فقر مروع.. الاقتصاد الأرجنتيني بعد 10 أشهر من حكم «مايلي»
قبل أكثر من 10 أشهر من الآن تولى خافيير مايلي سدة الحكم في الأرجنتين، وبدأ بإجراءات اقتصادية عنيفة.
الإجراءات التي سماها مايلي "العلاج بالصدمة" تتضمن تخفيضات كبيرة بالميزانية وخفض قيمة العملة وشطب وزارات وخصخصة الشركات المملوكة للدولة هي ببساطة إجراءات تقشفية تتطابق إلى حد كبير مع روشتة صندوق النقد الدولي.
تبدو هذه الإجراءات للوهلة الأولى إجراءات إصلاحية ثورية، لكنها تسببت فيما لا يحمد عقباه، حيث قفز معدل الفقر في الأرجنتين إلى ما يقرب من 53% في النصف الأول من العام الجاري، وهو أول دليل ملموس على التأثير المؤلم لإجراءات التقشف الصارمة التي اتخذها ميلي، إذ تعد قفزة حادة من معدل 41.7% في نهاية العام الماضي وأكثر من ضعف نسبة 26% قبل سبع سنوات فقط.
يرزح أكثر من نصف الأرجنتينيين تحت خط الفقر، ما يسلط الضوء على التكلفة الباهظة التي يتحملونها نتيجة الأزمات الاقتصادية المتكررة التي ضربت الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية.
تؤكد البيانات كيف تسببت تخفيضات الإنفاق التي فرضها مايلي، والتي تهدف إلى التخلص من العجز المالي المتفاقم، في آلام كبيرة، فالبلاد في حالة ركود عميق، ورغم تراجع التضخم إلى 236.7% في أغسطس/آب، فإنه مستوى مخيف، وهو أيضا أعلى من مستويات 160% عند تولي "مايلي" الأمور في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
قالت إيرما كاسال، 53 عاما، امرأة أرجنتينية تعمل ثلاث نوبات في إعادة تدوير القمامة وجمع الكرتون وبناء الطوب وتكافح من أجل البقاء على قيد الحياة "منذ أن تولت هذه الحكومة السلطة انخفضت الوظائف". وأضافت "نحن نعمل بجد مضاعف مقابل أجر أقل وعلينا الاستمرار".
رحبت الأسواق والمستثمرون بتخفيضات الإنفاق التي أقرها مايلي للمساعدة في تصحيح أوضاع الدولة المالية بعد سنوات من العجز، لكنها دفعت البلاد إلى الركود كما أن المؤشرات تشير إلى أن الاقتصاد قد يكون الآن في أدنى مستوياته.
قدر مرصد الجامعة الكاثوليكية في الأرجنتين أن معدل الفقر ارتفع إلى 55.5% في الربع الأول من العام قبل أن يتراجع إلى 49.4% في الربع الثاني، مما يعطي متوسطًا بنسبة 52% للأشهر الستة الأولى من هذا العام.
- بريطانيون يطالبون بكسر «بريكست».. هل تلتفت لهم الحكومة؟
- 28 تريليون دولار.. جبل الديون الذي يتجاهله ترامب وهاريس
مستوى مروع من الفقر
قال أوغستين سالفيا، مدير مرصد جامعة كولومبيا، إن سياسات مايلي كانت لها تأثيرات كبيرة في بداية العام. ومع ذلك فقد ظهرت علامات على التحسن مؤخرا، كما أضاف.
وتابع "إذا نظرت إلى القصة بأكملها فإنها تُظهر تدهورا في الربع الأول، وقد بدأ هذا الوضع في التحسن منذ ذلك الحين".
خفضت حكومة الأرجنتين بعض برامج الرعاية الاجتماعية وقلصت الدعم لمطابخ الحساء، لكنها تزعم أنها وسعت أيضا برنامجين رئيسيين للرعاية الاجتماعية، هما بدل الطفل الشامل وبرنامج بطاقة الغذاء، ما يمنح الدعم المباشر للأسر.
وقال المتحدث باسم الرئاسة مانويل أدورني في مؤتمر صحفي الخميس: "إن مستوى الفقر مروع"، وألقى باللوم على سوء الإدارة من قبل الحكومات السابقة في ترك "القنابل" الاقتصادية التي يحاول مايلي الآن إبطال مفعولها.
وأكد "نحن نفعل كل شيء، كل شيء حتى يتغير هذا الوضع".
تفاوت اقتصادي
تعاني الأرجنتين من تفاوت اقتصادي كبير بين المناطق الحضرية والريفية، وبين الفئات الاجتماعية المختلفة. إذ تعاني المناطق الريفية من نسب فقر أعلى مقارنة بالمدن، وتعتبر الضواحي الأكثر تضررًا من الفقر، كما أن الفجوة الكبيرة بين الطبقات الثرية والفقيرة تعمّق أزمة الفقر وتجعل من الصعب على الفئات الفقيرة تحسين أوضاعها الاقتصادية.
تعتبر فئة الأطفال من أكثر الفئات تأثراً بالفقر في الأرجنتين. تشير التقارير إلى أن أكثر من 50% من الأطفال في الأرجنتين يعيشون تحت خط الفقر. هذا يؤدي إلى آثار طويلة الأمد على صحتهم وتعليمهم ومستقبلهم.
تعاني أيضاً النساء من نسب فقر أعلى مقارنة بالرجال، خصوصًا الأمهات العازبات أو النساء اللواتي يعملن في قطاعات غير رسمية. كما تعاني النساء من فجوات في الأجور بين الجنسين، مما يزيد من تأثرهن بالفقر.
السكان في المناطق الريفية هم من بين الأكثر تضررًا من الفقر بسبب قلة فرص العمل، وضعف البنية التحتية، وانخفاض مستوى الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم.
التعليم والصحة مهددان
يؤدي تفاقم الفقر إلى انخفاض معدلات التعليم، حيث يصعب على الأسر الفقيرة تحمل تكاليف تعليم أبنائها، مما يزيد من نسب التسرب المدرسي. وتشير الإحصاءات إلى أن الأطفال في المناطق الفقيرة هم أقل عرضة لإكمال تعليمهم الثانوي أو الجامعي.
يؤثر الفقر أيضاً على الصحة العامة للسكان؛ إذ تجد الأسر الفقيرة صعوبة في الوصول إلى الرعاية الصحية الجيدة، مما يؤدي إلى زيادة الأمراض وسوء التغذية. وتعد معدلات سوء التغذية بين الأطفال من بين أعلى المعدلات.
سياسات غير مستقرة
تبنت الأرجنتين على مدى العقود الأخيرة مجموعة من السياسات الاقتصادية المتضاربة، بين الليبرالية الجديدة وسياسات الحمائية، لتسبب هذه السياسات المتقلبة في تفاقم الأزمات الاقتصادية وزيادة الديون الخارجية، وجاء برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي قدمه صندوق النقد الدولي مقابل قروض لإنقاذ الاقتصاد الأرجنتيني، بشروط تقشفية قاسية أثرت على الفئات الفقيرة بشكل كبير.
ديون لعنان السماء
الأرجنتين مثقلة بالديون الخارجية، حيث كانت في العديد من المناسبات غير قادرة على سداد ديونها، ما أدى إلى تدابير تقشفية أثرت سلبًا على الطبقات الفقيرة. تضخم الدين الخارجي يشكل عبئًا كبيرًا على الاقتصاد، ويحد من قدرة الحكومة على الاستثمار في الرعاية الاجتماعية والبنية التحتية لتحسين أوضاع الفقراء.
واصل الدين الخارجي الأرجنتيني ارتفاعه في الآونة الأخيرة ليسجل 290 مليار دولار في نهاية مارس/آذار الماضي، مقارنة بـ268 مليار دولار قبلها بـ 3 أعوام، ومثلت الديون أكثر من 88% من حجم الاقتصاد بنهاية العام الماضي صعوداً من 80.6% في نهاية 2021.