيجابياً (78%)، مقارنة بنحو 13% فقط من السنة، و12% من المسيحيين، و16% من الدروز.
ومع ذلك، فإن التصور بأن دور حزب الله في السياسة الإقليمية إيجابي قد زاد بمقدار 9 نقاط منذ عام 2022، لكن هذه الزيادة تشير على الأرجح إلى التعاطف مع موقف حزب الله تجاه إسرائيل وليس إلى الدعم العميق للجماعة نفسها.
وباعتبار إيران، الراعي الرئيسي لحزب الله، فليس من المستغرب أن تعكس وجهات نظر اللبنانيين تجاه إيران مواقفهم تجاه دور حزب الله في السياسة الإقليمية.
إذ إن 36% من اللبنانيين يحملون وجهة نظر إيجابية للغاية أو إيجابية إلى حد ما تجاه إيران، مع ظهور الانقسام الطائفي مرة أخرى: 80% من الشيعة يفعلون ذلك، مقارنة بنحو 26% فقط من الدروز، و15% من السنة، و15% من المسيحيين.
ورغم أن مكانة حزب الله تتشكل وفقاً لكيفية نظر اللبنانيين إلى الوضع في غزة، إلا أنه على الرغم من المكاسب التي حققتها الجماعة، فإن سياساتها وأفعالها لم تسفر عن قدر كبير من الدعم بين الطوائف المختلفة.
فعلى المستوى الوطني، يشعر 12% فقط من المواطنين بأنهم أقرب إلى حزب الله كحزب سياسي.
والشيعة هم الطائفة اللبنانية الوحيدة التي يقول أكثر من 1% من أعضائها إنهم يشعرون بأنهم أقرب إلى حزب الله من بين كل الأحزاب في البلاد.
وحتى بين الشيعة، يقول 39% فقط إنهم يشعرون بأنهم أقرب إلى حزب الله، وهي نفس النسبة تقريباً (37%) التي تقول إنهم لا يشعرون بأنهم أقرب إلى أي حزب سياسي.
عدو عدوي
ويعبر المواطنون اللبنانيون عن أدنى مستوى من الثقة في الزعماء والمؤسسات السياسية من أي بلد شمله استطلاع أجرته مؤسسة الباروميتر العربي.
وقال 9 من كل 10 من اللبنانيين بالاستطلاع إنهم لا يثقون كثيراً في حكومتهم أو البرلمان أو الرئيس أو رئيس الوزراء، ويقول 94% من المواطنين اللبنانيين إنهم غير راضين عن أداء الحكومة.
وعلاوة على ذلك، قال 3 من كل 4 إنهم لا يثقون في الزعماء الدينيين؛ ويقول 65% إن الزعماء الدينيين من المرجح أن يكونوا فاسدين مثل غير الدينيين.
ومن اللافت للنظر أن المؤسسة العامة الوحيدة التي يُنظَر إليها باعتبارها تتمتع بأي قدر كبير من المصداقية هي القوات المسلحة اللبنانية، التي تحظى بثقة 85% من المستجيبين ــ وهي نسبة أعلى كثيراً من ثقة حزب الله أو أي جهة فاعلة أخرى.
ويعرب أفراد جميع الطوائف عن مستويات مماثلة من الثقة في القوات المسلحة اللبنانية. وربما يكون هذا مرتبطاً بحقيقة مفادها أن القوات المسلحة اللبنانية تضم أفراداً من جميع الطوائف اللبنانية، وهي أكبر جهة توظيف في البلاد، وتوفر شبكة أمان بالغة الأهمية لأفراد الخدمة وأسرهم.
وفي حين تتأهب إسرائيل وحزب الله لاحتمال تصعيد الصراع بينهما، يتعين عليهما أن يأخذا في الاعتبار السياق الذي قد تندلع فيه حرب جديدة وفترة من عدم الاستقرار الشديد.
وبحسب فورين أفيرز فمن المرجح أن يترسخ هذا المنطق الأساسي ــ عدو عدوي صديقي ــ إذا اختارت إسرائيل شن حرب أكبر ضد الجماعة، وخاصة إذا غزت القوات الإسرائيلية لبنان.
ومن شأن الحملة العسكرية الإسرائيلية في لبنان أن تضخم إلى حد كبير كل الصعوبات التي يواجهها المواطنون العاديون بالفعل، وسينظر كثيرون إلى دعم حزب الله باعتباره وسيلة براغماتية للدفاع عن وطنهم، الأمر الذي يجعل من الصعب على إسرائيل تحقيق أهدافها.
وفي الوقت نفسه، إذا ما نظرنا إلى حزب الله باعتباره الطرف الذي تسبب في امتداد الحرب إلى لبنان، فقد يخسر الدعم المحدود الذي اكتسبه منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول من جانب سكان لبنان غير الشيعة.
ذلك أن اللبنانيين العاديين لا يريدون حرباً في وطنهم. وإذا اندلعت حرب وألقى اللبنانيون باللوم على حزب الله، فقد تنخفض شعبيته.
وهذا من شأنه أن يجعل العديد من اللبنانيين يعارضون كلا الطرفين الرئيسيين في الحرب، وهو ما من شأنه أن يجعل ظروفهم الصعبة بالفعل أكثر صعوبة.
وشكل صعود حزب الله في العقود الثلاثة الماضية غيّر بشكل أساسي خللا في توازن القوة بلبنان وباعتباره الجهة الفاعلة غير الحكومية الأكثر تسليحًا في العالم، فقد صنفت معظم الدول الغربية حزب الله كمنظمة إرهابية.
ومع ذلك، يعمل حزب الله داخل لبنان كحزب سياسي قانوني وقوة أمنية: حيث تحكم المجموعة فعليًا جزءًا كبيرًا من البلاد، وخاصة في الجنوب والشرق.
وفي الواقع، تعمل المجموعة كدولة داخل الدولة، ولا تمتلك الحكومة الوطنية ولا القوات المسلحة اللبنانية القدرة على مواجهة حزب الله، مما يعني أن المجموعة قد تجر لبنان فعليًا إلى حرب مع إسرائيل بمفردها.
إرهاصات حرب
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن مؤخرًا أنه مع انتهاء العمليات العسكرية لبلاده في غزة، ستحول إسرائيل انتباهها إلى عدوها في الشمال: جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية.
وفي السنوات الأخيرة، كانت إسرائيل وحزب الله تنفذان هجمات عبر الحدود منخفضة النطاق، لكن وتيرة وحجم هذه الهجمات زادت في أعقاب الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والحملة العسكرية الإسرائيلية اللاحقة في غزة. في الأسابيع الأخيرة، وتزايدت المخاوف من اندلاع حرب كبرى أخرى بين الطرفين.