شبح هتلر يعود من جديد بعد 70 عاما من الغياب
كما شكل فوز ترامب زلزالا سياسيا عالميا، فإن الصعود المتزايد لتيار اليمين المتشدد في ألمانيا، يمثل إعصارا سياسيا لأوروبا
حين تقع جريمة قتل في الولايات المتحدة الأمريكية فإنها تتحول إلى حديث للعالم بفضل آلتها الدعائية، وحين يصل رئيس مثير للجدل إلى البيت الأبيض عبر أصوات الأغلبية الصامته فإنه يشكل بداية لحقبة جديدة في تاريخ العالم.
هكذا وصف السياسي الألماني ماركوس برتسل، العضو البارز في حزب "البديل من أجل المانيا" فوز الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بسباق الرئاسة الأمريكية، متغلبا على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.
ودأب الاعلام الأمريكي خلال فترة السباق على تقديم هيلاري باعتبارها الرئيسة القادمة قبل أن يحقق ترامب المفاجئة التى أربكت سياسي العالم واستقبلتها التيارات اليمينية بارتياح.
وقال برتسل إن هذه التيارات ترى فيها مقدمة لتصدرها هي أيضا المشهد السياسي في بلادها، لا سيما في ألمانيا، التي كانت تلك التيارات بها أكثر ابتهاجا بفوز ترامب الذي مهد لصعودها إلى بؤرة الضوء مرة أخرى بعد اختفاء دام أكثر من 70 عاما.
وعن صعود تيار اليمين المتشدد إلى قلب السياسة الألمانية مرة أخرى كتبت الباحثة فاردينا شوارتز الحائزة على عدد من الجوائز في الكتابة الصحفية وجائزة "إيمي" في الانتاج، تقريرا موسعا في مجلة "بوليتيكو" الأمريكية، حيث رصد المشهد الألماني وعوامل صعود التيار اليميني المتشدد والتيارات القومية، والآثار السلبية التي ستتنتج عن هذا الميلاد الجديد للتيارات الشعبوية.
وبمقولة ليست بعيدة عن "جريمة القتل التى تقع في أمريكا" بدأت شوارتز تقريرها من حانة في ولاية "بافريا" الألمانية حيث اجتمع نحو 50 من المنتمين إلى حركة "مواطنو الإمبراطورية الألمانية" يتبادلون الأنخاب ابتهاجا بفوز الرئيس الأمريكي ترامب.
وحركة "مواطنو الإمبراطورية الألمانية" لا تعترف بجمهورية ألمانيا الاتحادية كدولة ويروّجون لفكرة أن الإمبراطورية الألمانية "الرايخ" لا تزال موجودة حتى اليوم.
ولم تكن هذه الحركة وحدها التي تحتفل بل صاحبها مجموعة من أعضاء حزب "البديل من أجل ألمانيا"، كان من المفترض أن يكون محور حديث هذه المجموعة هو الانتخابات المحلية المقررة في شهر مايو المقبل، حيث من المتوقع أن يحصد الحزب اليميني عددا أكبر من المقاعد في برلمانات الولايات الألمانية، مكللا بذلك النجاح الذي حققه في الانتخابات الأخيرة ومكنه من الحصول على مقاعد في 5 من البرلمانات الألمانية المحلية الـ 16، وكانت حملته الانتخابية تحت شعارات مثل "عززوا الحدود" و"أوفقوا فوضى اللجوء"، والآن يسعى الحزب الى المزيد. ولكن بدلا من الانتخابات المحلية، انصب حديث تلك الليلة بشكل حصري على دونالد ترامب.
فكما وصل ترامب إلى البيت الأبيض بخطابه الشعبوي، شهدت أحزاب اليمين الألمانية تقدما ملحوظ، مركزين خطابهم على مغازلة نوازع الخوف من الآخر، ومع الهجمات الإرهابية المتتالية التي ضربت قلب القارة العجوز وجد التيارت الشعبوية واليمينية الأوروبية في الإسلام والمهاجرين مخلب القط الذي داعبوا به خوف مواطنيهم.
ففي ألمانيا لجأت فروك بيتري زعيمة حزب "البديل من أجل ألمانيا" إلى خطاب مطالبة بضرورة تحويل إدارة شئون اللاجئين إلى إدارة لتهجيرهم، ونقل المهاجرين الذين لم تقبل طلبات لجوئهم إلى جزر خارج أوروبا. في حين دعا ألكسندر جاولاند نائب رئيس الحزب اليمينى الشعبوي إلى تعليق حق اللجوء للمسلمين لحين تسجيل كل طالبي اللجوء المقيمين في ألمانيا ومراقبتهم والنظر في طلبات لجوئهم.
وأوضحت شواررتز في تقريرها أن الخطابات اليمينية أثمرت في تغيير رأي الألمان تجاه مستشارته أنجيلا ميركل الملقبة بالمرأة الحديدية الألمانية، حيث أظهرت استطلاعات الرأي مؤخرا تراجعا في شعبية المستشارة، حيث يعتقد 52% من الألمان أن سياستها سيئة تجاه اللاجئين، محملين ميركل مسئولية الإخفاقات الأمنية التى تعرضت لها البلاد بسبب إصرارها على عدم تغيير سياستها السيئة تجاه المهاجرين حيث استقبلت مليون مهاجر خلال عام 2015 فقط. كما أظهرت الاستطلاعات قدرة حزب البديل من أجل ألمانيا خاصة بعد هجوم برلين الأخير على حصد مقاعد في برلمانات الولايات الألمانية الـ16 خلال انتخابات عام 2017 محققا بذلك تقدما تاريخيا له.
وكما شكل فوز ترامب زلزالا سياسيا عالميا، فإن هذا الصعود المتزايد لتيار اليمين المتشدد في ألمانيا، البلاد التي خرج من بين غاباتها الزعيم النازي أدولف هتلر، يمثل إعصارا سياسيا لأوروبا وصدمة وطنية للألمان، الذين سعوا إلى محو ومواجهة تاريخهم على مدار الـ 70 عاما الماضية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
كانت النكهة السياسية التى غمرت المانيا منذ إعادة توحيدها عام 1990 هى الليبرالية التى مكنتها من أن تنهض باقتصادها لتصبح من أقوى اقتصاديات القارة العجوز، ولكن على مدى العامين الماضيين، جاءت سياسات ميركل من ترحيب باللاجئين، وتحميل الألمان أعباء إنقاذ اقتصاد دولة مثل اليونان، لتمهد الأرض للأحزاب اليمينة مثل "البديل من أجل ألمانيا" كي تجني ثمار هذه الأخطاء.
واوضحت "بوليتيكو" أن على ميركل أن تختار الآن ما بين الاستمرار في محاولة نقل "الدم السياسي" إلى حزبها، في إشارة إلى الاتلاف الذي اضطر المستشارة الألمانية للجوء اليه في أعقاب الهزيمة القاسية التي تلقاها حزبها في الانتخابات الأخيرة، أو الارتقاء إلى مستوى سمعتها كرمز لليبرالية الغربية.
واختتمت المجلة تقريرها بالقول إنه مع صعود اليمين المتطرف مرة أخرى في ألمانيا، فإنه من الصعب تحديد كيف سيكون القادم.
aXA6IDE4LjIyMi4yMC4yNTAg جزيرة ام اند امز