إن مضيق هرمز منطقة لا تحتمل التهديد من كائن من كان، لأنها حساسة استراتيجيا إلى أقصى حد.
حرب سياسية وإعلامية شرسة تدور رحاها في ثنايا اجتماعات روحاني مع الأوروبيين المتمسكين بالاتفاقية النووية التي أخذت من عمر الطرفين قرابة العقد من الأخذ والرد حتى حلت المعادلة السياسية (1+5)، ولم تأخذ من وقت ترامب إلا ثواني معدودات للانسحاب منها.
ومنذ الإعلان عن ذلك الانسحاب المفاجئ والعالم يعيش حالة من الهياج السياسي، فهناك من ينذر بحرب عالمية ثالثة «ملامحها واضحة»، وهناك من يرونها تمثيلية بين الدول الكبرى يتم من خلالها تحقيق مصالحها على حساب مصالح الدول الصغرى في العالم «الرابع» من بعد «الربيع» المارق.
لم تمر على التهديد الإيراني بغلق المضيق إلا فترة وجيزة، حتى هاتف ترامب الملك سلمان طالباً منه تعويض النقص الذي قد يلحق السوق العالمية للنفط جراء تطبيق العقوبات الجديدة على إيران، والتي ينجم عنها إيصال طهران إلى نقطة الصفر في تصدير النفط بداية من نوفمبر المقبل
ولأول مرة في تاريخها السياسي، تقلب أمريكا الطاولة على رؤوس الحلفاء المقربين والأعداء الألداء معاً. وهو وضع مربك لصناع السياسة في العالَم الأمريكي قبل العوالم الأخرى، لأن ترامب يرمي بقراراته عبر خطوط تماس «تويتر» الموتورة.
عاد النفط إلى واجهة المشهد السياسي والاقتصادي، وكأن العالم يعود لسبعينيات القرن الماضي، حيث علا صوت المعركة المرتقبة، لكن وفق سيناريوهات تضغط منطقة الشرق الأوسط الجديد نحو القاع.
كان البعض يظن أن المعركة القادمة ستكون حول المياه، وقد يكون صحيحا جزئياً؛ لأن التوتر الحالي يتركز في مضيق هرمز، لكن النفط هو مداره، لأن 40% من نفط العالم تمر من هناك، فهذا هو السلاح الذي سيظهر على السطح في قابل الأيام، ولا نتمنى استخدام أي أسلحة أخرى.
يبدو أن ساعة الصفر في إيران قد حانت، بعد أن قررت أمريكا شد الوثاق على حكم الملالي وتضييق الخناق عليهم ولف حبال الفقر حول عنق الشعب، بعد منع تصدير النفط الإيراني عبر تحذير الدول الأخرى من الالتفاف على العقوبات المفروضة ضد طهران، بداية من نوفمبر المقبل.
من أجل ذلك تحالفت 24 دولة غربية لإتمام هذه الصفقة السياسية ضد إيران الملالي. وإذا صدق الغرب في نواياه هذه تجاه دولة مارقة ومشاكسة، فإن سيناريوهات متعددة يجب أخذها في الاعتبار، ليس لبراءة إيران من التدخل في شؤون الجيران، بل لعدم إغراق المنطقة في حروب عبثية كما نراها اليوم في الدول التي ابتليت بجرثومة الفوضى التي خلقت أوضاعاً مزرية تحتاج إلى عقود للعودة إلى ما قبل «الربيع» الغادر.
الحديث عن مدى قدرة إيران على التضييق على مضيق هرمز، يجب ألا يخرج عن موازين القوى العالمية والإقليمية في هذا المكان الذي ليس لإيران الحق في التصرف فيه كما تريد. فهي تستطيع العرقلة، لكنها لا تقدر على تعطيل حركة الملاحة البحرية في المضيق، لسبب جوهري ينطبق على كل الدول التي لديها إطلالة وتماس مع هذا المعبر المائي الحيوي. فالمضيق تنطبق عليه القوانين البحرية الدولية، لا سيما أنه من مناطق أعالي البحار، حيث لا يحق لأي دولة في هذا النطاق القيام بأي عمل يستفز حركة الملاحة البحرية العالمية، لا سيما أن العالم لا يحتمل انخفاض صادرات النفط إليه، لمجرد أن إيران لا يروق لها موقف أو قرار معين!
ولم تمر على التهديد الإيراني بغلق المضيق إلا فترة وجيزة، حتى هاتف ترامب الملك سلمان طالباً منه تعويض النقص الذي قد يلحق السوق العالمية للنفط جراء تطبيق العقوبات الجديدة على إيران، والتي ينجم عنها إيصال طهران إلى نقطة الصفر في تصدير النفط بداية من نوفمبر المقبل.
إن مضيق هرمز منطقة لا تحتمل التهديد من كائن من كان، لأنها حساسة استراتيجياً إلى أقصى حد. وكل من يريد أن تصله لقمة هنيئة خالية من تلوث دخان البارود وجراثيم حرب إقليمية كبرى، وقد تكون الأكبر من نوعها في التاريخ، يدرك الحاجة لتدخّل عقلاء السياسة في العالم لمنع وقوع ذلك، مهما كانت المبررات.
وفيما تدق إيران طبول الحرب انطلاقاً من هرمز، فإن في المنطقة من الحروب البينية ما يكفيها ويزيد، ولا توجد للحرب مساحة لاحتوائها.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة