معرفتنا بالتاريخ ستظل غير كاملة وسنكتشف دوما حقائق في تاريخنا العربي والإسلامي، وفي تاريخ شعوب أخرى.
ستظل معرفتنا بالتاريخ غير كاملة، ثمة حقائق نكتشفها دوماً، في تاريخنا العربي والإسلامي، وفي تاريخ شعوب أخرى، بما في ذلك تاريخ الفنون والحروب والحدود والجغرافيا السياسية، والثقافات وجذورها ومعناها وغير ذلك.
أخطاء كثيرة ارتكبها مؤرخون غربيون، في تأريخهم لمنطقة الخليج والجزيرة العربية، من بينها قلة اهتمامهم أو ربما ضعف معرفتهم بالأسباب والملابسات الرئيسية لانسحاب المستوطنات الهولندية والبرتغالية والإنجليزية
كشف بالصدفة راعي أغنام فلسطيني قبل سبعين عاماً، عن لفائف جلدية مكتوبة باللغة الآرامية، مخبأة داخل جرار من الفخار في كهف مهجور في السفوح المطلة على البحر الميت في منطقة تسمى (قمران) اشتراها تاجر سرياني بدراهم معدودة.. ولتقع هذه اللفائف في نهاية المطاف بيد المتعطشين لمعرفة مضمون مخطوطات البحر الميت، من دول ومراكز بحث وجامعات ومؤرخين، وليكتشف العالم أنها تحمل معلومات مذهلة لمؤرخي الحقبة المسيحية الأولى، والتي تشمل المئة سنة قبل وبعد ولادة عيسى بن مريم عليه السلام.
وتبين مما سرب عن هذه المخطوطات، والتي تحتفظ بها خزائن أمريكية و"إسرائيلية"، أنها تضم الكثير من أسفار العهد الجديد، والتقاليد المسيحية الأولى، وبعض الأدبيات اليهودية، ومما يعطيها أهمية علمية وتاريخية ودينية، أن معلومات هذه المخطوطات تؤكد ما ورد في القرآن الكريم لجهة العديد من القصص الديني عن اليهودية والمسيحية، كتشريعات الزواج والالتزامات التعبدية وقصة البقرة التي أمر الله (بني إسرائيل) بذبحها، والإسراء والمعراج والقدس.
كما تشكل نصوصها صحة العلاقة التكاملية بين اليهودية والنصرانية والإسلام، وعلى النحو الذي ورد في عدة سور من سور القرآن الكريم.
أمثلة أخرى عن اكتشاف حقائق تاريخية، تستكمل معرفتنا بالتاريخ، مكتشفات أثرية في أكثر من مكان في العالم، وحل رموز الكتابة للغات قديمة، كالهيروغليفية، كما جرى إثر حملة نابليون على مصر، في مطلع القرن التاسع عشر، حينما تمكن علماء من فهم معنى ووظيفة تلك الأوابد والتماثيل، والتي لم يكن يقصد منها الاستمتاع، بل (ديمومة الحياة)، وكانت الصور والتماثيل التي عثر عليها في المقابر المصرية، مرتبطة بفكرة تجهيز رفقاء مساعدين (خدم وجنود) لأرواح الزعماء في العالم الآخر، وهذه الفكرة تم اكتشافها في عصرنا الراهن، في ثقافات قديمة عديدة، ومنها الصينية، وبخاصة القبور الصينية، التي وجدت في شمال الصين، وفي عهد الإمبراطور هان، في القرن الثاني قبل الميلاد، حيث كشف عن مقبرة لما سمي بجيش الطين، الذي ضم تماثيل نحو سبعة آلاف رجل بالعدة الكاملة، الخيل والأسلحة، والأزياء، والأوسمة، تصطحب إمبراطورها الجبار إلى عالم الموت، بمعنى خدمته كإنسان خارق حتى بعد لحظة الموت.
وقرأنا في أبيات الفن أن مجموعة التماثيل على مداخل كاتدرائية نوتردام، التي ظهرت التيجان على رؤوسها، كانت تمثل ملوك التوراة، لكن الشعب الفرنسي الساخط، أثناء الثورة الفرنسية، ظن أن هذه التماثيل هي لملوك فرنسا. فقام الساخطون بقطع رؤوس بعضها وتحطيمها، ولم يتم معرفة ذلك، إلا في الربع الأخير من القرن العشرين، حينما عثر عمال يحفرون أساسات لمصرف في وسط باريس، على كومة كبيرة، تضم أكثر من أربعمئة وخمسين قطعة أثرية مطمورة في التراب، وتبين فيما بعد أنها هي التماثيل التي حطمت في القرن الثامن عشر، وأن كثيراً من رؤوسها قد تضررت كثيراً.
أمثلة أخرى، من إقليم الخليج العربي، حيث كان هناك اتكال مفرط على روايات تاريخية مغلوطة، ذكرها المؤلف البريطاني (لوريمر) في كتابه (دليل الخليج الفارسي: عُمان ووسط الجزيرة العربية)، وقد اعتمد مؤلفون وأكاديميون على معلومات أوردها (لوريمر) في كتابه.
أخطاء كثيرة ارتكبها مؤرخون غربيون، في تأريخهم لمنطقة الخليج والجزيرة العربية، من بينها قلة اهتمامهم أو ربما ضعف معرفتهم بالأسباب والملابسات الرئيسية لانسحاب المستوطنات الهولندية والبرتغالية والإنجليزية من بلاد فارس، والجزر والموانئ العربية في الخليج خلال القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر، فضلاً عن تلفيق قصص القرصنة وربطها بعرب الخليج، وخاصة بالقواسم وبتحالفاتهم القبلية.
وقد كشف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حقيقة هذه (الفرية) الكبرى عن القرصنة، ودقق وحقق في وثائق وكتب بريطانية وغربية كثيرة، وأعاد كتابة وتصحيح تاريخ المنطقة، وبين تفاصيل ومعرفة جديدة عن أحوال المنطقة، وصراع القوى والتجارة والسياسة في الخليج.
ولعل رواية (بيبي فاطمة وأبناء الملك) التي كتبها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان عن مملكة هرمز في ظل الاحتلال البرتغالي، وكشف فيها تفاصيل الحياة الاجتماعية، والأوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية، هي ليست مجرد رواية خيالية، بل هي سجل واقعي لتاريخ هذه المملكة، وما جرى فيها من ازدهار وصراعات فيها وعليها، وكشفت عن مسألة اختلاط محاولات (التنصير) بالصراعات والتنافس الاستعماري والتجاري والهيمنة في أواخر القرن السادس عشر، وحتى الربع الأول من القرن السابع عشر، حينما زال الاحتلال البرتغالي، وزالت معه مملكة هرمز، وعاشت (بيبي فاطمة) وزوجها محمد شاه لاجئين في أصفهان بقية عمريهما.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة