"العين الإخبارية" تفتح الملف الأسود لحزب الله ضدّ الصحفيين
يحفل تاريخ حزب الله اللبناني بأساليب القمع والعنف ضدّ المعارضين له إلى حدّ تنفيذ عمليات اغتيال ضدّ من يرفع الصوت ضدّه وضدّ سلاحه.
الأمثلة والنماذج على هذا الأسلوب كثيرة، منها ما يكشف عنها في العلن ومنها الآخر تصل بشكل رسائل تهديد أو اعتداء فيما لا يسجّل أي إجراءات جدية وحاسمة في المقابل من قبل القوى الأمنية لردع هذه العمليات أو وضع حد لها.
وتكاد تكون عمليات الاغتيال ومحاولات تصفية الصحفيين بدءا من عام 2005 التي لم يكن حزب الله بعيدا عنها بشكل أو بآخر، خير دليل على ذلك.
أبرز عمليات الاغتيال التي طالت صحفيين تلك التي استهدفت الصحفي سمير قصير ورئيس تحرير جريدة النهار اللبنانية جبران تويني عام 2015، وهما المعروفان بمواجهتمها العلنية لسلاح حزب الله وحليفه النظام السوري آنذاك.
شكل اغتيال قصير وتويني حينها رمزا لما عرف بـ"ثورة الأرز" التي انطلقت إثر عملية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في شهر فبراير 2005 والتي أدين بارتكابها قيادي من حزب الله.
تاريخ من اغتيال الصحفيين
في 2 يونيو/حزيران 2005 اغتيل قصير أمام منزله في منطقة الأشرفية في بيروت ليعود بعدها بأشهر قليلة ويقتل في 12 ديسمبر/كانون الأول عام 2005 تويني وثلاثة من مرافقيه في انفجار شرق بيروت، وهو المعروف بقسمه الذي أطلقه في مظاهرات مارس 2005 متعهدا بـ"أن نبقى موحدين مسلمين ومسيحيين دفاعا عن لبنان العظيم...".
واليوم وبعد 15 عاما على عملية الاغتيال لم يتم الكشف عن أسماء المسؤولين الحقيقيين عن الجريمة.
كذلك لا تزال الإعلامية مي شدياق المعروفة بأنها "الشهيدة الحيّة" شاهدة على هذا العنف، وهي التي نجت بأعجوبة من محاولة اغتيال في 25 سبتمبر/أيلول 2005 أدت إلى فقدان قدمها ويدها، وهي رغم ذلك لم تتراجع عن مواقفها التي تعلن عنها صراحة ضد الحزب وحلفائه.
وتشنّ كتائب حزب الله الإلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي حملات تخوين و"شماتة" من وضع شدياق الصحي، فيما وصفت شدياق في أحد تصريحاتها الأخيرة حزب الله بأنه "دولة قمع الإعلام والتعتيم".
ولا يقتصر قمع حزب الله على إعلامي أو صحفي بحد ذاته، لكن سياسته القمعية تطال مؤسسات بكاملها من دون أن يأخذ بعين الاعتبار أي محاسبة أو هيبة للدولة.
كان مشهد الاعتداء على "تلفزيون المستقبل" المعارض لحزب الله، الأكثر عنفا حيث اجتاج مسلحوه العاصمة خلال ما عرف بأحداث "7 مايو 2008" واقتحموا مقر التلفزيون في بيروت وهددوا الإعلاميين وأجبروا القناة على التوقف عن البث، وهو نفسه ما حدث مع إذاعة الشرق وجريدة المستقبل التابعتين للمؤسسة نفسها.
مسلسل ترهيب الإعلام والإعلاميين لا يتوقف بالنسبة لحزب الله، وكان للصحفي علي الأمين، المعارض الشرس له ورئيس تحرير موقع "جنوبية"، حصتّه من هذا الأسلوب الذي وصل إلى حدّ العنف عبر التعرض له وضربه في منزله في الجنوب، معقل حزب الله، فقط لأنه تجرّأ وترشّح ضد مرشّحي الحزب في الانتخابات النيابية عام 2018، حيث أعلن حينذاك أنه تقّدم بدعوى ضدّ الحزب لكن كما العادة لم تصل إلى أي نتيجة.
وكما الأمين المتحدّر من الجنوب، معقل حزب الله، كذلك الإعلامية ديما صادق ابنة الخيام الجنوبية المحسوبة أيضا على حزب الله، فلها دائما حصة كبيرة من التشهير والحملات ضدّها في الإعلام التابع للحزب وعلى وسائل التواصل الاجتماعي من قبل مناصرين له، لأنها تعلن مواقفها المعارضة بشكل واضح وصريح ضد الحزب وسلاحه ومسؤوليه.
خلق حالة من الخوف
خلال الانتفاضة الشعبية عام 2019 لم يسلم أيضا الصحفيون من عنف "الثنائي الشيعي" حزب الله وحركة أمل، حيث سجّل اعتداءات متكرّرة على إعلاميين يعملون في وسائل إعلام معارضة لهما على غرار "قناة العربية" و"الحرة" وجريدة النهار اللبنانية" وغيرها، حيث كانوا يتعرضون لهم بالشتم والضرب على مرأى حتى من القوى الأمنية.
وفي نهاية عام 2020 مارس كذلك حزب الله سياسته القمعية ضدّ الإعلاميين الذين كانوا يغطون جولات مفاوضات ترسيم الحدود في الناقورة في شهر أكتوبر/تشرين الأول بين لبنان وإسرائيل.
اتخذ الثنائي الشيعي حينها قرارا بعيدا عن سلطة القوى الأمنية أن يبعدوا الإعلاميين الموجودين في الناقورة من موقع نقلهم رسائلهم، وأجبروهم على تغيير المكان تحت التهديد وبعد تكسير الكاميرات.
تشكّل تلك الوقائع عينات من أساليب حزب الله الذي لا يترك مناسبة إلا ويقمع بها الإعلام، رافضا أي صوت معارض لصوته، وهو ما يشير إليه المحلّل السياسي الدكتور مكرم رباح قائلا لـ"العين الإخبارية" "لا يستطيع حزب الله التعامل أو القبول بوجود معارضين له لأنه ليس حزبا تقليديا بل أيديولوجيا يهمه دائما أن يدّعي أنه يملك الشرعية والمصداقية الكاملة داخل الطائفة الشيعية، ولا سيما كل ما هو متعلق بسلاحه والموضوع الأمني والعسكري، حيث يواجه أي صحافة حرّة وحرية الرأي".
ويضيف رباح "الأسوأ من أنه يواجه معارضيه بالقمع والعنف فهو يعمد إلى خلق حالة من الخوف في بيئته الشيعية وغير الشيعية لمنع وجود أي معارضة له، ولا يمكن أن نتوقّع أي تصرف منه عكس ذلك".
وعن سبب عدم توقيف المسؤولين عن هذه الاعتداءات، يقول رباح: "الأمن في لبنان مرتبط بالسياسة والأجهزة تعلم تماما كل ما يحصل في البلاد ولديها القدرة أن توقف وتحاسب أكبر مجرم، لكن أي جريمة لا يمكن معرفة الجهة المسؤولة عنها أو توقيف المتورطين بها تكون مرتبطة بجهة سياسية معينة هي حزب الله، الذي يعمل فوق القانون، ويملك مناطق خاضعة لسيطرته بشكل تام".
ويؤكد المحلل السياسي مكرم رباح أنه "عندما يكون هناك قرار سياسي عندها يمكن نعرف تفاصيل الجرائم، لكن المشكلة تكمن أيضا في أن حزب الله يخترق أجهزة معينة ويتحكم بأجهزة أخرى، وهو ما ينعكس سلبا على السياسة والأمن في لبنان بشكل عام".
aXA6IDE4LjExOS4yMTMuMzYg جزيرة ام اند امز