بعد مقتل القادة وضرب «الضاحية».. من يقرر في حزب الله؟
تحتدم الاشتباكات بين عناصر حزب الله والجيش الإسرائيلي على الحدود مع لبنان، لكن خلف خطوط القتال لا تزال أسئلة دون إجابات.
ويقول مراقبون إن مسار المواجهات بين حزب الله وإسرائيل يشير إلى أن الجماعة اللبنانية نجحت في تخطي ضربات موجعة، كانت كفيلة بالقضاء عليها، لكن آخرين يرون أن خطط المعارك التكتيكية لا صلة لها بفراغ موقع "العقل السياسي".
وخلال المواجهة الحالية بين حزب الله وإسرائيل بدا الأخيرة قادرة على تحقيق اختراق أمني عميق وهو الأخطر في تاريخ الصراع بين الجانبين.
وتمكنت إسرائيل من قتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أبرز قادة ما يسمى بـ"محور المقاومة" مخططه الاستراتيجي، كما تمكنت من قتل خليفته المحتمل حتى قبل تنصيبه هاشم صفي الدين، وكذا رئيس أركان الحزب فؤاد شكر، وكامل طاقم قيادة وحدة النخبة في الحزب.
وخسارة نصر الله ذات ثقل استراتيجي كونه أحد أبرز قادة المحور الإيراني في المنطقة، ويعد خليفة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني.
وحافظ نصر الله على مسافة من إيران على الأقل في العلن، وهو ما أقر به خصمه اللدود سمير جعجع رئس حزب القوات اللبنانية، الذي اعتبر في تدوينة على حسابه الرسمي على منصة "إكس" أن نصر الله كان يتيح هامشا لبنانيا في القرارات الرئيسية وهو ما انتهى بمقتله.
فهل بات قرار حزب الله إيرانيا؟
العميد المتقاعد والخبير العسكري خالد حمادة قال، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إننا لسنا في مرحلة انتقال قيادة حزب الله إلى جيل جديد بعد غياب جيل التأسيس، بل في مرحلة القيادة المباشرة من طهران لما تبقى من الحزب، وهذا ما يجعل لبنان جزءا من الصراع الدائر في المنطقة.
وأوضح أنه في ضوء الهزات الاستراتيجية التي تعرض لها حزب الله، لم يعد هناك أجيال في الوقت الحالي، ما من جيل جديد يرث حزب الله، أو توريث لصالح قائد جديد يتمتع بكاريزما، أو الاتجاه نحو تشكيل منظومة قيادة جماعية.
وأعرب حمادة عن اعتقاده أن حزب الله يواجه حاليا أزمة صعبة، تهدد وجوده لما كان لحسن نصر الله من تأثير عميق في الحزب وبيئته.
وأشار الخبير العسكري إلى أن التصريحات الخارجة من إيران تدلل على حالة الفراغ السياسي الراهن، إلى درجة دفعت مسؤولا إيرانيا هو رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف للقول إن الركيزة الأساسية للشعب اللبناني هو المرشد علي خامنئي والمسؤولون والشعب الإيراني، وإبداء استعداد طهران لبدء مفاوضات مع فرنسا حول القرار الأممي 1701 الذي أنهى جولة الصراع السابقة بين حزب الله وإسرائيل في 2006.
وفي 17 سبتمبر/أيلول الماضي، انفجرت الآلاف من أجهزة بيجر في وقت واحد في الضاحية الجنوبية لبيروت ومعاقل أخرى لحزب الله، وأدى ذلك إلى جانب هجوم ثان في اليوم التالي شمل تفجير أجهزة اتصال لاسلكية (ووكي توكي) إلى مقتل 39 شخصا وإصابة أكثر من 3400.
وتسبب الحادثان المتلاحقان في فقدان الثقة بحصانة البنية الأمنية لحزب الله، وخلق حالة شك وسط جمهوره.
انقسام محتمل؟
غياب القيادة في حزب الله وبقاء القرار في طهران يخلق ظرفا يمكن أن يشكل انقساما عموديا في الحزب بين رؤيتين، الأولى ترى أن يبقى لبنان في معادلة القرار الحزبي، فيما قد يرى الاتجاه الآخر تسليم القرار لطهران.
ورأى الدكتور هشام النجار، الكاتب بالأهرام والخبير السياسي المصري، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، أن الهيكل القيادي لحزب الله أضير بشدة نتيجة الضربات الإسرائيلية المتتالية والمدروسة جيدا، التي قضت على غالبية قادته المؤثرين في الصف الأول.
وأضاف "لا نغفل أن تفجيرات بيجر أصابت نسبة كبيرة من قادة الصف الثاني، لأن من يحملها هم المقاتلون، وقادة الأفرع والوحدات ما يعني حصول إرباك شديد للحزب في ظل ظروف استثنائية غير مواتية وحرب مستمرة".
وفي ظل هذه الظروف يعتقد النجار أن عملية انتقال القيادة بسلاسة، لأن هناك فراغا وافتقارا لقادة مؤهلين، وضعفا أيضا في التواصل وانعدام التنسيق.
وفي ملمح جديد، رجح الخبير المصري أن يكون هناك تنازع واختلافات يقود إلى تشكيل جناح داخل الحزب يراجع سياساته، ويطرح تصورا مختلفا وبرنامج عمل آخر مناسبا للمرحلة الحالية، حتى يتأقلم مع المتغيرات والواقع الجديد.
انفراط العقد
من جانبه، رأى المحلل السياسي الأردني الدكتور عادل محمود أن حجم الخسارة في حزب الله أكبر من قدرة الحزب على استعادة التوازن.
وأضاف أن ما "يجري يعد بداية نهاية حزب الله، حيث إن مستوى البديل للصفوف الأمامية من القادة لن يتمكن من ملء الفراغ".
وأوضح محمود أن إسرائيل أدركت أن مواجهة حماس تتطلب تفكيك البنية العسكرية للحركة في غزة، لكنها حينما اختارت المواجهة مع إسرائيل لجأت إلى رأس الهرم القيادي.
ولا يزال من غير المعروف ما إذا كانت استراتيجية إسرائيل ناجعة أو لا، لكن استمرار استهداف القيادات بعد مقتل نصر الله قد يؤشر على صعوبات في الأفق بانتظار الحزب.
قادة الظل
في المقابل أعرب الدكتور ألبير فرحات، الخبير الاستراتيجي المقيم في فرنسا، عن اعتقاده بأن من يدير المعركة الحالية في حزب الله هم قيادات الصف الثاني والثالث.
وأشار إلى أن قيادتهم لتلك المعركة قائم على أساس استراتيجيات موضوعة بالفعل، وضعها الجيل المؤسس، لافتا إلى أن الجيل الحالي في القيادة تدرب على أفكار القيادات العسكرية الرئيسية وأبرزهم عماد مغنية وفؤاد شكر أو إبراهيم عقيل وغيرهم هم الذين يديرون الآن المعركة في الجنوب اللبناني.
وذهب أيضا إلى أن الجيل الذي سيتولى زمام الأمور، من نفس المدرسة، ولا يصدر قرارات من رأسه وإنما هي خيارات موضوعة بالتشاور مع قيادة ظل حالية للحزب، لذا لم يعلن حزب الله حتى الآن عن خليفة لحسن نصر الله أو هاشم صفي الدين.
وقال إنه على الصعيد العسكري فإن كل لواء ووحدة من وحدات حزب الله العسكرية لديها خططها وبياناتها، كما قال حسن نصر الله إن هناك خطة أ، ب، د، وغيرها من الخطط العسكرية التي وضعت، والآن نشهد عملية تنفيذ هذه الخطط العسكرية وبحذافيرها.
واستطرد "الحزب يمتلك مخزونا كبيرا من السلاح، ويتمتع بقيمة وازنة في المجال السياسي اللبناني بامتلاكه الثلث المعطل في المجلس النيابي مع حليفه حركة أمل".
قيادات بديلة
كما رأى الدكتور بشير عبدالفتاح، الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، أن طهران تستطيع إيجاد قيادات وكوادر بديلة، مثلما أسهمت في ظهور حسن نصر الله، وصفي الدين وغيرهم.
وقال إنه إذا كان الجيل المؤسس لحزب الله تم تصفيته سواء الأول أو الثاني، فالحزب تأسس بالمشاركة بين إيران وقيادات لبنانية.
أما عن الخلافات داخل الحزب اللبناني فأشار إلى أن "الأمر غير وارد بشكل كبير، لأن إيران هي من تدير كافة الأمور، واختيار القيادات وتأهيلها، لذا فلا خلافات ستظهر ما دامت إيران لا تزال تمسك بزمام المبادرة".