كيف فقد حزب الله نفوذه في لبنان؟
مليشيا حزب الله خسرت الجزء الأكبر من حاضنتها الشعبية، لأن الإنفاق اليوم يتم على الدائرة الضيقة للحزب، وليس من كانوا يصوتون له سابقا
توقف الجميع أمام خروج المظاهرات في جنوب لبنان، الذي تسيطر عليه مليشيا حزب الله خاصة في صور والنبطية وغيرهما من المناطق التي توصف دائماً بأنها "الحاضنة الاجتماعية" للحزب، ورغم رصد أسباب كثيرة لهذه الظاهرة يوجد اتفاق على أن ضعف إنفاق الحزب على تلك المناطق نتيجة تراجع الأموال التي ترسلها طهران والذي لعب دوراً في ذلك دون شك، لكن هناك أسباب أخرى تجري في النصف الآخر من الكرة الأرضية، حيث تعمل الولايات المتحدة الأمريكية مع دول أمريكا اللاتينية على وقف تمويلات مالية ضخمة من دول القارة إلى حزب الله.
وخلال الأسابيع الماضية كثف عدد من المسؤولين الأمريكيين من زياراتهم لدول أمريكا اللاتينية، للتأكد من تطبيق دول القارة الجزء الخاص بوقف تمويلات مليشيا حزب الله، والتي تأتي من الأنشطة غير المشروعة مثل زراعة وتجارة الكاوكايين وتزوير العملات الأخرى، ونقل السلاح لكارتلات المخدرات، ضمن خطة "الضغط القصوى" التي يطبقها الرئيس ترامب على إيران منذ 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، فهل تراجع حجم الأموال والأصول التي كان يديرها حزب الله وكانت توفر له ملايين الدولارات؟ وإلى أي مدى لعبت التحولات السياسية في أمريكا اللاتينية دوراً في "تعرية" أنشطة حزب الله "الإجرامية"؟ وكيف يمكن البناء على هذه الخطوة لدعم الجيش اللبناني واستعادة الدولة اللبنانية؟
- مناصرو حزب الله يعتدون على المتظاهرين ويحرقون خيامهم ببيروت
- "لوموند" تحذر من سعي مليشيا حزب الله لإخماد احتجاجات لبنان
خطط منسقة
أولاً: بدأت خطط واشنطن لتحجيم أموال وأصول حزب الله في أمريكا اللاتينية وغرب أفريقيا منذ فبراير/شباط 2018، وقبل 3 شهور من انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو/أيار 2018، عندما أرسل الرئيس ترامب وزير خارجيته آنذاك ريكس تيلرسون إلى أمريكا اللاتينية، وكان الهدف الأبرز لهذه الزيارة هو وقف تحويل الأموال لحزب الله، لأن الإدارة الأمريكية أيقنت أن أمريكا اللاتينية وغرب ووسط أفريقيا هي المناطق التي تأتي منها الأموال لحزب الله، وأنه مع تطبيق العقوبات الاقتصادية على طهران فإن الحزب سيسعى لمضاعفة نشاطه في هذه المناطق من أجل تعويض النقص في التمويل الإيراني، وهذا ما حدث بالفعل عندما وضع الرئيس ترامب خطة "تصفير" صادرات النفط الإيرانية.
ثانياً: صنفت وزارة العدل الأمريكية في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2018، حزب الله منظمة "إجرامية"، واعتباره من أكبر 5 منظمات إجرامية عابرة للحدود، بل إن وزارة العدل الأمريكية أبلغت دول أمريكا اللاتينية في مذكرة نشرت مقتطفات منها في أبريل/نيسان الماضي بعد تصنيف "الحرس الثوري" منظمة إرهابية، بأن حزب الله أخطر هذه الجماعات الخمس لأن له أذرعا أخرى إرهابية وعسكرية، ويمتلك خلايا نائمة في أوربا وأفريقيا وأسيا وحتى في الولايات المتحدة نفسها مما يجعله أخطر المنظمات الإجرامية على أمن وسلامة العالم.
ثالثاً: أثمرت زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لأمريكا اللاتينية في يوليو/تموز الماضي في تصنيف حزب الله كجماعة إرهابية في الأرجنتين وباراجواى، وهناك مؤشرات تقول إن دولا أخرى كثيرة في الطريق لذلك قبل نهاية 2019.
رابعاً: أثبتت الولايات المتحدة لدول أمريكا اللاتينية أن تماهي أنشطة حزب الله مع المجموعات الإجرامية يؤثر سلبياً على الأمن القومي لتلك الدول التي بدأت خلال الأشهر الثلاث الماضية، في ملاحقة خلايا ومشروعات حزب الله التي يتخذها ستاراً لأنشطته الإرهابية والإجرامية، كما باتت المحاكم في أمريكا اللاتينية تعج بالقضايا التي تتهم حزب الله بالضلوع في التهريب وغسيل الأموال وتجارة البشر والشراكة مع بارونات المخدرات والسلاح.
خامساً: تقدم السيناتور تيد كروز بمشروع قانون إلى مجلس الشيوخ أطلق عليه اسم "مجابهة حزب الله في القانون العسكري اللبناني 2019"، ويعتقد البعض أن وجود مثل هذا المشروع في مجلس الشيوخ هو ما منع إرسال 105 ملايين دولار للجيش اللبناني الأسبوع الماضي، لأن مشروع قرار تيد كروز يدعو إلى أنه "ما لم يتمكن الرئيس الأمريكي من التأكد من أن القوات المسلحة اللبنانية تقوم بما هو ضروري لإنهاء نفوذ حزب الله على الجيش فإن الولايات المتحدة ستقوّم المساعدات العسكرية للبنان بنسبة 20% من المساعدات العسكرية التي تمنحها واشنطن للجيش اللبناني".
سادساً: أسهمت التحولات السياسية الأخيرة واعتلاء حكومات ورؤساء من "اليمين" و"يمين الوسط" للسلطة في أمريكا اللاتينية في اتخاذ قرارات حازمة ومراقبة صارمة لكل أنشطة حزب الله، خاصة نقل الكوكايين للولايات المتحدة من أمريكا الجنوبية عبر أوروبا أو المكسيك، وأصبحت ملفات حزب الله وأنشطته غير المشروعة في وزرات العدل والداخلية في 10 دول في أمريكا اللاتينية، وهو ما سمح بدور أكبر "للاستخبارات المالية" في دول القارة لبناء قضايا قوية أمام المحاكم لتجميد أصول حزب الله ووقف تحويل الأموال، وإبعاد أصحاب الحصانة السياسية أو الدبلوماسية الذين ارتبطوا بدعم حزب الله في مرحلة ما.
سابعاً: لم يعد مراقبة نشاط حزب الله الإجرامي تقوم به دول أمريكا اللاتينية بشكل فردي، فهناك اتفاق يطلق عليه "3+1" يضم البرازيل والأرجنتين وباراجواي من جانب والولايات المتحدة من جانب آخر، بهدف تنسيق الجهود وتبادل المعلومات حول تحركات خلايا وشركات حزب الله المشبوهة في القارة، وفي تقرير نشرته عدد من الصحف الأمريكية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، قالت إن محادثات أمريكية خلف الأبواب المغلقة مع دول أمريكا اللاتينية وضعت هدفا استراتيجيا لها هو "تجفيف منابع" حزب الله المالية في أمريكا اللاتينية بحلول نهاية 2020، وأنه بنهاية العام الجاري 2019 تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها نفذوا أكثر من 50% من خطة "الخنق المالي" لميلشيا حزب الله من أمريكا اللاتينية، وهو ما دفع الحزب لتركيز نشاطه في الدول التي تحكمها أنظمة يسارية تعادي الولايات المتحدة مثل فنزويلا وكوبا.
ثامناً: خلال الثلاثين عاماً الماضية يمكن القول إن دول الاتحاد الأوروبي كانت مترددة في اعتبار حزب الله منظمة إرهابية، وعندما أقدمت على تلك الخطوة في 2013 صنفت ما يسمى "بالجناح العسكري" منظمة إرهاربية، لكن اليوم وبعد المعلومات التفصيلية التي اكتشفها جهاز المخابرات الألماني وقام بتعميمها على الدول الأوروبية بداية من العام الجاري، أصبحت العيون دوائر الاستخبارات واليوروبول وغسيل الأموال أكثر يقظة في ملاحقة أنشطة حزب الله في أوروبا، خاصة المرتبطة بنشاط الحزب في أفريقيا، وهو ما أضعف التحويلات المالية للحزب من أفريقيا وأوروبا معا.
خيارات ضيقة
كل التقديرات تقول إن حزب الله يحتاج كل عام إلى مليار دولار للإنفاق على منتسبيه، كان يأتي له 700 مليون من إيران و300 مليون من أنشطته غير المشروعة في العالم، الآن بعد العقوبات الأمريكية الصارمة على الاقتصاد الإيراني و"اليقظة العالمية" حيال تحركات مليشيا حزب الله تؤكد كل التقديرات تراجع ما يحصل عليه حزب الله لأقل من 400 مليون دولار، كما أن خطط إيران وحزب الله لنقل أنشطة ومشروعات مليشيا حزب الله لمناطق أخرى مثل "آسيا الوسطى" تحتاج إلى وقت كبير، وهو ما يطرح مجموعة من "الفرص" أمام القوى الوطنية اللبنانية وهي:
1- الإصرار على الانتخابات المبكرة، فمليشيا حزب الله خسرت الجزء الأكبر من حاضنتها الشعبية، لأن الإنفاق اليوم يتم على الدائرة الضيقة للحزب، وليس على الحاضنة الشعبية التي كانت تصوت له في الماضي، وهذا تفسير عملي لرفض حزب الله وأنصاره فكرة الانتخابات المبكرة، خاصة أن الصورة السابقة لما يسمى "بمشروع المقاومة" تلطخت بعدما تأكد للجميع ارتباط الحزب بكبار تجار المخدرات وكارتلات الكوكايين وأباطرة تجارة البشر وغسل الأموال.
2- دعم مؤسسات الدولة اللبنانية، لأن كل مساحة تكسبها الدولة ستكون خصماً من حزب الله، وإذا كانت مقولة إن "الجيوش تمشي على بطونها" صحيحة فإن المليشيات المسلحة كمليشيا حزب الله ستتأثر سلباً وبقوة بفعل تراجع الأموال التي كان يجنيها الحزب لتمويل هذه الميلشيات من أنشطته الإجرامية.