هكذا خرج الفاخوري وسط حالة غضب كبيرة في الشارع اللبناني. الغضب لا يقتصر على جمهور حزب الله، الذي يعد إعدامه واجبا وطنيا.
أفرج حزب الله الإرهابي عن العميل الإسرائيلي عامر الفاخوري. أو قل: أفرجت المحكمة العسكرية في لبنان، بموافقة أكيدة وضمنية من حزب الله، عن عامر الفاخوري اللبناني، حامل الجنسية الأمريكية، الذي كان "جزّار معتقل الخيام". ذلك المعتقل الذي بنته إسرائيل في بلدة الخيام الجنوبية (قضاء مرجعيون)، لاعتقال المقاومين ضدّها، من أبناء الجنوب، ولم يقفل إلا مع تحرير الجنوب في عام 2000.
الفاخوري، بحسب شهادات المئات، كان يشرف على تعذيب المعتقلين السياسيين والأمنيين، من المقاتلين الذين كانوا يقومون بعمليات ضدّ إسرائيل أو ينظّمون صفوف المقاومة، أو يحرّضون ضدّ الاحتلال أو يعاونون المقاومين.. وأكّد العشرات أنّه قتل بعضهم، تحت التعذيب.
الفاخوري دخل لبنان بجواز سفره الأمريكي في سبتمبر/أيلول 2019، وأوقف فور وصوله، وخضع للتحقيق. وسريعا تشكّل رأي عام لبنانيّ ضدّ إطلاق سراحه، أو عودته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أو تركه في لبنان. وهو كان قد أتى إلى لبنان باعتبار أنّ التهم القضائية بحقّه أسقطها مرور الزمن.
تأكّد جمهور حزب الله أنّ المبادئ والعقائد التي يدّعي حملها، إن هي إلا عصا لمن عصى، يفتك بها بمن يختلف معهم في الرأي، وأنّ السلاح ليس لمواجهة العدو، بل للتفاهم معه، على صفقات مثل صفقة الفاخوري، التي سنشهد قريبا جزأها الثاني، حيث "سيقبض" الحزب الثمن.
يوم الأحد الماضي، ورغم إعلان "التعبئة العامة" في لبنان بمواجهة فيروس كورونا، اجتمعت المحكمة العسكرية في لبنان، التي يمون عليها حزب الله، وحكمت بكفّ التعقبات عنه من تهمة تعذيب سجناء "لمرور الزمن العشري"، إذ مرّت أكثر من 10 سنوات. ولم تأخذ بعين الاعتبار دعوى رفعها أسرى محرّرون من سجون إسرائيل، بتهمة "الاعتقال وحجز الحرية والتعذيب". وكذلك سقط عنه جرم "التعامل مع إسرائيل"، لمرور الزمن أيضا، باعتباره توقف عن التعامل معها بعد تركه "لبنان" في عام 2000. في حين اكتفى حزب الله ببيان لطيف وهادئ اعتبر أنّه "يوم حزين للبنان وللعدالة". وذلك بعد معلومات تناقلتها وسائل إعلام لبنانية، عن أنّ السفيرة الأمريكية الجديدة هدّدت بفرض عقوبات جديدة على مسؤولين كبار في الدولة إذا لم يفرج عن "المواطن الأمريكي".
هكذا خرج الفاخوري وسط حالة غضب كبيرة في الشارع اللبناني. الغضب لا يقتصر على جمهور حزب الله، الذي يعد إعدامه واجبا وطنيا، ولا على المطالبين بالعفو العام عن سجناء إسلاميين يقبعون في السجون بلا محاكمة منذ سنوات، ولا على خصوم حزب الله الراغبين في استهدافه سياسيا، بل وصل إلى عشرات آلاف الناشطين الذين شاركوا في ثورة 17 أكتوبر/تشرين الأول، ممن وصفهم الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بأنّهم "عملاء سفارات". في حين وافق هو وحزبه على إطلاق عميل مثبتة عمالته وعلى يديه دماء مقاومين. والغضب طال أوساط لبنانيين مستقلّين يعترضون على استعمال القضاء في "صفقات" جانبية، في حين يجري العمل على إصلاح القضاء، من خلال التشكيلات القضائية التي تنتظر توقيع وزيرة العدل ورئيس الجمهورية.
قبلها، في عام 2012، كان حزب الله قد وافق على إطلاق سراح فايز كرم، قيادي في "التيار الوطني الحرّ"، ثبتت عليه تهمة التواصل مع إسرائيليين، عبر هواتف سريّة كان يخبّئها، قبل أن يُستقبل استقبال الأبطال ببلدته في زغرتا شمال لبنان. وبات فايز كرم نقطة سوداء في تاريخ حزب الله، حتّى بين محاربيه ومناصريه. وهو يتجوّل في لبنان بحريّة منذ ذلك الحين.
لكنّ إطلاق سراح الفاخوري اليوم يختلف كثيرا، وجذريا، عن إطلاق كرم، وعن كلّ أخطاء حزب الله؛ لأنّ الفاخوري يختلف عن فايز كرم، وعن كل التنازلات التي قدمها حزب الله في سياق براجماتيته خلال السنوات الأخيرة.
الفاخوري عذّب وقتل مقاومين، وليس "متواصلا" أو "عميلا" عاديا. على يديه دماء زكية وأرواح عطرة، افتدت نفسها ثمنا لحرية اللبنانيين، من المقاومين الأصليين، قبل عام 2000. من الذين كانوا يقاتلون إسرائيل، ويستشهدون دفاعا عن كرامة اللبنانيين. ومن الذين كانوا صادقين في حملهم السلاح، وواضحين في هدفهم، إلى منتهى الشهادة.
على يدي الفاخوري دماء اشترت بعظيم تضحياتها أرض الجنوب التي تحرّرت لاحقا، وهرب الفاخوري، مع فلول الهاربين. هرب وفي أذنيه صرخات نساء ورجال هتك أعراضهم، وفي عينيه مشاهد ذلّ لكبار من أبناء الجنوب، من الذين صنعوا من معتقل الخيام مدرسة في الحريّة. ولسانه ذاكرة من الشتائم والإهانات والقتل بالكلمات الجارحة، بحسب شهود ما يزالون أحياء يُرزقون.
بعيدا من السياسة وزواريب "التزريك" لحزب الله، فإنّ إطلاق سراح الفاخوري، بلا محاسبة، سيكون فاتحة لزمن جديد في صورة حزب الله العامّة. وبعد فايز كرم، تأكّد جمهور حزب الله أنّ المبادئ والعقائد التي يدّعي حملها، إن هي إلا عصا لمن عصى، يفتك بها بمن يختلف معهم في الرأي، وأنّ السلاح ليس لمواجهة العدو، بل للتفاهم معه، على صفقات مثل صفقة الفاخوري، التي سنشهد قريبا جزأها الثاني، حيث "سيقبض" الحزب الثمن.
الفاخوري، والحال هذه، هو تعبير عن بيع "روح المقاومة"، لـ"الشيطان الأكبر". فإطلاق سراحه هو تخلٍّ جديد، وإثبات آخر، عن أنّ حزب الله ليس حزبا مقاوما لإسرائيل، إلا متّى تقاطع هذا الأمر مع مصالح إيران. وهذا الغزل مع الولايات المتحدة، هو بيع لهذه الروح إلى "الشيطان الأكبر"، بحسب أدبيات حزب الله، في وصف "أمريكا".
في عام 2013، شبّان أمام السفارة الإيرانية في بيروت، قتل الشاب هاشم السلمان، لأنّه كان يقود مظاهرة احتجاجا على مشاركة حزب الله في الحرب ضدّ الثورة السورية. كان القتلة مكشوفي الوجه، وظلّ هاشم ينزف إلى أن أسلم الروح. وإلى اليوم لا محاكمة ولا تحقيق جديّا في قتله العلني أمام كاميرات التلفزيونات.
بعدها شنّت حملة شيطنة هاشم، واتهمته بأنّه "عميل إسرائيلي"، لأنّه ببساطة قال رأيا مخالفا لحزب الله من داخل بيئته. أما اليوم، فالعميل الذي قتل لبنانيين مقاومين، من بيئة حزب الله ومن بيئات أخرى كانت مؤمنة بالمقاومة، ها هو في طريقه إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة