5 مداخل "معاصرة" للتعرف على التراث العربي
نستكشف بعضا من هذه الكتب المهمة التي تتغيا التعريف والتمهيد لعيون تراثنا العربي في مجالات إنتاجه المعروفة آنذاك
تراث زاخر تركه العرب والمسلمون خلال القرون الثمانية الأولى من الهجرة، كان نتاجا لحركة حضارية نشطة، أنتجت ألوانا ومعارف شتى في جميع المجالات؛ أدب، تاريخ، لغة، فقه، فلسفة، طب، فلك، تصوف.. إلخ، ورغم التقدم المذهل الذي نعيشه الآن ما زالت الفجوة كبيرة ومتسعة بين هذا التراث المترامي الأطراف (خاصة في ما يصلح منه للبقاء والإفادة منه حتى الآن) وبين عقول وأذهان الناشئة والشباب. ولهذا كان من الضروري ظهور محاولات تأليفية لتقريب هذا التراث والتعريف به لأبناء الأجيال الجديدة، وكذلك كي تقدم مداخل ومفاتيح لأزمة لقراءته والوصول إلى مصادره الأصيلة الموثوقة.
هنا نعرض لبعضٍ من هذه الكتب المهمة التي تتغيا التعريف والتمهيد لعيون تراثنا العربي في مجالات إنتاجه المعروفة آنذاك.. في الأدب، والتاريخ، والتراجم والسير، والتصوف، وعلم الكلام والعقائد، والعلوم والفنون.. كما أنها تأخذ بيد من يرغب من الأجيال الشابة في التعريف والاطلاع بمؤلفات عظيمة؛ مثل "رسالة الغفران" للمعري، أو"الإمتاع والمؤانسة" للتوحيدي، أو "البخلاء" للجاحظ، أو فصولا من "المقدمة" لابن خلدون (واحد من أعظم المؤلفات التأسيسية في تاريخ العمران البشري وعلم الاجتماع وفلسفة التاريخ)، أو قراءة أبيات من الشعر العربي القديم.. إلخ.
خلال رحلة البحث الممتعة التي كان يخوضها الطموحون من الشباب للبحث عن كتب التراث، وعن النصوص التأسيسية منه، التي يستطيعون قراءتها والإفادة منها، كان ثمة مساران في البحث: القراءة عن هذه الكتب أولا، والبحث عن المقالات والكتب والدراسات التي تشكل مفتاحًا للدخول إلى هذا العالم والتعرف عليه، ومن ثم الإقبال على نصوصه وقراءتها. المسار الثاني، كان الحصول على هذه النصوص، ثم قراءتها بعناية واكتساب الخبرة اللازمة للاستئناس بلغة التراث وتجاوز صعوباته الظاهرة وتشابكاته العديدة..
في المسار الأول، وهو محل اهتمامنا هنا، يمكن الإشارة إلى كتب جليلة مهمتها الأولى التعريف ببعض كتب التراث ببساطة ويسر، وتسهل على طلابها تكوين رؤية عامة منظمة لجمع شتات هذا التراث، والاعتماد على تصور زمني واضح لنصوصه وتعاقبها، أفقيا ورأسيا، من خلال الموضوع الواحد، أو المؤلف الواحد، أو الفترة الزمنية الواحدة.
من هذه الكتب، مثلا، كتاب جمال الغيطاني "منتهى الطلب في تراث العرب" (صدر عن دار الشروق في تسعينيات القرن الماضي)، وهو من الكتب التي تساعد كثيرًا في التعريف ببعض الكتب الموسوعية في تراثنا القديم أو كتب أخرى جمعت شتات هذا التراث ونظمته تبويبا وتصنيفا؛ كما في كتابي "تاريخ الأدب العربي" لكارل بروكلمان، و"تاريخ التراث العربي" لفؤاد سزكين.
في المسار نفسه، يمكن الإشارة إلى موسوعة "تراث الإنسانية" التي كانت تصدرها وزارة الثقافة المصرية في الستينيات من القرن الماضي علي شكل مجلة شهرية، تضم قراءات لأعظم الكتب التي أنتجها العقل البشري، وشكّلت تراث الإنسانية في مختلف الحضارات والأزمان المختلفة (جُمعت أجزاؤها بعد توقفها عام 1971 في 9 أجزاء صدرت في 7 مجلدات).
في "تراث الإنسانية" (أصدرت منها هيئة الكتاب المصرية طبعة جديدة في 2016) يمكن قراءة مقالات وافية عن عشرات الكتب في التراث العربي، ليس هناك مدخل أحسن منها للتعرف على روائع الفكر والأدب العربي في القرون الثمانية الأولى للهجرة، يكفي أن يطالع قارئها مقالاً عن "الإمتاع والمؤانسة" للتوحيدي بقلم زكي نجيب محمود، أو عن "العقد الفريد" لابن عبد ربه له أيضا، أو مقالاً عن الكتاب ذاته لمحمد خليفة التونسي. أو يقرأ مقالاً لعبد اللطيف حمزة عن موسوعة "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" للقلقشندي، أو يجد المحقق القدير إبراهيم الإبياري يكتب عن "نهاية الأرب في فنون الأدب" لشهاب الدين النويري.. وهكذا.
أيضاً، للمرحوم سيد حامد النساج كتاب قيم، صدر عن دار المعارف المصرية، بعنوان "رحلة التراث العربي" وهو كتاب تعليمي بامتياز، على غزارة مادته، واتساع المدى الزمني الذي غطى إنتاجه (من القرن الثاني أو الثالث للهجرة وحتى القرن الثالث عشر). لكنه يعطي المفاتيح اللازمة للتعرف على حركية وحيوية هذا التراث عبر القرون، مدخل مناسب لمن لا يعرف شيئاً عنه، ويريد أن يتعرف عليه، كتاب ابتغى مؤلفه التعريف بأبرز وأهم كتب التراث العربي عبر تاريخه، فتعرض للجاحظ ومكتبته العامرة، وتوقف تفصيلاً أمام واحد من أهم كتبه وأجملها "البخلاء". واستعرض رحلة "المقامة العربية" وتطورها، وأفرد فصلاً طويلاً لأكبر مؤلف تراثي عرفه العرب وهو كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني، كما تابع مشوار كتب الرحلة في التراث العربي، واختتم رحلته بكتابين تراثيين من العصور المتأخرة.
من بين هذه الكتب أيضاً، أذكر ذلك الكتاب اللطيف السهل "مع التراث" للكاتب والقاص يوسف الشاروني (صدر ضمن أعماله الكاملة عن الهيئة العامة للكتاب)، وهو من الكتب التي تكسب قارئها معرفة واسعة بجوانب مجهولة من تراثنا الأدبي الزاخر، ويمكن من خلاله التعرف على طائفة معتبرة من أهم النصوص السردية العربية، سيكتشف مطالعه أن للعرب تراثاً رائعاً مكتوباً عن "الحب" وحوله، سيعرف أن هناك كتاباً جميلاً اسمه "طوق الحمامة في الألفة والألاف" لفقيه عربي مسلم اسمه ابن حزم، عُد هذا الكتاب من أروع كتب الحب في تاريخ البشرية!
سيعرف أيضاً أن أدب الاعترافات والسيرة الذاتية لهما وجود في تراثنا العربي، فتناول الشاروني نصوص الأمير أسامة بن منقذ والإمام أبو حامد الغزالي والإمام جلال الدين السيوطي، في كتب رائعة من أهم كتب السيرة في تاريخنا العربي، وعن أدب البحر والشخصيات الخيالية التي رصعت نصنا الخيالي الخالد "ألف ليلة وليلة"، وبحث ممتع عن الأصول التاريخية لشخصية "السندباد البحري" الشهيرة.
هذه مجرد عينة من الكتب التي تعرضت للتعريف بأبرز وأهم كتب التراث العربي في المجالات كافة، وظيفتها الأولى التعريف والتمهيد لقراءة هذه الكتب، تكاد تشترك جميعًا في طريقة العرض والمنهج على اختلاف في الأسلوب وزاوية التناول. ويكاد يخرج قارئها منها بمعرفة تؤهله لمطالعة النصوص التي قرأ عنها في هذا الكتاب أو غيره، كما أنها تحرضه تحريضا جميلا على اقتناء تلك الكتب في طبعاتها المدققة الميسورة، وبما يثري وعي وتكوين المقبلين على قراءة هذا التراث والتعرف عليه.
aXA6IDE4LjE4OC4xNTQuMjM4IA== جزيرة ام اند امز